سليمان شفيق

رحل بابا السلام وبقيت مصر وطناً للمحبة والسلام

الخميس، 04 مايو 2017 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رحل البابا القديس وبقيت رائحة «الروحانية الصوفية» العطرة، لقد قيل الكثير من السياسيين، ورجال الدين، وللأسف لم يدرك أحد الجذور التى أينعت أزهارا تناقلت رياح كلماته عبقها، ولماذا أحب مصر؟ وما الذى دفعه لزيارتها رغم التحذيرات الكثيرة، لا أحد حاول أن يثبر غور صوفية البابا الروحانى «اختار البابا اسمه الباباوى على اسم فرانسيس الأسيزى مؤسس الرهبنة الفرنسسكانية»، وكما كان البابا فرانسيس أول بابا من أمريكا الجنوبية، وأول بابا يدخل الأزهر ويعانق شيخه، من يتأمل المشهد، يذكرنا بلقاء «القديس فرانسيس الاسيزى» والملك الكامل والصوفى الكبير أبوالحجاج، كان الراهب فرانسيس الأسيزى يصطحب الحملة الصليبية فى دمياط، ولكن روحانيته منعته من المشاركة فى الحرب، يذهب فرانسيس إلى الملك الكامل ويعرض وجهة نظره، والملك الكامل يصغى إليه باهتمام، لم يتنكر فرانسيس لإيمانه المسيحى، لقد وجد فرانسيس فى الملك الكامل شخصية محبة للسلام، ووجد الملك الكامل بفرنسيس ذلك الرجل البسيط المتواضع الذى يضحّى بكل شىء، حتى بحياته، لأجل السلام. وتدخلت روح المحبة بين الشخصيّتين، وعلى إثر ذلك أعطى الملك الكامل مفاتيح بيت المقدس للقديس فرانسيس الأسيزى وحتى الآن تقوم الرهبنة الفرنسسكانية بحماية الأراضى المقدسة، ولا يعرف كثيرون أن هذا اللقاء حضره القطب الصوفى الكبير أبوالحجاج أثناء العناق، تذكرت هذا اللقاء، وكيف أن مولانا الإمام الأكبر الشيخ الطيب وساحة الطيب لا تبعد كثيرا عن ساحة سيدنا أبوالحجاج، وفى الجانب الآخر من حضرة أبوالحجاج دير الآباء الفرنسسكان.
 
المكون الثانى فى تركيبة هذا البابا فرانسيس الذى شاء الله أن يحمل صليب البابا فى الحضرة الفاتيكانية، مكون الرهبنة اليسوعية التى قضى بها نصف قرن، تلك الرهبنة التى أسسها القديس والفارس «اغناطيوس دى ليولا» 1534، وأخذ الاعتراف من البابا لها فى 1540، تلك الرهبنة التى تمتلك كل عمق روحانية وصوفية الحداثة التى انطلق من بين روحانيتها تيار لاهوت التحرير فى أمريكا اللاتينية، تلك الموجة التى انطلقت منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، وفى 2015 أعلن البابا فرانسيس «تطويب» رئيس أساقفة سان سلفادور، أوسكار روميرو، «رجل الله» المدافع عن الفلاحين من دون أراض، الذى قتلته فى 1980 مجموعة كومندوس من اليمين المتطرف، والتطويب مرحلة من مراحل إعلان القداسة، وبعدها رفع الحظر الذى كان يمنع جيل اسكوتو بروكمن، وزير الخارجية السابق فى الحكومة الماركسية «الساندينية» فى نيكاراجوا، من إقامة القداس.
 
ولم يكتفِ بذلك بل استقبل أحد «اباء» لاهوت التحرير، الكاهن البيروفى غوستافو غيتيريز الذى ما يزال يطالب بمفهوم معتدل عن هذا اللاهوت. وابتداء من سبتمبر2016 بدأت صحيفة الفاتيكان «اوسرفاتورى رومانو» تنشر مقالات الأب غيتيريز مؤسس لاهوت التحرير وهو فى الأصل راهب يسوعى.. ومنذ 1976 انتقد هذا الكاهن اليسوعى الشاب، البابا فرانسيس فيما بعد المواقف اليسارية الماركسية المتطرفة لبعض الكهنة. وبدأ فى الوقت نفسه تطبيق «لاهوت الشعب» فى مدن الصفيح، مشددا على الإيمان الشعبى، كل ذلك يؤكد أن البابا فرانسيس ليس ماركسيا. وإذا كان يعبر عن آراء سياسية، فهى «بيرونية» مستوحاة من الحركة التى أطلقها الرئيس الأرجنتينى السابق خوان دومينغو بيرون الذى كان ينادى بمزيد من العدالة الاجتماعية.
 
هكذا نحن أمام قديس وزعيم ورمز من رموز أمريكا الجنوبية «اللاتينية»، ينحاز للسلام من روحانية القديس فرانسيس الأسيزى والرهبنة الفرنسسكانية، وينحاز للفقراء والعدالة الاجتماعية والنضال ضد الظلم من روحانية لاهوت التحرير السلمى الذى تأسس من الراهب اليسوعى «جواتيريز»، ودفعت الرهبنة العديد من الشهداء، من هنا أدرك فرانسيس اختيار اللحظة لعناق مصر والتضامن معها شعبا ورئيسا وأزهرا وكنيسة، وكان للرجل موقفا مع مصر منذ 30 يونيو، ومنذ أن تشكلت وفود من بطريرك الأقباط الكاثوليك إبراهيم إسحاق، ومطارنة منهم كيرلس وليم وانطونيوس عزيز زاروا الفاتيكان والاتحاد الأوروبى والتقوا كثيرين وشرحوا وجهة نظر مصر وثورة 30 يونيو.
 
يبقى كيف يمكن الاستفادة من تلك الزيارة، اقترحت فى كل اللقاءات التى اجريتها على الفضائيات، ضرورة أن يؤسس الأزهر الشريف والكنيسة المصرية معهدا يسمى معهد «السلام والمحبة» فى رحاب المسيحية يدرس الفقة والشريعة واللاهوت وتاريخ الأزهر والكنيسة، ويعطى منحا دراسية لكل طالبى العلم فى العالم الإسلامى والمسيحى، وأن تجمع كل الكلمات التى تخللت اللقاءات والزيارة «البابا فرانسيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب والرئيس عبدالفتاح السيسى والبابا تواضروس»، وأن يطبع كتابا يضم الكلمات والصورو يدرس فى مراحل التعليم الأساسى.
 
كما يمكننا خلق آليات مبتكرة للسياحة الدينية نسوق لها فى دول أمريكا الجنوبية ودول حوض البحر المتوسط، وهناك أيضا حلقة وصل مهمة لإمكانية مد أواصر التعاون بين الأزهر الشريف كقلعة روحية لأهل السنة فى العالم الإسلامى الذين يمثلون مليارا ونصف المليار مسلم، وبين الفاتيكان الذى يمثل مليارا ونصف المليار مسيحى كاثوليكى، ودعم زيارات البابا فرانسيس للدول الإسلامية، وزيارات شيخ الأزهر لدول أمريكا الجنوبية والشمالية وغيرها لنشر السماحة والسلام كون العالم الغربى يعانى من أزمة حضارية وموجة من التشدد والإرهاب.
 
تبقى تحية للجنود المجهولين فى القوات المسلحة الذين احتضنوا الزيارة، وبنوا فى استاد الدفاع الجوى كنيسة مؤقتة صلى بها أكبر حبر دينى مسيحى فى العالم، ومعه أكثر من ثلاثين ألفا من مختلف الأديان والطوائف، وأرسلوا رسائل داخلية وخارجية أن مصر بلد السلام والاعتدال والأمان.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة