فى كل زيارة خليجية يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى يتسابق المحللون للحديث عن وساطات ومصالحات تسعى إليها هذه الدولة أو تلك بين مصر، ودول قررت أن تتخذ مساراً معادياً لإرادة المصريين، حدث ذلك كثيراً وما زال يحدث حتى الآن كلما حل الرئيس السيسى ضيفاً على عاصمة خليجية.
البداية كانت بتحليلات وتوقعات للمصالحة بين مصر وكل من قطر وتركيا، وقيل فى ذلك الكثير، وبعد أن شاب العلاقات المصرية السعودية توتر كان هو الموضوع الذى أخذ حيزاً من تحليلات الخبراء، وكأن رئيس مصر لا يهدف من زياراته الخارجية، خاصة إلى دول الخليج الشقيقة سوى البحث عن عقد مصالحة مع الدول التى تختلف معنا سياسياً.
الغريب أن هؤلاء الخبراء والمحللين يتحدثون من واقع رؤاهم الخاصة عن هذه الوساطة أو تلك، رغم يقينهم الأكيد أن مصر لا تدار بهذه الطريقة، وأن الرئيس السيسى لا يتعامل بهذا المنطق أبداً، فرغم ترحيب مصر بكل جهد عربى لتقريب وجهات النظر بين مصر وأشقائها، لكن إذا وجد خلاف فإن حله يكون بناء على أسس موضوعية لا تحل فى يوم وليلة أو خلال جلسة واحدة، وإنما من خلال الاتفاق على أسس وقواعد لا يتم التراجع عنها، لأن القضية بالنسبة لمصر لا تتعلق فقط بالمصالحة مع هذه الدولة أو تلك، وإنما بأن تكون المصالحة مبنية على أسس قوية.
قبل زيارة الرئيس السيسى للإمارات خرج من يقول إن ملف العلاقات المصرية القطرية على طاولة المباحثات، وخلال وجوده فى الكويت ضافوا لهذا الملف آخر وهو العلاقات المصرية التركية، وقبلها كانت العلاقات المصرية السعودية، لكن خاب ظن وتوقعات وتحليلات الجميع، لأنهم ببساطة شديدة لا يدركون الحقيقة المهمة التى ينبغى أن يكون مطلعين عليها، وهى أن مصر لا تقبل الصلح مع أحد، لكن وفقاً لقواعد.
فات من يلهثون وراء الأخبار الكاذبة حول المصالحة وغيرها، أن الأجواء الآن ليست مهيأة لهذه الأمور لعدة أسباب، على رأسها أن الدول التى يتحدثون عن ضرورة تقريب وجهات النظر بينها وبين مصر، يتحكم فيها أشخاص مازالوا خارج إطار الواقع والمنطق أيضاً، وأعنى هنا تحديداً قطر وتركيا، فكل من تميم بن حمد ورجب طيب أردوغان يعيشان فى وهم عودة جماعة الإخوان الإرهابية إلى السلطة فى مصر مرة أخرى، ومازالا يخصصان أموالاً طائلة على هذا الهدف، رغم إدراكهما أنه هدف لن يتحقق مهما طال بهم الزمن، ومهما أنفقا من أموال، لأنه هدف يسير عكس التيار الجارف ليس فقط فى الشارع المصرة، وإنما فى المنطقة العربية بوجه عارم، بعدما عرى المصريون فى 30 يونيو 2013 جماعة الإخوان، وكشف للعالم كله نواياهم الخبيثة والدنيئة للسيطرة على مصر كخطوة أولى للسيطرة على المنطقة لتنفيذ الرغبة الأردوغانية فى عودة الخلافة الإسلامية مرة أخرى، لكن هذه المرة برعاية إخوانية.
فات من يلهثون وراء الأخبار الكاذبة حول المصالحة وغيرها، أن مصر تغيرت، فلم تعد الدولة الضعيفة التى تبحث عن عقد توافقات رضائية، فهى الآن تتحدث وتتعامل من منطق القوة، وهو منطق مختلف عما يتصوره أردوغان وتميم، لذلك فإن الهوة شاسعة، ولا يمكن تقريبها فى يوم وليلة، أو من خلال جلسة واحدة.
نعم هناك جهد حاول بعض قادة الخليج القيام به لتقريب وجهات النظر، لكن الحقيقة المؤكدة أننا تخطينا فكرة التقريب بمراحل، فهذه الفكرة كانت مقبولة قبل عامين أو أكثر، لكن الآن الوضع تغير، فإما تغيير كامل فى سياسات الدولتين تجاه مصر والمنطقة بشكل كامل، أو ليبقى الوضع على ما هو عليه، وستظل الدولتان الأكثر تضرراً، لأنهما ينفقان أموالهم على وهم، نعم هذا الوهم يتسبب فى حصد أرواح عدد من شهدائنا من رجال الشرطة والقوات المسلحة، لكن هذا لا يثنى مصر أبداً عن موقفها ومنطقها الذى تسير عليها، خاصة مع إدراكنا جميعاً أن معركة الإرهاب لن تنتهى بالمصالحة مع ممولى الإرهاب مثل قطر وتركيا، وإنما يحتاج إلى تكاتف دولى، يضع حداً للإرهاب والميليشيات الإرهابية.
هناك من يعتبر عودة الوئام مرة أخرى بين القاهرة والرياض مؤشر على حل الأشكاليات القائمة حالياً مع الدوحة وأنقرة، وهذا قول منقوص، لأن التوتر فى العلاقات المصرية السعودية لم يصل إلى درجة القطيعة، وإنما توقف عند حد الاختلاف فى وجهات النظر بين البلدين حول عدد من الملفات الثنائية، لك لم يصل إلى درجة أن تقوم المملكة بتمويل الجماعات الإرهابية لتنفيذ عملياتها فى مصر، لذلك عادت سريعاً العلاقات بين القاهرة والرياض إلى ما كانت عليه، لأن التوافق كان موجوداً، حتى مع اختلاف الرؤى بين البلدين، لكن الاحترام كان هو السائد، بل لم تقبل أى دولة من الدولتين الإضرار بمصالح الدولة الأخرى، وهو عكس الوضع مع تركيا وأنقرة، لأن الدولتين أسسا سياستهما على الإضرار العمدى بالدولة والشعب المصرى، ووقفا ضد إرادة المصريين، بل وحاولا طعنه أكثر من مرة بسلاح الإرهاب.
لذلك أقولها بكل صدق أن كل أحاديث المصالحة والوساطة مع تركيا وقطر ضاعت مع الرياح، لأنها لم تكن مبنية على أسس موضوعية، ولا يمكن الحديث عنها إلا إذا تأكدت قطر وتركيا أنهما فى حاجة لتغيير مواقفهما تجاه مصر ودول المنطقة، وحتى يحدث ذلك فليس هناك أى معنى للحديث عن مصالحة أو غيرها، وليس هناك أى معنى لاختصار زيارات الرئيس الخليجية فى هذا الملف المغلق حتى إشعار آخر، ومن الأفضل أن نعود إلى الأهداف الحقيقة لهذه الزيارات التى تستهدف فى المقام الأول تقوية العلاقات الثنائية، والتأكيد أمام الجميع أن أمن الخليج من أمن مصر، وأن مصر لم ولن تقبل أبداً المساس بأمن دول الخليج، وأن القاهرة تسعى دوماً فى سياساتها الخارجية لتأمين الوجود المطلوب لدول الخليج فى أية ترتيبات أمنية متعلقة بالمنطقة، وهو أمر يدركه الأشقاء فى الخليج جيداً، ويقدرونه لمصر ولرئيسها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة