رأيت صورته على صفحة أحد الأصدقاء، وجه عمودى على عدسة الكاميرا، وعين تبتسم بانكسار، لا أعلم: هل أخبرنى نبأ موته بانكسار عينه أم أنه كان يحمل نبوءة الموت بين جفنيه وهو شاخص أمام الكاميرا؟ رجل، بشوش، إنسان من لحم ودم، إنسان من لحم وحلم، أب يحتضن ابنه بلهفة واشتياق، صورة أعرفها وأحبها، أشعر بسخونتها فى عينى تمامًا، وأرى المشاعر التى تفيض منها، يخاف عليه بقدر ما هو فخور به، يضعه فى منتصف صدره مائلًا نحو القلب قليلًا، أو قل مائل قلبه نحو ابنه قليلًا، روح تكاد تقفز من خارج إطار الصورة الأبوية من الفرحة، لكنها- وبكل ألم- قفزت خارج الجسد بفعل رصاصات الغدر القاتلة، فصار اسمه «الشهيد أيمن حاتم».
كان رجلًا مثلك تمامًا، يعانى فى عمله كل يوم، يعانى من لحظات الإحباط الوطنى الكثيرة، يعانى من نار الأسعار وحرارة المتطلبات اليومية، يدخل بيته حالمًا بلحظة سعادة مع أبنائه، يضحك مع هذا وينهر هذا، يشاهد التليفزيون متقلبًا بين ما يسر وما يضر، يدبر حياته ويدخل كل يوم فى حسبة برما من أجل التوفيق بين الأمور، يتخيل مستقبل الأولاد إذا اتخذ هذا القرار أو ذاك، لا أعرفه معرفة شخصية، ولم أسمع عنه بشكل إنسانى من أحد، لكن صورته مع ابنه فضحت لى حنان قلبه وكشفت ما به من طفولة برغم البدلة الميرى التى يرتديها، والتى تلقت رصاصات الإجرام الإرهابى واحتضنت أنفاسه الأخيرة.
كان الهجوم وقحًا فأسفر عن استشهاد «أيمن حاتم» واثنين آخرين من زملائه، هما النقيب محمد عادل وهبة والأمين شعبان محمد عبدالحميد بالإضافة إلى إصابة 5 من رجال الشرطة، هم رجال عاشوا وماتوا رجالًا، عاشوا مكللين بالمجد، وماتوا متدثرين بعلم مصر، علم الفخر، تدل صورهم على إنسانيتهم المفرطة، وتدل كلماتهم البسيطة على عفويتها بمدى ما كانوا يتمتعون به من صدق وإيمان، كل واحد فيهم تمنى أن يأتى اليوم الذى يظفر فيه بالشهادة، كل واحد فيهم له عائلة وأخوة وأحبة، كل واحد فيهم ذهب إلى ربه تاركًا جرحًا فى قلوب محبيه ليسد آخر فى قلب الوطن، كل واحد فيهم ترك إطارًا لصورة كانت تجمعه مع ابن أو ابنة، حبيبة أو قريبة، أخ أو صديق، وذهب مخلفًا وراءه نصف صورة فارغة، أملًا فى بناء وطن كامل.