مبدعون أقوى من المرض الخبيث.. تعرف عليهم

الإثنين، 08 مايو 2017 06:00 م
مبدعون أقوى من المرض الخبيث.. تعرف عليهم الدكتور سيد البحراوى
أ ش أ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كيف يواجه المبدع المرض الخبيث والمراوغ؟!.. سؤال مطروح فى الثقافة الغربية كما هو مطروح فى الثقافة العربية، وتتجلى إجابته فى طروحات وكتب جديدة بالإنجليزية والعربية، فيما تؤكد الإجابة أن هناك مبدعين أقوى بإبداعهم من المرض الخبيث.

وفى سرد مؤثر بجريدة "نيويورك تايمز" تحدث الصحفى المبدع والإعلامى اللامع توم بروكاو عن تجربته فى مواجهة المرض الخبيث واختار لسرده عنوانًا دالا هو "تعلم العيش مع السرطان" فيما يقول إنه اعتاد منذ بدايات حياته المهنية الطويلة أن يجيب على من يسأله عن مهنته بكلمة واحدة "صحفى" غير أنه منذ أن أصيب بالمرض الخبيث فكر فى أن يضيف لمن يسأله عن مهنته عبارة جديدة هى "مصاب بالسرطان"!.

وتوم بروكاو المعلق التلفزيونى فى شبكة "ان. بى.سى" وقنوات فى هيئة الإذاعة الوطنية الأمريكية يبلغ من العمر الآن نحو 76 سنة فيما أصيب بالمرض الخبيث منذ نحو ثلاث سنوات، ويصفه "بالمرض العضال".

وقد تتجلى ذروة شجاعته فى قوله إنه اتخذ قرارا بمواصلة مسيرته المهنية التى امتدت على مدى نصف قرن حتى اللحظة الأخيرة مادام بمقدوره أن يعمل وأن يقاوم المرض فى آن واحد، بل أن يمارس أيضا الهوايات المحببة لنفسه وخاصة السباحة وركوب الدراجات.

والطريف أن توم بروكاو يعتبر أن إصابته "بالورم النخاعى المتعدد"منحته فرصة إحياء صداقات قديمة وإقامة صداقات جديدة مع أشخاص أصيبوا مثله بالمرض، مشيرا إلى أنه يتبادل معهم النكات حول مواقف صعبة يتعرضون لها فى خضم التجربة الأليمة والتى تتحول لنوع من الفكاهة حتى لو كانت مكللة بالأسى.

وبقدر ما يثير تعرض أى مبدع لمحنة لأسف عميق فى النفوس، فإن الاستجابة الإبداعية لألم المحنة قد تثير الإعجاب وتنطوى على مدد أمل لكل المبدعين، كما هى استجابة توم بروكاو الذى يقول إنه "صاحب تجربة وخبرات فى الحياة لا الموت" ، ومن ثم فإنه يشعر الآن بتقدير عميق وأكثر من أى وقت مضى لهؤلاء الباحثين الذين يعكفون فى مختبراتهم على إنتاج أسلحة جديدة لمقاومة الموت ومساعدة المرضى.

وقد تعيد كلمات هذا الصحفى والإعلامى الأمريكى الكبير حول "هؤلاء الباحثين الذين يعملون فى صمت لمقاومة هذا المرض المراوغ والعدو الفتاك وضرورة تقديرهم" للأذهان ما أعلنه المركز القومى للبحوث فى مصر فى مستهل العام الحالى والذى وافق الذكرى الـ60 لتأسيس هذا الصرح العلمى بأنه سيواصل هذا العام استكمال تنفيذ مجموعة من المشروعات الإستراتيجية من بينها "مشروع علاج السرطان بجزيئات الذهب".

وإذ يواصل توم بروكاو خططه للعمل واللهو مع أحفاده فإن المعنى لن يختلف كثيرًا رغم اختلاف اللغة عما قاله الكاتب المسرحى السورى الراحل سعد الله ونوس وهو يخوض معركته مع السرطان حتى النهاية "إننا محكومون بالأمل" وقد لا يختلف المعنى أيضًا عما باحت به المصرية غادة صلاح.

ففى كتابها "الأنثى التى أنقذتتى" تروى الكاتبة غادة صلاح قصتها مع السرطان فى صورة أقرب للرحلة التى استمرت ثلاث سنوات وتبدأ من لحظة اكتشاف المرض مرورًا بالعلاج فيما تحمل نهاية الرحلة الحافلة بتجليات الإرادة دروسا ملهمة لكل من ابتلى بهذا المرض الخبيث.

وغادة صلاح جاد التى أمست مديرة لمركز صحة المرأة بالمؤسسة المصرية لمكافحة سرطان الثدى عملت من قبل فى مجال دراسات الجدوى والتسويق ويتميز كتابها الذى يقع فى 150 صفحة من القطع الطويل ويتوزع على ثلاثة فصول بالبساطة والصدق وينطوى على طاقة إيجابية سواء للمريض أو لأفراد عائلته الذين قد تحمل عيونهم "الألم الحبيس أو الصريح".

والفصل الأول من كتاب "الأنثى التى أنقذتنى" يوثق فترة التشخيص "وصدمة معرفة الإصابة بالمرض الخبيث" وقرار إجراء عملية جراحية فيما يتحدث الفصل الثانى عن محطات العلاج ومساندة الأهل والأصدقاء للكاتبة التى اختارت أن يكون الفصل الثالث والأخير عن "حياة ما بعد السرطان".

وواقع الحال أن غادة صلاح نجحت فى تحويل تجربتها مع المرض الخبيث إلى تجربة إنسانية ملهمة فيما تبقى الكلمة مرفأ الأمان أو على حد تعبيرها "المهبط الآمن لذكريات مؤلمة عن المرض" وتكشف تجربتها ككل عن "إبداعات لم تكن تعرفها فى نفسها قبل خوضها رحلة مواجهة المرض".

وإذا كانت غادة صلاح قد تناولت فى كتابها تجربتها "فى ترويض وحش المرض الخبيث تلقائيا وتدريجيا" وجاء سردها أقرب لـ "لقطات الكاميرا" فمن المقرر فى الموسم الدرامى الرمضانى المقبل عرض مسلسل تلفزيونى بعنوان "حلاوة الدنيا" مقتبس عن مسلسل أجنبى فيما بطلة المسلسل "أمينة" التى تجسدها الفنانة هند صبرى تصاب بالسرطان فتقاوم المرض الخبيث بالتفاؤل والإصرار على الانتصار.

ولعل قصة فنانة عظيمة مثل أنجلينا جولى تومئ لانتصار المبدع على المرض بقدر ما تنطوى على رسائل وإشارات إيجابية تضىء معنى ومقاصد الإبداع رغم مرارة الألم أو وطأة المرض.

وإنجلينا جولى التى ولدت يوم الرابع من يونيو عام 1975 فى لوس أنجلوس وفازت بجائزة الأوسكار والعديد من الجوائز الفنية الأخرى الرفيعة المستوى واجهت بشجاعة محنة المرض الخبيث وكتبت أيضا منذ نحو أربعة أعوام مقالة فى جريدة نيويورك تايمز حول مرضها.

وفيما تفاقمت محنتها مع المرض الخبيث وتابع الملايين حول العالم بقلق تطورات الحالة الصحية للنجمة الهوليودية والفنانة الأمريكية أنجلينا جولى التى عرفت بأنشطتها الإنسانية والخيرية كشفت أنجلينا جولى النقاب فى جريدة نيويورك تايمز عن تعرضها لخلل جينى ومواجهة شبح المرض الخبيث.

غير أن أنجلينا جولى أعلنت أن "الحياة حافلة بالتحديات وطالما لن نخافها أو نخشاها فسنتمكن من التحكم والسيطرة عليها" وهذا ما فعلته هذه الفنانة التى جابت العالم ما بين كمبوديا وأفغانستان وهاييتى مضت فى مسيرتها الساعية لمحاولة التخفيف من حدة آلام المكروبين وأهل المعاناة والمهمشين والبؤساء فى الأرض.

وفى مصر كان الناقد الأدبى والأستاذ الجامعى الدكتور سيد البحراوى قد أصدر كتابا بعنوان "فى مديح الألم" طرح فيه فلسفته فى التعامل مع آلام المرض الخبيث الذى عرف فى نهاية عام 2014 أنه حل برئته غير أن هذا المثقف المصرى حول المرض لفرصة لتأمل الألم كقرين للحياة.

فالألم جزء لا يتجزأ من الحياة لكن الدكتور سيد البحراوى يضيف إلى هذه الحقيقة أن الجهد البشرى كان منصبا طوال التاريخ على مقاومة الألم وأن المعارف التى أنتجها الإنسان من علم وفلسفة تهدف فى أحد جوانبها إلى هذه المقاومة ويرى فى سياق تأمله العميق وهو يعانى المرض أن الألم دفع البشر إلى الإبداع العلمى والفلسفى والفنى.

ويفاجئ الدكتور سيد البحراوى القارئ فى الخاتمة بأنه كان يكتب ما تضمنه من نصوص لنفسه كوسيلة علاجية تشارك فى معركة مقاومة المرض وهو يقدم بالفعل تجربة فى مقاومة المرض وكيف يمكن للإنسان أن يعتمد على ما فى داخله من طاقة إبداعية للمقاومة.

وما كتبه الدكتور سيد البحراوى قد يعيد للأذهان ما فعله الكاتب الأسكتلندى الراحل إيان بانكس الذى أصر على استكمال قصة بعنوان "الفريسة" وهو يحتضر فى مواجهته الباسلة لمرض السرطان اللعين وهى فى حد ذاتها قصة مبدع فى لحظة مواجهة مع هذا المرض.

إنه الكاتب المبدع الذى قضى منذ نحو أربع سنوات عن عمر ناهز 59 سنة ولم يعلم فى البداية أنه مصاب بالسرطان بل إنه قطع شوطا طويلا فى قصة "الفريسة" وهو لا يعرف أنه سيتحول هو ذاته إلى فريسة لمرض لن يرحمه.

والمثير للتأمل أن هذه القصة بكل ظروفها المأساوية حظيت بإقبال كبير فى الغرب بينما اختار إيان بانكس أن تكون آخر كلماتها على لسان بطل القصة "فليحاربنى السرطان كما يشاء لكننى سأهزمه بقلمى".

وإيان بانكس الذى رفض الحرب على العراق ومزق جواز سفره البريطانى احتجاجا على مشاركة بريطانيا فى هذه الحرب عرف بسرعة الكتابة المتقنة حتى أنه كان يكتب رواية كاملة فى أقل من ثلاثة أشهر وكأنه فى سباق مع الزمن لإنجاز أكبر قدر ممكن من الإبداعات الجيدة واستكمال صرحه الإبداعى فى ذاكرة قرائه.

أما قصته الأخيرة التى كانت ظروف كتابتها قصة أخرى فى حد ذاتها فقد عمد فيها للسخرية من السرطان الذى حتى لو نجح فى أن يكتب اسمه ضمن عداد الموتى فإنه لن ينجح أبدًا فى أن يغيبه عن هؤلاء الذين أحبوه كما أنه لن ينجح بخسة صفاته كمرض فى حجب الشمس أو تفريغ الحياة من معانيها وذاكرتها.

كانت اللعبة فى الواقع والخيال لهذا القاص والروائى الذى قضى فى التاسع من يونيو عام 2013 هى الصراع بين الذاكرة التى ستبقى وبين مرض خبيث ومراوغ غير ان الم المبدع ينطوى دوما على رسائل وإشارات إيجابية تومئ لمعنى ومقاصد الإبداع رغم مرارة الألم أو وطأة المرض ومن هنا فإن الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى الذى قضى يوم الحادى والعشرين من أبريل عام 2015 لم يفقد روحه المرحة فى ذروة مرضه الأخير الذى واجهه حتى اللحظة الأخيرة بالسخرية والدعابة.

إنه سر المبدع مع الألم، سر فى القلب كشعلة ورد تتوهج فى الأشواق ويضىء شذاها الروح! سر يضىء الدرب فى العتمة ومخاوف الأسئلة، سر يجعل الجراح دواة أمل ومداد إبداع ومعنى جديد للحقيقة!..هنا تسقط الأسوار وتمتزج الصورة بالمعنى، هنا تنساب الكلمة من الزهرة!.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة