تصلح المناقشة الحادة فى لجنة الزراعة والرى، حول عبدالناصر والإصلاح الزراعى، نموذجًا لمرض أصاب كثيرين، سواء من النواب أو قطاعات واسعة من النخب السياسية، التى تفضل التعارك حول الماضى تاركة الحاضر والمستقبل.
القصة أنه اجتماع لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، خرج وكيل لجنة الزراعة النائب السيد حسن موسى ليعلن أن قوانين الإصلاح الزراعى السبب الرئيسى فى خلل منظومة الزراعة. وصاح كأنه اكتشف أصل المشكلة: «الله يخرب بيت الإصلاح الزراعى، فتت الحيازات الزراعية»، ورد عليه زميله النائب فتحى قنديل، «أبوك كان إقطاعى، والمفروض تسقط عضويتك»، فرد عليه وكيل اللجنة: «تعرف إنت إيه عن عبدالناصر.. أنا عشت زمنه».
بالطبع فإن فكرة الخلاف فى الآراء واردة، والأمر لايتعلق بالهجوم أو الدفاع عن عبدالناصر، خاصة وأن الجدل حوله مستمر منذ رحيله قبل 47 عامًا، وهو جدل يختلط فيه الحق بالباطل، واللافت والمثير أن يترك وكيل لجنة الزراعة الحاضر والماضى القريب ويرجع 65 عامًا، ويردد كلامًا عامًا ليس له أساس علمى أو «أدبى!».
النائب السيد موسى يقول إنه يعرف، لكنه من حديثه يبدو أنه يردد كلامًا شاع منذ سنوات عن كون الإصلاح الزراعى فتت الملكية. كان هذا الكلام مصحوبًا بحملات الهجوم على عبدالناصر لدرجة أن هناك من طالب بهدم السد العالى، وحمل عبدالناصر مسؤوليات سوء الإدارة وتخريب الشركات بالعمالة الزائدة والفساد. ثم أن حجم الأراضى التى تم توزيعها بالإصلاح الزراعى لم يكن ضخمًا بحجم السكان وقتها. ولو كان النائب يعرف، يمكنه الاطلاع ليعلم أن تعداد سكان مصر عام 1952 وقت الإصلاح الزراعى 21 مليون نسمة. رحل عبدالناصر وعدد السكان 35 مليون، ثم 45 مليونًا عام 1981، واليوم السكان 100 مليون. وجرت مياه كثيرة وتغيرت الأوضاع بشكل كبير، وجاء رؤساء ورحلوا، وتغيرت السياسات الاقتصادية والزراعية. وماكان يصلح قبل 50 عامًا، لم يعد صالحًا اليوم.
ثم أن مشكلة الإقطاع أساسها أن عشرات يملك الواحد منهم عشرات الآلاف من الأفدنة، وملايين يعملون خدم و«تملية»، ولو راجع النائب مضابط البرلمان قبل 23 يوليو 1952سوف يكتشف أنه كان مطلبًا لنواب من الوفد ومن الأحزاب المختلفة. وعندما تم إقرار قانون الإصلاح الزراعى بعد 23 يوليو كان استجابة لمطالب كثيرة. ثم إن سياسات الإصلاح الزراعى تمت فى دول كثيرة بالعالم وليس عندنا فقط. ثم إن الإصلاح الزراعى كان مرتبطًا بالتعاونيات والدورات الزراعية وهى أمور تغيرت مرات وتغير رؤساء حكومات ووزراء زراعة. بما يجعل العودة 65 عامًا نوعًا من العبث، يتجاوز الجدل السياسى والتاريخى إلى اللهو الذى يضيع الوقت والجهد.