يتصور البعض معركة تنقية التراث وتطوير الخطاب الدينى، اللتين مازلنا نعجز عن تحقيقهما وهما المطلب الذى يلح بشدة فى هذه الأيام بسب الإرهاب الذى ضرب وطننا الحبيب مصر، بكل أسف، من جراء بعض الفتاوى الظلامية الظالمة بمصر وبأبنائها من الجيش والشرطة والقضاء و"المسيحيين"، وكأنها معركة شخصية مستهدفٌ فيها الأزهر الشريف، تطوع الكثيرون بالإدانة دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة البحث، واكاد أجزم أن أحدا من هؤلاء لم يقرأ كلمة واحدة من التراث المعنى بالتطوير ليَنْزِل على مشروعية هذه المطالب واستحقاقها واتساقها مع نتائج البحث واتساقها مع أسلوب حياتهم هم شخصيا وانبرى هؤلاء دون تفكير يشجبون المطالب ويذودون عن المؤسسة المصرية العريقة "الأزهر الشريف" التى ظنوا بالفعل أنها فى خطر! ولا أدرى نوع هذا الخطر وما صورته ونحن مواطنو مصر وأقباطها مسلمين ومسيحيين وكل من يعمل فى المؤسسة الجليلة "الأزهر الشريف" جميعا مواطنون فى وطن واحد والمصلحة واحدة وتكفل لنا الدولة كافة حقوق الحماية، فما هو الذى يتهددهم دون باقى طوائف المجتمع أو يخصهم وحدهم والمصلحة لا شك عامة ؟؟
وأغرب ما سَجَلْتُ فى هذا الشأن أن يكون هؤلاء المدافعون، وهم بدفاعهم هذا لو يعلمون يدفعون ضمناً ببقاء الأوضاع فى كتب التراث على ما هى عليه وكأنهم لا يبالون بإهمال مطالب المرحلة بالتطوير والتنقية، بعيدين فعلياً كل البعد عن الفكر المطلوب تغييره فى الكتب وفى الخطاب الدينى، والذى هو مصدر السخط العام وهو الدافع للمطالبة بالتغيير من الأساس، فلا مظهرهم يدل على انتمائهم للأفكار الأصولية المتشددة ولا أسلوب حياتهم فلا هم بالفعل يعيشون أو يطبقون على أنفسهم وأهليهم ما ينادى به دعاة التطوير وهم يرفضون تماما ما يرفضه هؤلاء ولا يتعاملون به من قريبٍ أو بعيد والذى بالمناسبة يطابق تماما الفكر السلفى وفكر داعش وجيش النصرة وأنصار بيت المقدس وبوكو حرام والفكر الوهابى وطبعا فكر دولة الإخوان المتأسلمين وعملوا ويعملون بها وخبرناها وهى اس البلاء، ولست فى حاجة أن أثبت لهم أن هذه الجماعات المتطرفة لاسيما يرون أنهم على الحق المبين ويتبعون دين الله الحنيف وصراطه المستقيم كما أخبَرَتهم بعض كتابات كتب الأئمة والسلف الصالح وأن موقف شيوخ الأزهر منهم أنهم رفضوا نعتهم بالكفر لأنهم أهل قبلة يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله ويؤدون الفرائض ولا يرون أن عقيدتهم فاسدة، كما نرى نحن حيث أن عقيدتهم كما نعرفها دائما وكما هى من قديم الأزل هى القتل باسم الإسلام! والأغرب من ذلك أن هؤلاء المتطوعين بشجب مطالب التغيير لحماية الأزهر الشريف إذ ظنوا، وأن بعض الظن إثم، أن أحدا يريد به سوءا وحاشى لله أن يريد به أحدٌ سوءا، رافضون ضمناً الفكر المتطرف رغم أنهم حريصون تصريحاً على بقاء كل شىء على ما هو عليه لاعتقادهم فى نظرية التآمر بالرغم من أن كل ما طرح هو فقط رفع الأفكار الضارة بالمجتمع والتى انتهت باستباحة دماء أبناء مصر فى الجيش والشرطة والقضاء لأنهم فى عرف هؤلاء الإرهابيين يذودون عن دولة كافرة، وسمحت لمسلمٍ أن يستبيح دم شابة مصرية مسيحية أخت له فى الوطن هى وأطفالها وهم يصلون لله فى عيدهم فى بيت من بيوت الله، مما جعل أيدينا على قلوبنا وأنظار العالم ترقبنا من بعيد خوفاً على بابا الڤاتيكان يوم أقبل علينا داعياً للسلام فى مصر بلد السلام، نرجو من الله ألا تكدر زيارة الضيف الكريم، ومن مظاهر هؤلاء ( الذين يرون أنهم يدافعون عن الأزهر ضد مستهدفيه المطالبين بالتجديد ) الدالة على توسطهم وعدم مغالاتهم أو تشددهم فى الدين أننا لا نراهم يطلقون لحاهم ويحفون شواربهم أو يقصرون الجلابيب! وهؤلاء ملبسهم عصرى ومظهرهم عصرى وغاية ما تصيب نساؤهم من الحجاب، إذا أصبن فكثيرات منهن لا يرتدونه، قطعة قماش صغيرة فى حجم كف اليد يضعنها على استحياء ويرتدين البنطال والتيشيرت العصرى وليس الجلابيب مثلهم فى ذلك مثل أزواجهن وأخوتهن وآبائهن ويضعن المساحيق المجملة ويبدون فى مظهرهم جله بعيدين كل البعد عن الهيئة التى تريدهم عليها كل الفرق المتطرفة السالف ذكرها ! فأسلوب حياتهم يساير مقتضيات العصر من التخفف والتوسط والتيسير مع مشقة العيش وصلفه فكل نسائهم ( بناتهم وزوجاتهم وأمهاتهم ) إما يدرسن أو يعملن ويلزمهن ذلك أن يقضين معظم أوقاتهن خارج منازلهن يخالطن الرجال فى الدرس والعمل ويسافرن منفردات بلا محارم للعمل ولحضور المؤتمرات أو حتى للترويح والرجال بدورهم يفعلون! وأؤكد أنهم جميعا رجالا ونساء لن يقبلوا أن يعالجوا ببول البعير والحجامة ويلجأون لجراحات التجميل ونقل الأعضاء إذا ما اقتضى علاجهم وعلاج أولادهم ذلك لاسيما فى بلاد الغرب "الكافر" على يد طبيب "كافر" إذا سمحت لهم ظروفهم، وقطعاً هؤلاء يرفضون تزويج بناتهم فى التاسعة ولن يقبلوا لبناتهم أن يتزوجن بالعقود العرفية أو شفهيا كما أجاز بعض الشيوخ ولا يحبون أن يتزوج أزواج بناتهم عليهن بأخريات أو أن يطلقوهن بكلمة غير محسوبة أو غير مسؤولة فى ساعة غضب غير محسوبةٍ او غير مسؤولة وان تضيع حقوقهن او أن يقهرن أو يُهَنّ ويتمنون لو يقنن لذلك ولا يجادلنى فى ذلك أحدٌ فكل ذلك كراهة وضرر سبق إلى رفضه الرسول - صلى الله عليه وسلم - نفسه على ابنته فاطمة، وقطعاً هؤلاء لن يقبلوا على زوجاتهم وبناتهم أن يأتين لهن بأحمال بعد فراق أزواجهن بأربع سنوات ولا أن يرضعن رجالا بالغين، ولا أظن النساء اللاتى تحمسن للدفاع فى المعركة التى تصوروها كائنة على المؤسسة، لا قدر الله، يقبلن أن يذهب ازواجهن للحرب مع داعش فيعود كل منهم بسبيه أو اثنين أو ثلاث أو أربع أو ربما مئة أو ما يتيسر لهم من سوريات أو عراقيات أو غيرهن من غير المسلمات يقاسمنهن منازلهن وأزواجهن ويمشين فى شوارع المحروسة متبرجات عاريات فالأمة ليست كالحرة هى فى حل من اللباس الشرعى ويكفيها ارتداء قطعة واحدة من لباس البحر كالرجال ولا عليها فى ذلك شىء ولا على الرجال من غض البصر عنهن من شىء ولنجعلها سوقاً مفتوحة للنخاسة والرقيق الأبيض كما ينادى بعض الشيوخ والدعاة ! ولا تستبعدى أيتها الحرة أن تنعمى أنت بالجلد بين الحين والحين فى طرقات المحروسة من كل من هب ودب إذا خرجتى بلباسك التى اعتدت أن تلبسينها أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر من وجهة نظرهم أو كما فى بعض كتب التراث والسلف، أو أن يؤدبك زوجك بالضرب أياً من كنت لأنك فى نظره فى حاجة الى التأديب، كنا نمزح ولم نكن نظن أبدا أن يحكمنا مرسى وعشيرته وأن يجلس فى البرلمان من ينادى بتزويج الصغيرات وأن نتناقش فى شراء الإماء وإقامة الحد على فتى يقف مع خطيبته وسحل شيعى على مرأىً من الناس وحرق "المكوجى" المسيحى حيا وقتل صاحب دكان مسيحى يبيع الجعة أو مسيحيين يقيمون الصلاة فى منازلهم أو يؤدون شعائر دينهم فى كنائسهم يوم عيدهم إلى آخر ما شهدنا من ممارسات طائفية غير مرة لها مرجعيتها فى كتب تدرس إلى الآن فلا نكونن من أهل الغفلة فكل هذا حدث ويحدث فى مصر وليس كابول وسيظل ما بقينا ندعم تدريس هذه الكتب لأن لا إنكار أن ذلك موجود بها ولا إنكار أن ذلك الإرهاب واقع نعيشه وأنبئكم بأن كل آت قريب فلا تتهاونوا فقد نجد أنفسنا ننعم فى دولة كهنوتٍ سلفى أصولى بعد أن خبرنا وشهدنا دولة الإخوان ودستور الإخوان وبرلمان الإخوان وهنيئا لنا وقتها بها بديلاً لدولة المواطنة دولة العلم والقانون !
ينبغى أن نكون متسقين مع أنفسنا أفكارنا منسجمة مع أفعالنا وطريقة حيواتنا فلا نقل بما نكره ولا نحب لأنفسنا ولا أبنائنا، ولا نعيش فى فصام وانقسام نفسي/فِعْلِى بين ما نقول ونفعل ! ارجو أن يفيق المجتمع ويدعم المطالب العادلة التى سبق الى طلبها السيد الرئيس من التطوير والتنقية والتجديد وتضم الجماهير صوتها الى صوته كى نرفع عن كاهل مصر ما ابتليت به من بلاء وتطرف وارهاب ....
* استاذ بطب قصر العينى
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة