على أرضها سار أصحاب الرسالات السماوية، وعبر وديانها مرت جيوش لأمم عظيمة ثم رحلت وبقيت سيناء مكانها ثابتة، وراسخة كجبالها، وكذلك ظل أهلها الذين تمسكوا بها فى وقت الشدة قبل الرخاء.. هنا جنوب سيناء البقعة الساحرة التى تجمع بين الصفة المقدسة وروعة الطبيعة وعبق التاريخ.
«اليوم السابع» فى رحلة استغرقت7 أيام تجولت فى أبرز مدن المحافظة للتعرف على أحوالها، بدءًا من أوضاع سكان الوديان المختلفة فى جنوب سيناء، الذين يعانون بسبب أوضاع السياحة الصعبة وتأثيرها على حياة المواطنين العاملين بها فى مدن مثل سانت كاترين ونويبع والطور وغيرها مما دفع بعضهم إلى هجر هذا المجال والبحث عن فرص عمل أخرى مثل عودة أصحاب المراكب السياحية للعمل فى الصيد، وأيضًا تحول الكثيرون إلى المجال الزراعى ومحاولة الاستفادة من طبيعة أرض سيناء كنوع من البحث عن حلول أكثر إيجابية. فى هذا الملف تتبعت «اليوم السابع» العديد من النقاط التى تخص حياة المواطن السيناوى والأعمال التى اشتهر بها عن غيره ومنها الدليل البدوى، وكيف أصبح هذا الدليل حائرًا فى الوقت الحالى بسبب ضعف الإقبال السياحى ورغبة الشباب فى البحث عن مهن أخرى تكون أقل مشقة وأعلى دخلاً. كما تناولت « اليوم السابع» فى ملفها عن سيناء أفراح السيناوية وطرق احتفالهم، وكذلك رفضهم للصورة الذهنية المأخوذة عن الرجل البدوى ومعاملته لأهل بيته وتحديدًا زوجته، كما تطرقت إلى معايشات حية تكشف الفارق الكبير بين الوقع والصورة الذهنية المغلوطة عند الكثيرين بشأن أبناء سيناء، كما طرحت «اليوم السابع» على الأهالى الذين التقتهم التساؤلات الذائعة ومنها تساؤلات تتعلق بطريقة الحياة الاجتماعية ومدى اختلافها عن باقى المناطق المصرية، ومنها تلك التساؤلات التى تتعلق بإجبار الفتيات على الزواج من أقاربهن، وما إذا كانت الفتاة البدوية مقهورة أم لها حقوق وعليها واجبات. أهالى سيناء، ورغم أزماتهم ومشاكلهم اليومية التى عانوا منها بعد ثورة 25 يناير وأطلقوا عليها اسم سنوات السبع العجاف، فإن الأمل فى الإصلاح وتحسن الأحوال لم يغب عنهم، بل إنهم ينتظرون خير السنوات المقبلة.
سكان الوديان.. الحياة على الهامش
- نقص المياه المشكلة الكبرى.. ومطالب بدعم العاملين فى الصحة والتعليم.. وتسهيل إجراءات إثبات الجنسية مطلب جماعى.. ومطالب بزيادة الحافز المادى للموظفين فى المناطق النائية
«محافظة جنوب سيناء».. اسم عندما يُذكر تتدفق الأفكار فى العقول فورًا حول الشواطئ ورحلات السفارى وصعود الجبال والإقامة فى الفنادق والقرى السياحية المرفهة، لكن طالما ظلت هناك حلقة مفقودة يغفلها المسؤولون وهى المتعلقة بسكان الوديان والأماكن التى يعيشون فيها وأوضاعهم والخدمات القليلة المقدمة لهم، ومستوياتهم الاجتماعية.
عبر طريق طويل يمتد من مفارق «الطور/ كاترين» وصولا لمدينة سانت كاترين بمسافة تقارب 300 كيلو متر، ربما تشعر بالرهبة بسبب فعل تكوينات الطبيعة وافتقار الطريق لبعض عوامل السلامة على رأسها أنه طريق أحادى وليس حارتين للذهاب والعودة، فضلا عن خلوه من نقاط إسعاف ومراكز خدمات عاجلة.
وسط تلك السلاسل الجبلية الضيقة ستجد العديد من التجمعات السكنية موجودة على جانبى الطريق، بعضها مبنى من الطوب وأخرى مغطاة بجذوع الشجر بشكل بدائى، ومن اللحظة الأولى للسير على هذا الطريق ستتأكد أنه لا يوجد مواصلات عامة تربط بين سكان تلك التجمعات والمراكز الرئيسية فى أبو رديس وكاترين والطور وغيرها، لذا ينتظرون بالساعات على الطريق أملا فى مرور أى سيارة تأخذهم معها أو أستأجر سيارة خاصة لتوصيلهم لهدفهم المرجو.
على جانبى الطريق يمكنك أن ترى أنابيب بوتاجاز فارغة، حيث اعتاد سكان الوديان على وضعها فى تلك الأماكن ويربطون بها الأموال حتى تأتى السيارات محملة بالأسطوانات الممتلئة، وتقوم بعملية التغيير وتركها مكانها ثم ينزل الأهالى فى مواعيد محددة إلى الطريق الرئيسى لاستلام أنابيبهم، تلك الدورة تتم بشكل يومى تقريبًا.
لمحات عن الخدمات
بخلاف المواصلات فإن لمحة سريعة ستكتشفها عن معاناة السكان بالمكان بمجرد رؤيتهم يحملون الأوانى، من أجل الحصول على المياه من عربات الشركة القابضة للمياه، وكذلك الآبار الموجودة خاصة أن المياه الجوفية هى المصدر الرئيسى للمياه فى هذه المناطق.. وكما يقول رمضان السيد «43 عامًا»، سائق سيارة تخزين مياه تابعة لشركة المياه، فإنهم يوميًا يقومون بملء من 5 إلى 10 «تنكات» مياه للأهالى على طول الطريق والتجمعات التابعة له من مركز أبورديس حتى مدينة كاترين.
سائق سيارة تخزين المياه، الشيخ حميد أحد سكان التجمعات التابعة لكاترين، يقول «ندرة المياه هنا أزمة كبيرة»، لافتًا إلى أن الأهالى يعانون مشاكل كبيرة بسبب ركود السياحة إضافة إلى ضعف الخدمات المتوفرة قائلا فى التعليم مثلا فالمدرسين الموجودون فى المكان يتوجهون إلى المدرسة من أجل تحليل راتبهم الشهرى لكنهم لا يبذلون أى جهد إضافى فى تعليم الطالب.
ويضيف الشيخ البدوى: «بالنسبة للرعاية الصحية نضطر لقطع مسافات طويلة من أجل التوجه للوحدة الصحية التابعة لقرية الطرفة أو النقطة الصحية بالسباعية أو المستشفى فى كاترين كأقرب مكانين هنا ولكن المشكلة أنك عندما تذهب تجد طبيب منفرد، ولا يعتنى بك كما أن العلاج تضطر لشرائه من الصيدليات فى الخارج لعدم توافره فى المستشفى».
بجوار بئر المياه أيضًا كان الطفل أحمد إبراهيم يقف من أجل الحصول على «جركن» مياه لمنزله القريب من الطريق الرئيسى، يقول إبراهيم: «التعليم عندنا تعبان»، مؤكدا أنه يجد مشقة كبيرة فى الوصول من منزله إلى مدرسته ويضطر لقطع مسافة تصل إلى 15 كيلو تقريبًا.
ويضيف الطالب بالمرحلة الإعدادية: «مشكلة المدارس هنا أنه لا يوجد رقيب على المدرسين أو الطلاب، والكتب المدرسية دائمًا ما تسلم فى وقت متأخر حتى فى أوقات الامتحانات تغيب الرقابة عن اللجان بصورة ملحوظة».
على الرغم من أن المدارس المنتشرة على الطريق تتميز بالبنية التحتية الجيدة، والمظهر اللائق، ويتوافر بها المقاعد الكافية والأدوات الأساسية اللازمة لتوصيل الرسالة التعليمية إلا أن المشكلة الرئيسية فيها تتمثل فى قلة أعداد المعلمين الذين يأتون لهذه المناطق المصنفة كـ«نائية»، نظرًا لضعف الخدمات المتوافرة فى المكان، وهذا ما أكده حسن إبراهيم، مدرس لغة عربية بمدرسة الطرفة الثانوية كان يقف على الطريق فى انتظار سيارة تقله من قرية الطرفة إلى مدينة سانت كاترين.
وأوضح مدرس اللغة العربية المنتدب من محافظة كفر الشيخ، أنه يعمل فى مدرسة الطرفة الثانوية منذ أربع سنوات واعتاد على ضعف المواصلات أوالخدمات الأساسية المقدمة، مضيفًا: «بعض المدرسين يرفضون المجىء هنا بسبب غياب الحافز المادى الإضافى، خاصة أن المدرس فى مدينة الطور أو رأس صدر يحصل نفس الراتب الذى يتقاضها زميله العامل فى مدارس خط الوديان مع الفارق أن الخدمات المتاحة هناك أفضل بكثير».
معايشة فى «وادى فيران»
المشاكل المذكورة أعلاه، تحتاج إلى توضيح أكثر، وفهم بشكل أكثر تفصيلاً، لذا أجرت «اليوم السابع» زيارة إلى منطقة «وادى فيران»، التابعة إداريًا لمركز أبورديس، للتعرف على أحوال أهل الوديان، من خلال التحدث مع شيوخ وشباب قبيلة «القرارشة»، المقيمة بتلك البقعة، والتعرف مشاكلهم ومطالبهم من الجهاز التنفيذى للدولة.
فرحان حسن فرحان، شيخ بدوى فى العقد السابع من عمره، رأى تلخيص مشاكل «وادى فيران» وأغلب الأودية الأخرى فى جملة واحدة «إحنا عطشانين»، موضحًا: «هنا شبكات مياه تم توصيلها على آبار لكنها جفت، ونحضر ما يكفى حاجتنا من الشرب بطريقتين، أما فى «جراكن» تنقلها سيارة نصف نقل من أقرب بئر مياه على بعد 10 كيلومترات، أو سيارات نقل مياه نفرغها فى خزانات بجوار منازلنا».
ويضيف الشيخ البدوى: «حل مشكلة المياه ليس إعجازًا علميًا، خاصة أن المناطق هنا بها منحدرات جبلية، ومسارات فروع أودية، لو تمت إقامة سدود عليها وتحويلها لأحواض تستقبل كل شتاء السيول لانتهى جانب كبير من المشكلة، بل وعمت الفائدة للزراعة أيضًا».
فيما انتقل يوسف حسين، أحد شباب «فيران»، إلى الحديث عن جزئية المقررات التموينية قائلاً: «عدد السكان الذين يحصلون على مقررات تموينية 9 آلاف فرد، موزعين على قرابة 52 تجمعًا سكنيًا، لكنها لا تكفى احتياجاتنا»، مشيرًا إلى أنهم لمسوا إنجازًا واضحًا فى الأعوام الأخيرة فى توصيل الإنارة لمنازلهم على مدار الساعة، بعدما كانت تعمل لساعات محددة، متمنيًا توصيل الكهرباء للوديان التى لم تصل إليها حتى الآن فى جنوب سيناء.
ولفت «يوسف» إلى أنه يأمل فى تشديد الدولة رقابتها على المنشآت الحكومية الموجودة فى الوديان المختلفة، مثل المدارس التى يغيب عنها المدرسون، وكذلك الوحدات الصحية التى لا تتوافر بها أدوية وأطباء طوال الوقت، مؤكدًا أنه توجد وحدة صحية فى منطقة الطور مغلقة منذ إنشائها منذ عدة سنوات، وحتى اليوم لم تعمل، وفى «وادى فيران» و«السباعية» وحدات تعمل بشكل محدود، ومطلوب توفير أجهزة طبية بها تساعد السكان، حيث إن أقرب مستشفى يبعد عن المكان أكثر من 200 كيلومتر.
فيما ذهب سالم القرشى إلى مطلب آخر يتمثل فى قيام الجهات الحكومية بمنح استثناءات لأهالى المناطق الجبلية فى الوديان لأبنائها ليعملوا فى المنشآت الحكومية الموجودة فى نطاقها، مثل الوحدات الصحية، من خلال تدريب الشباب الحاصل على مؤهلات مناسبة للعمل كممرضين، وإلزامهم بالنطاق الجغرافى، والحال نفسه فى المدارس.
واختتم أهالى «فيران» مطالبهم، مؤكدين أن موضوع إثبات الجنسية أكثر ما يؤرقهم، خاصة كبار السن عندما يريد أى منهم الحصول على شقة أو ترخيص منزل أو التوجه لمصلحة الجوازات للحصول على إثبات أنهم مصريرن، مشيرًا إلى أنهم فى المصلحة يطلبون منهم الأوراق الخاصة بشهادات الميلاد الصادرة لهم ولآبائهم أن تكون الأصل وليس «ساقط القيد».
ووفقًا للأهالى فإن مشكلة سقوط قيد أغلب أوراق أبناء شبه جزيرة سيناء عمومًا تعود إلى أن سجل المدنى قبل تحرير سيناء فى عام 1982 غير موجود، وقبلها الاحتلال الإسرائيلى، وقبله الاحتلال الإنجليزى، ولم تكن الناس تهتم باستخراج أوراق، وبعد عام 1982 كان السائد هو استخراج «سواقط القيد».
الوصول إلى كاترين.. «المسيرة لم تنته»
مدينة سانت كاترين التى تعتبر المفر الأول لأهل الوديان الموجودين على الطريق المؤدى إليها أو التجمعات السكنية التابعة لها والبالغ عددها 44 تجمع، ويمتلك أهلها العديد من المطالب التى تختلف نوعا ما عن باقى المناطق المهمشة فى جنوب سيناء.
ووفقًا لمحمد هشام، مدير مركز المعلومات بمدينة سانت كاترين: فإن عدد سكان التجمعات التابعة لكاترين فى آخر تعداد عام 2016 قدر بـ 6109 نسمة، بينما حاليًا قد يصلون إلى 10 آلاف منهم نسبة %85 من البدو الأصليين، و%15 من الوافدين للعمل فى الوظائف المختلفة أو الأعمال الحرة.
ويُضيف مدير مركز المعلومات : «تمتلك مدينة كاترين 10 منشآت سياحية إضافة إلى عدد كبير من المزارات السياحية المقدسة بكل تأكيد، إضافة إلى وحدة صحية فى الطرفة ونقطة فى السعال ومستشفى كاترين العام، وكذلك منفذ تموين ومكتب ممثل لقطاع الثقافة، ومركز شباب وهما الطرفة وكاترين».
الأرقام السابقة تكشف عن حاجة مدينة كاترين تلك البقعة المقدسة لخدمات محددة خاصة أنها مدينة ثقافية، حيث لا يوجد فيها سوى مكتب صغير ممثل عن وزارة الثقافة، وكذلك لا يوجد سوى مركزى شباب ومستشفى ووحدتين صحيتين تخدم 10 آلاف شخص.
وحول مطالب أبناء قبيلة الجبالية ساكنى مدينة كاترين ودروبها قال محمد سالم، مزارع فى العقد الخامس من عمره: إن أهالى المدينة وتجمعاتها يحلمون بإقامة طريق وادى حبران الذى سيوصل بين كاترين ومدينة الطور بعد قطع مسافة 65 كيلو مترا، لافتًا إلى أن فكرة هذا الطريق تعود إلى أكثر من عقدين، وبالفعل فى الفترة الماضية اتخذت خطوات مبدئية لإقامته لكنها توقفت رغم تناثر أنباء عن رصد ميزانية خاصة بتنفيذه، مشيرًا إلى أن مشكلة الطريق 13 كيلو طريق منخفضة، ويُمكن معالجتها بشكل هندسى وفقًا لما أكده الفنيون الذين زاروا الموقع.
وأوضح الشيخ البدوى، أن أهمية هذا الطريق تكمن فى قدرته على إحداث حالة من الربط فى المحافظة بين مدنها الثمانية يعنى الخير والفائدة ستنال كل المحافظة وليس أهالى كاترين الذين يضطرون لقطع مسافة 170 كيلو للوصول للطور، مما يعنى أن إقامة الطريق سيوفر مسافة 105 كيلو على الراغب فى التوجه إلى الطور.
وحول الجهود الحكومية المبذولة فى تلك البقعة لتطويرها، قال خالد سلامة نائب رئيس مجلس مدينة كاترين: إن هناك 44 تجمعا سكنيا يتبع كاترين بدءًا من قرية الطرفة وحتى مركز المدينة يتم العمل على توفير الخدمات لها بصورة كاملة، مشيرًا إلى أن هناك مقترحا لربط كاترين على الشبكة الدولية بنويبع مما سيؤدى إلى مضاعفة قدرة الكهرباء، وتعزيزها.
واحة فيران.. «يا نخل مين يرويك؟»
- العطش يقضى على المكان التاريخى.. وسائحة ألمانية تبكى على تبدل الأحوال.. و20 أسرة تسكن المكان
مئات من جذوع النخيل جاثية على الأرض وأخرى قائمة بلا طلع أخضر، جميعها يتمركز داخل وادى يابس.. ورغم بؤس المشهد يقف المارة عبر الطريق بين الحين والآخر لالتقاط صور تذكارية، وبعضهم يصعد سفوح الجبال المحيطة والسبب أن هذا المكان هو واحة فيران الشهيرة بالنخيل التى بدل الإهمال على مدى السنوات ملامحها.
ومن المواقف العالقة بذهن أبناء واحة فيران بكاء سائحة ألمانية تخطى عمرها الستين عندما زارت المكان مؤخرًا، وحزنت على حالها بعدما كان جنة خضراء فى يوم من الأيام تجود بأفضل أنواع البلح.
موقف السائحة الألمانية كان حسين صالح الرجل الخمسينى من أبناء قبيلة القرارشة شاهدًا عليه، وقام آنذاك بتهدئة روعها لكنه شعر بالحزن الشديد أيضا عندما قالت له بأنها زارت واحات كثيرة فى العالم، ولم تجد مثيلا لهذا المكان أبدا.
حسين الذى يسكن فى الواحة ويمتلك عريشة، مكان مظلل بالشجر، يبيع فيها الأعلاف كمصدر رزق بديل بعد أن كان يعتمد على تصنيع منتجات النخيل كدخل له، فضلا عن عائد زيارة السائحين للواحة، يؤمن أن هذا مكان من أفضل واحات سيناء وأهمها وقادر على العودة مرة أخرى لمكانته.
ويقول ساكن واحة فيران: «كانت الواحة فى الماضى مصدر رزق لجميع قبائل بدو جنوب سيناء المعروفة باسم قبائل الطورة وهى «القرارشة والصوالحة وأمزينة وأولاد سعيد والجبالية وبنى واصل والعليقات» الذين كان يشدون الرحال للواحة فى شهر أغسطس من كل عام، ويقيمون فيها ليجمعون البلح ويجففونه، ويعدون منه التمر والعجوة، وفى مطلع الشتاء يغادرون المكان لديارهم، ولا يتبقى فيه سوى أهل الواحة من أبناء قبيلة القرارشة». ويضيف الرجل صاحب الخمسين عامًا: «تسمية الواحة تعود لفرار راهبين فى عصر الإسكندر الأكبر إليها وسميت «فارين»، وفى رواية أخرى بسبب فوران المياه».
وأشار حسين إلى أن النخيل فى الواحة لا يتم زراعته باليد بينما نبت ونما بشكل عشوائى منذ زمن وينمو متلاحقا من جذوع بعضه البعض فى تلاحق فريد من نوعه للنمو»، مضيفًا: «كانت غابة أشجار النخيل متشابكة حتى عام 1996، بعدها بدأ فى الجفاف تدريجيا نتيجة تراجع المياه، والنخيل لم يصب بأى مرض ولكن ضربه العطش، ومنذ حلول هذه اللعنة وأحوالها فى تراجع فقد هجرها كثير من السكان القرى والمناطق المجاورة ولم يتبق فيها سوى 20 أسرة.
الحالة الصعبة للأسرة المقيمة فى الواحة ستكشفها عندما ترى ملامح الأطفال التى يغلب عليها مظاهر التعب والإرهاق، ويقول الطفل أحمد أبو صباح: إنه يعيش فى الواحة مع أسرته المكونة من 6 أشخاص وأحيانا يعملون فى تكسير جذوع النخيل وتجهيزه حزم حطب يشتريها السكان للتدفئة عليها، مشيرًا إلى أن أسرته تسكن غرفة مبنية من حوائط مسقوفة بالحصر ويربون الأغنام والدجاج. رغم صعوبة الوضع إلا أن حلم عودة الواحة إلى سابق عهدها لم يغب عن القليل من الأسر المتبقية فى ذلك المكان الأثرى، لذا أرسل بعضهم مقترحات إلى الجهات المسؤولة تتركز على إمكانية الاستفادة من المياه الجوفية وسحبها فى أنابيب، وإعادة ضخها فى المكان لتسقى النخيل إضافة إلى عمل سدود وبحيرات لحجز مياه السيول المهدرة فى أعالى الجبال المحيطة.
مقترح أهالى الواحة لم يجد استجابة من الجهات المسؤولة من أجل تكرار تجربة البحيرات الجبلية والأحواض الموجودة فى منطقة سانت كاترين، وفقًا لما أكده يوسف القراشى، أحد شباب منطقة فيران الذى أوضح مطلبهم قائلا: «المقترح يتمثل فى إقامة بحيرة بمنطقة سيل ريتامة وبحيرة فى منطقة سيل صياح وبحيرة فى منطقة جبل المناجاة وبحيرة فى منطقة سيل ماعة وبحيرة فى منطقة سيل عليات».
وبخلاف قدرة البحيرات على حجز المياه وإعادة ضخها فى الواحة، يطالب الأهالى بضرورة كسر حاجز البطالة الذى يعانيه السكان من خلال استغلال 16 موقعا أثريا ودينيا وإنشاء مركز سياحى يخدم المنطقة وفق جدول محدد للمجموعات السياحية لزيارة الأماكن الساحرة بالمنطقة.
وتتمثل المواقع الأثرية فى كل من آثار وادى مكتب الفرعونية وسلسلة جبال سربال وهى سربال وسرابيل وعبورة وسجلية وجبل المناجاة ومنطقة آثار النواويس ووادى صويين، وآثار وادى أقنة الفرعونية وبانوراما دير البنات القديم ودير المحرض ومنطقة دير البنات، وسيل عليات وكنيسة النبى موسى وكنيسة الأنبا ديميانوس آثار وادى الشلال والآثار النبطية فى منطقة البريجة والآثار الفرعونية بمنطقة أم تميم والآثار الفرعونية بمنطقة رأس الغزلان وآثار وادى الطيبة الفرعونية ووجبل الطاحونة وكنيسة النبى اليا وكنيسة النبى اكتافيوس وآثار رومانية بمنطقة دير المحرض وآثار فرعونية بمنطقة نواويس وآثار فرعونية بمنطقة الدبس واجنة الشرايع وحجر مبارك.
رد الحكومة على شكاوى الأهالى
- «الصحة» تضع ميزانية لتطوير مستشفى فيران.. وتزود الطرق بسيارات إسعاف.. و«التعليم» تدشن مشروعا لتطوير مهارات القراءة والكتابة
فى محاولة لاستكشاف وضع «سكان الوديان» وسط خطط المؤسسات الحكومية تواصلت «اليوم السابع» مع عدد من المسؤولين فى الجهات المختلفة من أجل نقل شكوى الأهالى لهم، والتعرف على رؤيتهم فى كيفية تحسين أوضاع المقيمين فى تلك البقاع.
أولاً بالنسبة لمّا أثاره عدد من الأهالى حول تردى الخدمة الصحية بمناطق الوديان فى فيران وكاترين، قال الدكتور خالد أبوهاشم, وكيل وزارة الصحة بجنوب سيناء: إن الخدمات المقدمة فى تلك الوحدات هو المعتمد بشكل رسمى, فالطبيب المقيم هناك يؤدى تكليفا، ويقوم بدوره فى تقديم الخدمة الصحية وفقًا للمتاح.
وأشار وكيل وزارة الصحة بجنوب سيناء إلى أن مستشفى فيران القديمة سيتم تطويرها كليًا خلال الفترة المقبلة بعد تم اعتماد الميزانية، إضافة لتطوير نقطة إسعاف فيران ووضع سيارتين على الطريق ووحدات إسعاف فى منطقتى الطلق ومكتب لتوفير الخدمة العاجلة وربطها بخدمة اللاسلكى، نظرًا لعدم وجود خدمة اتصالات فى هذه المنطقة.
وحول مطلب الأهالى استثناء عدد من أبنائهم لدخول مدرسة التمريض، أكد أنه بالفعل يوجد فصل للتمريض فى مدينة سانت كاترين يستقبل أبناء مناطق كاترين وفيران، ويعتبر نواة لمدرسة تمريض فى المنطقة ستقام فى وقت لاحق.
بالنسبة لوضع التعليم يقول محمد عقل، وكيل وزارة التربية والتعليم فى المحافظة: «نضع التعليم فى وديان جنوب كأولوية مقدسة بقداسة المكان ونحاول رفع المستوى التعليمى لأبناء تلك المنطقة بكل الوسائل».
وأوضح وكيل ووزارة التربية والتعليم أنه إلى جانب وجود المنشآت توجد قوة بشرية تقوم بتشغيلها، ولدى الأهالى الحق فيما يثيرونه من شكاوى يرونها عقبات أمام انتظام التعليم، لكن المديرية تبذل أقصى جهدها فعلا وليس قولا لتحسين التعليم، ويتم ذلك من خلال إجراءات تسيير أتوبيس يوميًا ينقل المعلمين على طول خط الوديان وصولا لمدارسهم بأجر رمزى 100 جنيه شهريًا، وتوفير استراحات للمعلمين بكل مدرسة.
وحول ما تقدمه الوزارة لأهالى مناطق الوديان أضاف عقل: «لاحظنا بين الطلاب تراجع مستوى القراءة فى بعض المناطق وتم عمل برنامج متكامل لتنمية مهارات القرائية لطلبة المدارس فى الوديان، وأتى ذلك أثره على مستواهم العلمى». ولفت وكيل وزارة التربية والتعليم بجنوب سيناء إلى أن عدد المدارس بمناطق خط الوديان، وصل فى كاترين إلى 11 مدرسة ابتدائية، و7 مدارس اعدادية ومدرسة رياض أطفال، ومدرسة للمرحلة الثانوية ومدرسة ثانوى فنى ومدرسة فصل واحد، مضيفًا: «المدارس التى تقع على الخط وتتبع إدارة ابورديس هى 13 مدرسة ابتدائية، و6 مدارس إعدادية ومدرسة ثانوية».
ولفت وكيل وزارة التعليم بجنوب سيناء إلى أن الحكومة منحت المعلمين فى مناطق الوديان ميزة خاصة، وهى 300 جنيه إضافية على المرتب إلى جانب حافز الـ%300 الممنوحة للموظفين فى سيناء، وينطبق على المعلمين الأمر ذاته، مشيرًا إلى أن التوسع فى بناء المدارس جارى العمل عليه، لكن هناك منهجية تحدد آليتها جهات الاختصاص فى بعض المناطق مثل كاترين على سبيل المثال، نظرا لأن إقامة أى مبنى فيها يخضع لمعايير باعتبارها محمية طبيعية.
أمّا عن الدور الذى يقوم به جهاز تعمير سيناء فى منطقة الوديان لاسيما أن تطوير تلك المناطق تأتى على رأس اختصاصته، كونها من المناطق التى تحتاج إلى دعم شديد نظرًا لمعاناتها من فقر شديد فى الموارد، قال المهندس محمود عبدالرحيم، نائب رئيس منطقة تعمير جنوب سيناء، ومدير مشروعات التنمية المتكاملة: إن هناك مشروعا لإنشاء مزارع فى هذه البقاع لتكون نواة لتجمعات سكانية. أوضح أن مشروع مزارع الوديان الذى يتم العمل فيه منذ ثلاث سنوات هدفه توفير بدائل للمعيشة للبدو فى صورة توفر حياة متكاملة قائمة على الزراعة للبدو فى تلك الأماكن، إضافة إلى بدائل للمعيشة فى صورة مشروعات وما يشتق منها من إنشاء مزارع حيوانات وطيور ومزارع سمكية.
وكشف نائب رئيس جهاز تعمير سيناء، أن اختيار الأماكن مرتبط بمدى توافر مصادر للمياه بها مثل العيون الطبيعية أو آبار سطحية أو آبار لأخرى قامت جهات حكومية بحفرها على أعماق بعيدة، ولم يتم الاستفادة منها.
وأوضح عبدالرحيم أن المناطق التى تم اختيارها لإقامة تلك المشروعات هى أبو غراقد والكتم، وتال والبدع بها 4 مزارع متكاملة تحتوى كل مزرعة على 20 صوبة خضار وفى كل مزرعة 500 نخلة وأصناف من الرمان الخاصة بالتصدير والزيتون المخصص للزيوت وأنواع المانجو المناسبة لظروف جنوب سيناء، إضافة لأشجار التين والجوافة، كما أن المساحة الأكبر من تلك المزارع فاكهة، ويتم ترك فدان أو فدانين مكشوفة لزراعة الخضار.
وأشار نائب رئيس جهاز تعمير سيناء إلى أن تلك المزارع تمت على مدى السنوات الثلاث الماضية وباتت منتجة بالفعل وأعقبها إنشاء 4 مزارع أخرى موزعة فى أبوغراقد 2 والطور وراس سدر، وجارٍ العمل فى ثلاثة أخرين فى مناطق فيران والشيخ عواد وأبوغراقد 3.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة