فى هدوء وكالنسمة الرقيقة اختارت أن تبتعد عن الأضواء، أن تعتزل الفن الذى أحبته ومنحته أجمل أيام عمرها.
سنوات طويلة نشرت فيها البهجة والجمال والابتسامة، ومنحتنا جرعات من السعادة لازلنا نعيش على مخزونها المتفرد الذى لا يتكرر، ولأنها من جيل العظماء الذين منحونا فيضا من السعادة، واختاروا أن ينفردوا بآلامهم وأحزانهم ويبتعدوا فى هدوء حين تمنعهم الظروف عن الاستمرار فى العطاء حتى يحتفظ الجمهور بصورهم المبهجة، ابتعدت، واختارت أن تعيش بعيدا عن الأضواء.
إنها أيقونة الجمال والسعادة الفنانة شويكار.
لا زالت تحتفظ بجمال وجهها وابتسامتها، وسحر صوتها ودلاله، فبمجرد سماع هذا الصوت تستدعى كل مخزون السعادة والبهجة الذى رسخته أعمالها طوال تاريخها الفنى.
جاء صوتها محملا بحالة من السكون والسكينة ربما تخفى وراءها شيئا من الحزن والشجن والحنين لذكريات الماضى، ولكن كعادتها تفرض حالة من الغموض والعزلة على هذه الذكريات، كما اعتادت طوال تاريخها الفنى على عدم الحديث عن تفاصيل حياتها الشخصية.
تحدثنا معها عن ذكرياتها وعاداتها فى رمضان، فجاء صوتها هادئا متصالحا ومتقبلا للتغيير الذى حدث فى حياتها، وقالت: "الذكريات كتير منها الحلو والوحش، وأهم حاجة فى رمضان لمة العيلة، لكن الزمن اتغير والعادات اتغيرت، كنت الأول بأعزم ولادى كل يوم فى رمضان هما وولادهم وباعملهم الحاجات اللى بيحبوها بإيدى لكن دلوقت مابقدرش أعمل حاجة لأنى مريضة، وبدل ما ولادى كانوا بييجولى فى رمضان أنا باروحلهم".
تتحدث الفنانة الجميلة بنت الأصول، التى ولدت لأسرة تركية عن رفيق حياتها وحب عمرها الفنان فؤاد المهندس، فلا تذكر اسمه إلا وتسبقه بعبارة "الأستاذ الفاضل فؤاد المهندس"، تحكى عنه بحب جارف، وتتذكر ارتباط الجمهور بهما كأشهر ثنائى فى السينما والمسرح، وإزدياد هذا الارتباط فى رمضان بشكل خاص، حيث يعد اسكتش "أنا صايم" أحد العلامات الفنية المميزة للشهر الكريم.
لا تنسى عبارة المهندس فى هذا الاسكتش وهو يناديها: "سامحينى ياشوشو أنا صايم"، فترد عليه: "هوة أنت لوحدك طب ما إحنا كلنا صايمين".
وبينما تقضى الهانم كما كان يناديها الفنان فؤاد المهندس قبل زواجه منها أيام رمضان فى بيتها أو بيت ابنتها، ولا تكاد تخرج مطلقا منذ أصيبت العام الماضى بكسر فى الحوض لم تتعافى منه حتى الآن، كيف كانت حياتها فى رمضان من قبل وقتما كان وقتها مزدحما بالعمل الفنى.
وتقول: "ارتبط الجمهور بنا فى شهر رمضان، حيث قدمت أنا والأستاذ فؤاد على مدار 15 عامًا مسلسلات إذاعية، كانت تذاع وقت الإفطار، وكنا أحيانا نفطر فى الشارع بسبب العمل".
ترفض الفنانة شويكار منذ بداية شهرتها الحديث عن تفاصيل حياتها، حتى أن سبب انفصالها عن المهندس ظل غامضًا حتى الآن.
ولا يعرف الكثيرون شيئًا عن حياتها الشخصية، ويصفها أغلب النقاد والكتاب الذين تناولوا تاريخها الفنى بالمراوغة والغموض والذكاء والحيوية، وهو ما أطلقته عليها الكاتبة ناهد صلاح، فى كتابها الصادر عن مهرجان السينما بعنوان "شويكار سيدتى الجميلة"، حيث وصفت الحوار معها بأنه كلعبة الشطرنج من شدة ذكائها وعدم رغبتها فى الاستسلام للأحاديث التقليدية.
كما وصف الناقد أحمد يوسف شويكار فى كتابه "نجوم وشهب فى السينما المصرية" بأن جمالها هو غموضها وصعوبتها فى سهولتها، وبريقها هو مراوغتها الزئبقية.
اسمها شويكار شفيق إبراهيم شكرى طوب صقال، وتنتمى لعائلة من أصل تركى، و"طوب صقال" لقب تركى يحصل عليه أصحاب المقام الرفيع، جاء جدها الأكبر من تركيا إلى مصر أيام الحكم العثمانى، وكان ضابطًا فى جيش محمد على، وكان والدها من أعيان الشرقية، بينما تنتمى الأم لأصول شركسية ولكنها ولدت وتربت فى مصر.
وتربت شويكار فى بيت ارستقراطى بمصر الجديدة، وكان والدها مثقفا ومغرما بالشعر، وتلقى تعليمه فى لندن، بينما كانت والدتها تجيد العزف على البيانو.
ومنذ أن كانت فى سن الرابعة بدأت ميول شويكار الفنية، وبدأ حبها للفن بحبها الجارف لليلى مراد، وحققت الأم حلم ابنتها فى دخول السينما، وهى فى سن التاسعة لتشاهد فيلم "قلبى دليلى" وكانت ليلى مراد نجمتها المفضلة وسر حبها للفن.
التحقت شويكار بمدرسة فرنسية، وما أن وصلت إلى سن 16 عامًا حتى زوجها والدها من شاب ثرى زواجًا تقليديًا، وأنجبت شويكار ابنتها منة الله، وبعد عام من الزواج أصيب الزوج بمرض خطير، وظل مريضًا لأكثر من عام، فقررت شويكار استكمال دراستها الثانوية.
وقد لا يعلم الجمهور أن نجمته الجميلة التى كثيرا ما رآها فى دور الدلوعة، عاشت أكبر صدمة تتعرض لها امرأة عندما توفى زوجها الشاب، لتصبح الشابة الجميلة أرملة ومسئولة عن طفلة وهى فى سن 18 عامًا.
واختيرت شويكار أمًا مثالية فى نادى سبورتنج، وهى فى سن 20 عامًا لأنها كانت تعمل وتدرس وتربى ابنتها.
تعاملت شويكار بحزم وحسم فى حياتها، وتعودت على تحمل المسئولية مبكرًا، والتحقت بكلية الآداب قسم اللغة الفرنسية، وبحثت عن عمل بعد وفاة زوجها، فرشحها المخرج حسن رضا، الذى كان مقربًا من عائلتها، للعمل بفرقة أنصار التمثيل، وشاركت فى ثلاث مسرحيات، واجتهدت وتلقت دروسا على يد محمد توفيق وعبدالوارث عسر ،ومثلت أول أدوارها فى السينما فى فيلم "حبى الوحيد" سنة 1960، وتوالت عليها عروض الأفلام.
وفى عام 1963، لعبت الصدفة دورًا هامًا فى حياة شويكار عندما شاركت فؤاد المهنس مسرحية السكرتير الفنى، وكان مقررًا أن يقوم بالبطولة أمامها الفنان السيد بدير، الذى رشحها للمسرحية، ولكنه اعتذر لظروف سفر مفاجئ، فاستعان المخرج عبدالمنعم مدبولى بصديقه فؤاد المهندس لأداء الدور.
ومن هنا بدأت رحلة الإبداع الفنى و بداية تكوين الثنائى الذى أمتعنا بروائع المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة، وتوالت أعمالهما معا فى الأفلام التى تجاوز عددها 26 فيلمًا، منها شنبو فى المصيدة، وأنت اللى قتلت بابايا، وأرض النفاق، ومطار الحب، وفيفا زلاطا، والعديد من المسرحيات الشهيرة.
تعلق فؤاد بشويكار وتملك الحب من قلبيهما، وطلب الزواج منها على خشبة المسرح أثناء مسرحية أنا وهو وهى، قائلا: "تتجوزينى يابسكوتة، فأجابت وماله، ليبدأ ارتباط أشهر ثنائى فنى".
استطاعت شويكار بنت الأكابر أن تجسد شخصية الهانم الدلوعة، وبنفس القدرة برعت فى أداء أدوار الفتاة والسيدة الشعبية التى تنتمى للطبقات المطحونة والكادحة، وأن تمثل الأدوار الكوميدية بنفس براعة أداء الشخصيات المركبة، ولا يزال الجمهور يحفظ عباراتها الشهيرة
وطريقة أدائها المميزة "شيئ لا يصدكه عكل، وأنت اللى قتلت بابايا، وأنت الكلب الكبير".
وتميزت العلاقة بينها وبين فؤاد المهندس بالرقى الشديد، وأصبحت شويكار أما ليس لابنتها فقط ولكن لأبناء فؤاد المهندس من زوجته الأولى، وهم ولدين ارتبطت بهما وارتبطا بها ارتباطا شديدًا استمر حتى الآن، حتى بعد طلاق والدهما من شويكار وأيضا بعد وفاته، ولا يزالان يزورانها حتى الآن.
واستمر زواج شويكار والمهندس نحو 20 عامًا، قدما خلالها أنجح الأعمال السينمائية والمسرحية، وكانا أشهر وأجمل دويتو غنائى استعراضى مسرحى سينمائى، وانفصلا فى هدوء ودون مشكلات، ولم يتحدث أى منهما عن أسباب الطلاق، واستمرت علاقة الود بينهما مايقرب من 20 عاما أخرى حتى وفاته، وظل كل منهما يذكر الأخر بكل حب واحترام ورقى، كما تعاونا فى بعض الأعمال الفنية بعد طلاقهما.
كانت العلاقة بين شويكار والمهندس أكبر من الزواج والصداقة والزمالة، وأقوى من الإنفصال والموت والزمن.
تعترف شويكار بأنها لم تحب سوى فؤاد المهندس، وتصفه بحب عمرها، الذى لم تبتعد عنه حتى آخر لحظات حياته ووفاته فى عام 2006، تتحدث عنه بحب قائلة: "لم يكن يأكل إلا من يدى وكنت حبه الأول والأخير، وأحببت أولاده، وحتى بعد وفاته كنت أصنع لهما الطعام الذى يحبوه".
لا تزال النجمة الجميلة تعيش على ذكرياتها مع المهندس، وكان آخر أعمالها معه فيلم "جريمة إلا ربع" سنة 1990.
وكان آخر أعمال النجمة شويكار فيلم "كلمنى شكرا" عام 2009، والذى قامت فيه بدور أم إبراهيم توشكى السيدة البسيطة ابنة الحارة الفقيرة، وأدت دورها ببراعة شديدة، ورغم ذلك شعرت بالغربة أثناء تصوير الفيلم، فلم تعد الأجواء هى نفسها التى اعتاد عليها نجوم الزمن الجميل، بسبب السرعة وعدم الترابط والحميمية بين أبطال العمل الفنى، وبعدها قررت الاعتزال نهائيا، وأكدت رفضها الظهور حتى فى البرامج الفضائية.
وتعيش شويكار الآن حياة هادئة بين أبنائها وأحفادها ولا تستقبل فى بيتها إلا شخصيات محدودة، ومنهم أشقائها وصديقة عمرها الفنانة ميرفت أمين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة