قال الدكتور هشام عرفات وزير النقل ،أن معيار تحضر الأمم هو سلوك الناس في استخدام الطرق ، والبيئة المحيطة بنهر الطريق ، مضيفًا أن اعتداء الناس على نهر الطريق لا يمت إلى الإسلام بصلة ، وهذه هي الثقافة التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم، مشيرا إلى أن المحافظة على الطريق العام يجب أن تكون ثقافة عامة، وذلك أن الطريق مرفق من مرافق الدولة وملك للشعب كله والأجيال القادمة ، وليس لأحد أن يعتدي عليه أو أن ينازع الدولة في ملكيته.
كما أكد أننا تعلمنا أن حب مصر في البداية هو حب و إيمان بالوطن ، فمصر أبان الله (عز وجل) مكانتها في كتابه العزيز ، ورسولنا في سنته المطهرة ، فإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يباهي الأمم يوم القيامة بنا ، فليباهي بأمة متحضرة مراعية للحقوق الواجبة عليها .
وقال في كلمته بالحلقة الثالثة عشرة لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف ، مساء الاثنين بساحة مسجد الإمام الحسين (رضي الله عنه) تحت عنوان : ” حق الطريق وآدابه “،أن حديثنا عن الطرق يشمل الطرق العامة والسكك الحديدية ومترو الأنفاق، وأن الناظر في السكك الحديدية من الجانبين يجد أكوامًا من القمامة والنفايات قد تؤدي إلى كوارث لا ترضي الله (عز وجل) ، ولا رسوله (صلى الله عليه وسلم)، مشيرا إلى أنه قد حصل حريق بالقمامة منذ يومين أدى إلى تعطل حركة القطارات قرابة الساعة ، فمن أين أتت القمامة ؟ كيف يؤدي الإنسان عباداته وصلواته ثم يؤذي الناس بقمامته على هذا الوجه؟ فيجب علينا أن تستقيم عبادتنا مع أخلاقنا ومعاملتنا.
مشيراً إلى تعدي الباعة الجائلين على نهر الطريق مما يؤدي إلى الزحام وإيذاء الناس وتشويه الطريق، وفي حالة حدوث مشكلة تتطلب دخول سيارات الإطفاء أو الإسعاف لا تتمكن من ذلك بسبب الاعتداء على نهر الطريق.
وأضاف أننا تعودنا على عادات غاية في القبح ، منها أن الواحد إذا واجه مشكلة من تأخر الأجور أو اختفاء أحد أقاربه يخرج الناس فيقطعون الطريق عامة دون مراعاة حق الطرق وحق أصحاب الحاجات في الوصول إلى مقاصدهم ، كذلك من هذه العادات عدم احترام أمان الطريق ،فنجد أن الأطفال والنساء يصعدون إلى الطرق السريعة دون مراعاة ضوابط المرور أو قواعد السلامة والأمان ، مما يعرض حياتهم للخطر ، وهذا غير جائز شرعًا .
كما نبه أن هناك نوعًا آخر من التعدي على الطريق أشد قبحًا وأسوأ أثرًا هو اعتداء بعض سائقي المكروباصات على نهر الطريق وأساليب القيادة التي يقومون بها،مما يتسبب في التكدس المروري،بل وفي الحوادث التي تزهق أرواح عدد ليس بالقليل ، مضيفًا أننا أقمنا محطات أمان على الطريق الدائري تكلفت 60 مليون جنيه ، ثم نجد السائقين لا يستخدمونها بل يقفون في نهر الطريق تاركين هذه المحطات التي خصصت لتوقف السيارات ويعطلون حركة المرور ،معربا عن سعادته البالغة بحضوره هذا الملتقى الطيب في رحاب مسجد مولانا الحسين ، موجها الشكر للقائمين على الملتقى وللحضور الكريم .
ومن جانبه قال الدكتور جمال فاروق عميد كلية الدعوة الإسلامية ،ان الشريعة الإسلامية شاملة لجميع جوانب الحياة ، فهي تنظم علاقة الفرد بربه وعلاقة الفرد بحياته اليومية في جميع أحواله ، فقد جاء الإسلام وليس منحصرًا في النسك والعبادات ، بل جاء الإسلام لتنظيم كافة شئون الحياة ، مؤكدًا أن هناك كليات ومقاصد عامة جاء الإسلام بحفظها هي: حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والمال ، والأنساب ، مضيفًا أن الالتزام بحق الطريق يرتبط مباشرة بحفظ النفس .
وفي نفس السياق تحدث عن مفهوم الطريق في الإسلام ، فأي ممر ولو زقاق يعد طريقًا في الإسلام ملكًا للمجتمع ، وليست ملكًا لأحد إنما هي ملكية عامة ، فلا يحق لأحد أن يضع فيها عراقيل أو أن يعيق حركة المسافر أو المريض الذي يحتاج الطريق لإنقاذ حياته.
لذلك عاب ربنا سبحانه على قوم لوط بقوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فقطع الطريق في الإسلام كبيرة من كبائر الذنوب .
كما أكد أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) قد جاء بمكارم الأخلاق فقال (صلى الله عليه وسلم) : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، فالسلوك الطيب والأخلاق الحميدة هي الترجمة العملية للعبادات في الإسلام ، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ أَحبَّكُمْ إِلَيَّ وَأقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الآخِرَةِ أحَاسِنُكُمْ أخْلاقاً” ، وقال(صلى الله عليه وسلم): (الإيمان بضع وسبعون شعبة …) وجعل الطريق والمحافظة عليه وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان ومن متمماته ، وجاء في الحديث : ” أن رجلا نحى غصنا من طريق الناس فشكر الله له فأدخله الجنة “.
وفي ختام كلمته أكد على وجوب تكاتف الجهود وأن يتعاون الجميع لمصلحة الجميع فكلنا مسئولون ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ..” مضيفا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد أخبرنا أن الجلوس على الطريق لا يجوز إلا بحقه ، فقال : ” إياكُم والجُلوسَ على الطُّرُقاتِ”. فقالوا: ما لنا بُدٌّ، إنَّما هيَ مجالِسنا نتحدَّثُ فيها. قال:” فإذا أبَيْتُم إلاَّ المجالِسَ ؛ فأعطوا الطَّريقَ حقَّها” ، قالوا: وما حَقُّ الطَّريقِ؟ قالَ: “غَضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، وردُّ السلامِ، وأمرٌ بالمعروفِ، ونهيٌ عن المنكَرِ” ، منبها على الحقوق التي أوجبها الإسلام للطرق من غض البصر عن المحارم التي تخدش الحياء وتكون سببا في آفات أخلاقية كثيرة ، وكف الأذى بكل أشكاله من الجالس على الطريق تجاه المارة ، ورد السلام وما فيه من إشاعة الألفة بين أفراد المجتمع ، قال (صلى الله عليه وسلم) : ” ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ” وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،فهذه الحقوق إذا أديناها كفيلة بأن تضمن سيرًا آمنًا وعلاجاً ناجعاً لكل السلبيات والمخالفات على الطرق العامة ، منبهًا أن المعتدي على الطريق يعرض نفسه للمساءلة أمام الله (عز وجل) فالسؤال يوم القيامة ليس عن العبادات وحدها ، بل عن كل سلوك يصدر عن الإنسان ، ولله در القائل :إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وفي ختام اللقاء أضاف الدكتور عبد الله النجار أن التكسب بالبيع في الطرقات ومضايقة الناس في سبيلهم من الكسب الحرام السحت ، بل ومن الجرائم التي تستوجب العقوبة عليها ، وكذا الجور على الطريق أثناء البناء والتعدي عليه والأخذ منه من باب الكبائر التي تعد من الغلول ، قال تعالى : ” ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ” فهو أشد أنواع السرقة ،ونحن من هذا الملتقى نحيي الدولة على ما تقوم به في هذا المجال ، فهي تقوم الآن بحملة لاسترداد المال العام الذي استولى عليه البعض من حقوق الله ومن حقوق الوطن ، فنحن مع الدولة قلبا وقالبا ، مضيفًا أننا في أمس الحاجة إلى تدعيم أدب الطريق وأدب القيادة بوجه خاص ، مؤكدًا أنه لا يجوز الاعتداء على الطريق ولو بالعبادة ،كذلك قطع الطريق بسبب التعبير عن الرأي ، ومن ثم فيجب علينا أن نراعي حق الطريق فهو المعيار الذي يدل على تحضر الأمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة