صوم رمضان شعيرة من أعظم الشعائر ولعظمتها وأهميتها أحيطت بشعائر كثيرة كزكاة الفطر والسحور والإفطار.
ومعلوم لدينا جميعا أن لرمضان هيبة ووقارا فى نفوس المؤمنين، وعلينا جميعا أن نبذل قصارى جهدنا لنحفظ لرمضان هيبته، وأن نزرع هذا فى أبنائنا، خاصة بعدما صار شهر الصيام شهر طعام، وفقد الناس أعصابهم وازداد غضبهم فيه عما كانوا عليه قبل رمضان فنزاع وشجار وخصام وشقاق.
أفسد الناس صيامهم بالكلمة الجارحة والنظرة المحرمة فلم ينالوا من صيامهم غير الجوع والعطش، بل وأفطر بعض المسلمين بغير عذر فى رمضان وجاهروا بذلك ونسوا أو تناسوا أن الغاية التى لأجلها شرع الصيام بلوغ التقوى إذا قام الصائم بحق الصيام.
قال تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
ومن كانت عنايته بعدم دخول مفطر إلى جوفه وتحرزه من ذلك أكثر من عنايته باستشعار غاية الصوم ومعناه فما فقه حقيقة الصيام أن للصيام غاية وهدفا شرع الصيام من أجله.
وهذا الهدف يكمن فى تحسين خلق المسلم، فالصيام شُرع من أجل تهذيب النفس وإصلاحها بما يشمل الجسد من حفظ اللسان والعينين واليدين والقلب من أمراض.
أى تأديب للنفس وكبح لشهواتها، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجرى من بن آدم مجرى الدم فى العروق، فضيقوا عليه مجاريه». قالوا: كيف تضيق عليه مجارية يا رسول الله؟ قال: «بالصوم». والصوم فيه خشوع لله، فهو يورث الإنسان الخوف من الله عز وجل.
قال تعالى: «لعلكم تتقون» أى لعلكم تنالون بصيامكم درجة التقوى.
والخوف الموروث من الصيام لا بدّ أن يعود أثره على جوارح الجسد كله بما فيها اللسان، فيمنعه من الكذب والوعود الكاذبة والغيبة والنميمة وشهادة الزور.
قال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه»، وقال سفيان الثورى: الغيبة تفسد الصوم، رواه بشر بن الحارث عنه، وروى ليث عن مجاهد: خصلتان يفسدان الصيام الغيبة والكذب.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل وإن إمرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إنى صائم إنى صائم» وجاء فى الخبر:
«إن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع والعطش فى آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله يستأذنانه فى الإفطار فأرسل إليهما قدحاً، وقال صلى الله عليه وسلم: هاتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما. قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهما». إذن فالمقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية، والاقتداء بالملائكة فى الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منهون عن الشهوات، والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدته فكلما انهمك فى الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة. والملائكة مقربون من الله عز وجل والذى يقتدى بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل لقربهم فإن الشبيه من القريب قريب، ويبقى على الصائم أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقًا مضطربًا بين الخوف والرجاء، إذ ليس يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك فى آخر كل عبادة يفرغ منها، فقد روى عن الحسن البصرى أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال:
إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مغمارًا لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا، فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب فى اليوم الذى فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة