فى مارس الماضى، قضت المحكمة الدستورية فى كوريا الجنوبية بعزل أول رئيسة للبلاد منتخبة ديمقراطيا من منصبها، وهى " بارك جوين – هاى "، وذلك بسبب علاقتها بصديقتها "تشوي سون" التى استغلت قربها من السلطة فى الضغط على بعض الشركات للتبرع بملايين الدولارات لصالح الجمعيات غير الربحية التى تديرها ، وجاء فى قرار المحكمة ايضا أن بارك أفسدت روح الديمقراطية وروح القانون في البلاد عندما سمحت لصديقتها بالتدخل فى الشؤون العامة كما انها خرقت قواعد السرية بتسريب وثائق رئاسية مهمة" .
وفى أغسطس من العام الماضى، صوت مجلس الشيوخ البرازيليى بعزل أول رئيسة جمهورية فى تاريخ البرازيل وهى ديلما روسيف وجاء قرار العزل وقتها والذى أنهى معه تولى حزب العمال اليسارى للسلطة التى كان يتولاها منذ 13 عاما، بسبب مزاعم بشأن رئاستها لإحدى شركات النفط الحكومية بتروبراس، وسوء استثمارها لمنح مالية في الانتخابات وهي اتهامات طالما نفتها، لكنها أثارت أزمة كبيرة بشأن رئاستها هذا بخلاف اتهامها أيضا بإخفاء العجز في الميزانية أثناء حملتها الانتخابية في عام 2014.
مع توالى قرارات عزل بارك جوين وديلما روسيف ظن البعض أن زمن حكم النساء أوشك على الانتهاء وتغافلوا عن بعض الوجوه النسائية اللاتى سيتولين صياغة أوروبا والعالم. أيضا من جديد.
"ميركل" المرأة الحديدية التى تخشاها أوروبا
المرأة الحديدية أو أم الألمان هكذا تلقب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والتى دخلت عالم السياسة فى نهاية ثمانينات القرن الماضى .
وأصبحت أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية عام 2005 بعدما تولت قيادة الحزب المسيحى الديمقراطى قبل ان تخسر تلك المكانة امام المستشار إدموند ستويير والذى تولى رئاسة الحزب عام 2002 .
ميركل التى أعيد انتخابها مستشارة لألمانية لفترة ثانية فى 2009 ثم اخرى ثالثة فى 2013 كانت ومازالت محط انظار وسائل الإعلام العالمية بسبب شخصيتها القوية ودورها الفعال فى الساحة الدولية كما صنفتها مجلة فوربس الأمريكية بأقوى امرأة فى العالم نظرا لبقائها فى الحكم لمدة طويلة وحفاظها على صمود ألمانيا رغم الأزمة الاقتصادية التى يمر بها العالم اجمع .
ومن المواقف السياسية المعروفة للمرأة الحديدية ، ما فعلته تجاه اللاجئين المهاجرين إلى أوروبا بسبب ظروف الحرب فى بلدهم، وعلى الرغم من أن هذا عرضها لانتقادات شديدة بسبب دخول أكثر من مليون لاجىء إلى ألمانيا إلا أنها ظلت متمسكة بموقفها هذا، وخلال فترة تولى الرئيس السابق باراك اوباما منصبه كرئيس للولايات المتحدة الامريكية كان هناك علاقة وطيدة تربطه بانجيلا ميركل ولكن لم يظهر بُعد العلاقة الآن مع الرئيس الجديد دونالد ترامب .
ماى تحافظ على قوة بريطانيا رغم خروجها من الاتحاد الأوروبى
جاء تعيين تيريزا ماى زعيمة حزب المحافظين، كرئيسة وزراء بريطانيا خلفا لنظيرها السابق ديفيد كاميرون بعدما تقدم الأخير باستقالته من منصبه، وتعد ماى التى فازت بمنصب رئاسة الحكومة بعد انسحاب منافسها اندريا ليدسوم وزير الطاقة، من أكثر الوزراء الذين تولوا إدارة وزارة الداخلية طوال تاريخ بريطانيا.
وذاع صيت ماى السياسى بعدما نجحت فى إبعاد الإسلامى أبو قتادة الفلسطينى إلى الأردن وأصبحت الآن تحتل مرتبة متقدمة فى قائمة الشخصيات السياسية الاكثر تأثيرا فى بريطانيا بعدما نجحت فى تحديث سياسة حزب المحافظين ، وعلى الرغم من تأييد ماى لبقاء الكيان البريطانى فى الاتحاد الاوروبى إلا انها اعلنت احترامها لنتيجة الاستفتاء والتى جاءت بالموافقة على خروج بلدها. ماى التى تمتعت ايضا بشخصية قوية مصرة على النجاح ، تعهدت بالا تلحق ببلدها أى خسائر جراء الخروج من الاتحاد ولن تلجأ موازنة طارئة لتغطية نفقات وخسائر قد تترتب على خروج بريطانيا من الاتحاد.
"لوبان" تدخل بأوروبا إلى نفق مظلم
نظرة سريعة على المعلومات المتداولة بشأن مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينى المتطرف، يتبين العديد من ملامح شخصيتها العنيدة فهذه السيدة التى انتقلت للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية امام المرشح إيمانويل ماكرون، نجحت قديما فى الاستحواذ على الحزب الذى ورثته عن والدها جان مارى لوبان ونقلته من فكرة مجرد حزب هامشي لأخر فعال فى المشهد السياسى بفرنسا .
ومنذ أن أعلنت "لوبان" عن نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية وأفصحت عن طموحها فى ذلك لتصبح أول رئيسة لفرنسا وأول زعيم من اليمين المتطرف منذ الحرب العالمية الثانية، طفت على السطح تصريحاتها لترسم ملامح إضافية للشخصية وتظهر الجانب العنصرى فيها كما وصفها البعض خاصة بعدما أعلنت عن تقنين استقبال المهاجرين بشكل كبير وإغلاق المساجد التى تروج لأفكار متطرفة .
وعلى الرغم من أن "لوبان" التى أيدت روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين نجحت فى خلق دور فعال لحزبها إلا أنها مازالت تمثل خطورة لخصومها الذين يروا أن تاريخ أوروبا فى عهدها اذا فازت سيكون مظلما.
سيدات العالم يصيغن تاريخ اوروبا
ويتضح أن السيدات الثلاث هن الأقوى والأكثر تأثيرا فى المشهد السياسى العالمى مما يطرح تساؤلا كيف سيصبح تاريخ أوروبا فى عهد كل منهن؟؟
فى البداية هناك اختلاف ايدولوجى بين مارين لوبان والتى ستحسم نتيجة الانتخابات التى ستظهر خلال ساعات موقفها وانجيلا ميركل حيث أن الأولى تساند روسيا والرئيس فلاديمير بوتين وتتزعم حزب يمينى متطرف فى حين أن ميركل تدعم حلف شمال الأطلسي وتناصر الحريات الفردية وعلى الرغم من أن الثنائى الألماني الفرنسى كان يمثل قوة ضاغطة فى الاتحاد الأوروبى توقع البعض زيادته بعد خروج بريطانيا من الاتحاد إلا ان هذا الدور ضعف تدريجيا خاصة بعد حدوث خلل فى العلاقات الثنائية بين البلدين كان سببه تراجع النشاط الأقتصادى الفرنسى .
ووصل الخلاف بين سيدة فرنسا المحتملة ونظيرتها الألمانية إلى أوجه بعدما صرحت ميركل بأن فى فرنسا قوى سياسية أخرى أقوى من الجبهة الوطنية من الممكن أن تكون فى الخارج وهذا ما اعتبره مؤيدو لوبان تدخل فى شؤون بلادهم.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، ولكن لوبان التى تطلعت للسيطرة على الحكم الفرنسى منذ ان تولت ميركل منصبها فى 2005 وأصبحت سيدة المانيا الأولى، زادت من حدة هجومها على الأخيرة واتهمتها بأنها فرضت الهجرة غير الشرعية على كامل أوروبا فى حين ترد ميركل على هذا الكلام قائلة إن لوبان تمثل تهديدا سياسيا حادا لأوروبا خاصة وإنها تنحاز للقوى التى تدعم تفكيك المشروع الاوروبى .
ولم يختلف موقف لوبان كثيرا تجاه المشروع الأوروبى عن نظيرتها تيريزا ماى خاصة وأن الأخيرة تمثل تهديدا أيضا لوحدة الاتحاد الاوروبى بعدما أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا أن خروج بلادها من الاتحاد معناه الخروج من السوق الأوروبية مما يمكنها من فرض ضوابط على وصول المهاجرين إلى بريطانيا .
وعلى الرغم من التناقضات الواضحة بين الزعيمات سابقات الذكر فى مواقفهم السياسية، إلا أن خلافاتهم واتهاماتهم لبعضهم البعض لا تتشابه مع تلك التى اعتدنا على رؤيتها فى حياتنا اليومية ولكنها خلافات قد تشكل تاريخ وسياسة عالم بأكمله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة