أصدر مختبر السرديات فى جامعة الحسن الثانى بالدار البيضاء سلسلة من الدراسات حول الرواية المغربية تعد فريدة من نوعها، أشرف على إعدادها للنشر الدكتور شعيب خليفى، لعل أهمها دراسة الدكتور حسين حمودة الأستاذ فى جامعة القاهرة.
و يشير "حمودة" إلى أن الرواية المغربية اختصت بقضايا من الواقع المغربى التى كان لها حضورها، فى السرد المغربى، واختار حمودة خمس روايات ليعرض من خلالها ما يميز الأدب المغربى، لكننا سنتوقف عند رواية "رائحة الجنة" لـ شعيب خليفى، حيث تنهض الرواية على حكى يتناول تجربة جماعية رحبة، ممتدة على مستوى الزمان والمكان معا، موصولة بما كان خليفى قد التقط بعض أطرافه من قبل فى روايته "زمن الشاوية"، إذ تتقصى هذه الرواية "رائحة الجنة" جوانب عدة تتصل بأهل الشاوية وتمردهم أو ثورتهم على المستعمر، وتقدم ما يشبه "تاريخا" شعبيا لذلك التمرد أو تلك الثورة.
وتجسد الرواية عالما متحفيا بمفردات الطبيعة، قائما على مواضعات وأعراف خاصة، متشبثا بقيم متوارثة قديمة متجددة، مفتوحة على قوس الزمن، الرحب الذى تقطعه وقائع الرواية، الممتد إلى زمن ماض، هو تاريخ الأجداد الحاضرين رغم غيابهم، المؤسسين الأوائل لهذه "السلاسة" التى تضفى الصياغة على من ينتمون إليها هالة من النقاء والقوة والقداسة، تشارف أحيانا أفاق الأساطير، عالم الشاوية فى الرواية، يلوح العالم الحقيقى الذى أن يدفع أو يدافع كل عالم آخر، حدود الشاوية هى حدود الدنيا المعروفة (لاحظ) قول الفقيه فى الرواية "إن الطفل إذا أكل قلب الهدهد السحرى صار عقله يزن أرض الشاوية كلها" و"لكل من خرج من أرض الشاوية، وارتحل بعيدا... تظل الشاوية هى الموطن والمآل، المنطلق الأول والمصير الأخير".
ويرى حسين حمودة أن تناول الشاوية بهذه الصيغة، يتصل ببقايا عالم قبلى، وبحياة عضوية، حيث موروث الإحياء والموتى، جميعا، مرتبط بحياة "الأرض"، الأم التى تتجسد "أمانة" يجب الحفاظ عليها عبر الأجيال، يلاحظ حسين حمودة أن صوت الراوى فى "رائحة الجنة" يتقاطع مع أصوات رواة الملاحم أو السير الشعبية، الذين يهتمون بجانب اهتمامهم برصد الوقائع والأحداث، المتخيلة أو غير المتخيلة، باستخلاص العظة والعبرة واختزالها فى عبارات.
كما أن دراسة رشيد الإدريسى الناقد المغربى المعنونة "النص المفتوح والتوظيف الحكائى للتصوف" تعطينا أبعاد جديدة للرواية المغربية، انطلق فى الدراسة من قراءته لرواية مليودى شفموم "أريانة" فهى تندرج ضمن عينة النصوص المفتوحة بشكل قصدى، ولذلك فقراءتها للوهلة الأولى، ليست بالأمر السهل، يعود هذا إلى حديث الراوى البطل عن العلامات والألغاز، مما يوحى بأن أية قراءة تقف عند استهلاك النص والإبقاء على عناصره كما هى، تعتبر قراءة سطحية، هذا الاستنتاج يؤكده منطق الرواية ذاتها والتى يتحول الراوى فيها أحيانا إلى ناقد يوجه القارئ ويهبه مفاتيح تسمح له بفك الشفرات، كما يعمل على تضليله أحيان أخرى وهى ملاحظة تستحق التقدير للناقد رشيد الإدريسى.
ويذكر رشيد الإدريسى أن هذه الخاصية تجعل من الرواية "اريانة" عملا أدبيا شبيها بالكتب التى تحدث عنها لبوشتراوس فى مؤلفه "الاضطهاد وفن الكتابة" والذى يتحدث فيه عن علاقة الفلسفة بالسياسة، ويرى الإدريسى أن التعامل مع النص المفتوح بوصفه عملا مفتوحا يقبل الإفصاح عما بين سطوره دون افتئات عليه، ويكتسب مشروعيته عندما يستند المتلقى على قراءة واختبار دقيق ومفصل لملفوظات النص قبل الشروع فى عملية التأويل، وذلك لأن النص بوصفه يجب أن يهب المشروعية لهذا النوع من القراءة حتى لا تتحول العملية لقراءة الذات من خلال النص.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة