ظاهرياً تبدو جولة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب التى ستشمل السعودية وإسرائيل والفاتيكان، محاولة من جانبه لخلق تفاهم جديد بين الديانات الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، لذلك وصفتها صحف غربية بأنها جولة «روحانية» أو دينية، لكن الظاهر لا يجب أن يطغى على كل تفكيرنا، وإنما علينا أن نبحث فى التفاصيل لنصل إلى الهدف الحقيقى من هذه الجولة، خاصة حينما يحل ضيفاً على السعودية فى الثالث والعشرين من الشهر الجارى.
ترامب من البداية يريد وضع الصبغة الدينية أو الرمزية الدينية على الجولة، خاصة حينما يزور السعودية التى تعد موطنًا لأقدس المواقع الإسلامية، مكة المكرمة، واختيارها ربما يشير إلى أن ترامب يريد مصالحة العالم الإسلامى بعد تصريحاته المناهضة للإسلاميين خلال حملته الانتخابية، لكن لا ننسى أن ترامب خلال حملته الانتخابية وبعدها كان دائم الهجوم أيضاً على المملكة فى خطاباته التى كان آخرها قوله إن واشنطن تخسر كمًا هائلًا من المال للدفاع عن المملكة، وأضاف «بصراحة، السعودية لم تعاملنا بعدالة، لأننا نخسر كمًا هائلًا من المال للدفاع عنها»، وهو ما يعيدنا إلى الاستراتيجية التى يتعامل بها ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وهى استراتيجية تحقيق المنافع.
استراتيجية المنافع هى العنوان الذى يرفعه ترامب من جولته، فهو اختار الرياض كمحطة أولى لعدة أسباب، منها ما قاله عادل الجبير وزير الخارجية السعودى بأن الزيارة ستشمل قمة ثنائية واجتماعا مع زعماء خليجيين عرب ولقاء آخر مع زعماء دول عربية وإسلامية، وإنها رسالة واضحة وقوية بأن الولايات المتحدة لا تحمل أى نوايا سيئة تجاه العالم العربى والإسلامى، «كما تضع حدا لتصور أن الولايات المتحدة مناهضة للإسلام.. إنها رسالة واضحة للغاية للعالم بأنه يمكن للولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية تكوين شراكة، ونرى أنها ستؤدى إلى تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية فى مكافحة الإرهاب والتطرف وستحدث تغييرا فى علاقة الولايات المتحدة بالعالم العربى والإسلامى.
مما قاله الجبير، وإذا ربطناه بتأكيد ترامب على ضرورة التعاون مع السعودية فى قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، وقوله «إننا سنبدأ فى بناء أساس جديد للتعاون والدعم مع حلفائنا المسلمين لمحاربة التطرف والإرهاب والعنف، وبناء مستقبل أكثر عدلًا وأملًا للشباب المسلم فى بلادهم»، وأيضاً بما نشرته وكالة رويترز قبل يومين، أن ترامب وضع استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب تقوم على أن يتحمل حلفاء الولايات المتحدة مزيدا من العبء فى مكافحة الإسلاميين المتشددين مع الإقرار بأن تهديد الإرهاب لن يتم القضاء عليه نهائيا، يؤكد أن ترامب يسعى إلى تطبيق ما قاله فى حملته الانتخابية وبعدها بشأن تحمل الحلفاء تكلفة الحرب على الإرهاب، وهو يقصد حالياً السعودية.
مسودة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لمكافحة الإرهاب المكونة من 11 صفحة تقول إن الولايات المتحدة ينبغى أن تتجنب الالتزامات العسكرية المكلفة «المفتوحة»، وتضيف «نحتاج إلى تكثيف العمليات ضد الجماعات الجهادية العالمية وفى الوقت نفسه خفض تكاليف الدماء والثروة الأمريكية فى سعينا لتحقيق أهدافنا لمكافحة الإرهاب».
ورغم أن الاستراتيجية الأمريكية لم تكشف عن الكيفية التى من خلالها ستتمكن من تحقيق أهدافها المتمثلة فى تجنب التدخلات العسكرية فى ظل صراعات مستمرة تشمل قوات أمريكية فى العراق وسوريا وأفغانستان واليمن ومناطق أخرى، لكن المؤكد أن الهاجس الذى يسيطر على عقل ترامب وإدارته الآن أن يبحث عن مصادر للتمويل، بعيداً عن إرهاق الميزانية الأمريكية، لذلك فهو يركز على الحلفاء الأغنياء وعلى رأسهم دول الخليج وخاصة السعودية.
من هنا يمكن تفهم بعض التصريحات الأمريكية التى يبدو أنها أخذت فى اعتبارها الهدف الحقيقى من جولة ترامب، فكثير من المتابعين يرون أن دول الخليج مستعدة للتوصل إلى حل توفيقى بشأن هذه القضية فى مواجهة تحسين العلاقات مع ترامب، أو بمعنى آخر إذا كانت تكلفة تحسين العمل مع ترامب هى دفع بعض الأموال من أجل الدفاع، فلا مانع لديها من فعل ذلك، آخذاً فى الاعتبار أن الهاجس من إيران ما بعد الاتفاق النووى يدفع دول الخليج إلى البحث عن توافقات إقليمية ودولية حتى وإن كانت فى شكل صفقات يغلب عليها الطابع الاقتصادى، مثل التى يجرى الإعاداد لها حالياً بين الرياض وواشنطن، فالمتابع لما يحدث بين العاصمتين حالياً سيتأكد أن هناك موقفا مشتركا فيما يتعلق بإيران، حيث تبدو إدارة ترامب الأكثر قربا للمصالح السعودية مما كانت عليه فى عهد باراك أوباما الذى أبرم الاتفاق النووى الذى أزعج دول المنطقة وعلى رأسها السعودية، لأن الاتفاق أنهى معظم العقوبات الاقتصادية التى كانت مفروضة على إيران، ومنحتها أيضاً هامشاً كبيراً للتحرك فى القضايا والملفات الإقليمية.
وربما يجدر الإشارة هنا إلى أن ترامب بدأ فى اتخاذ خطوات تشجيعية ناحية دول الخليج، منها على سبيل المثال موافقتها على الاستمرار فى بيع طائرات إف —16 بقيمة 5 مليارات دولار إلى البحرين، مما يثير مخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان فى الدولة الخليجية الذى أدى فى البداية إلى تأخير الصفقة تحت إدارة أوباما، فترامب يريد أن يقدم لحلفائه فى المنطقة ما يطمئنهم، حتى إذا ما طلب منهم المقابل لا يتأخروا فى الدفع.
قد تكون هناك أهداف أخرى من وراء جولة ترامب، خاصة زيارته للسعودية ولقائه مع قادة الدول الإسلامية التى لم يتم الإعلان عنهم حتى الآن، لكن فكرة الإرهاب ومكافحة التشدد تظل هى المسيطرة على عقل ترامب وأيضاً دول المنطقة، فهو سيسعى إلى استغلال رغبة الدول الإسلامية فى إبعاد تهمة الإرهاب عنها وعن الإسلام، لذلك سيحاول إشراكها فى التحركات التى تخطط لها واشنطن حالياً التى تقوم على أن يتحمل الجميع التكلفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة