يلوح اختلاف مهم على طول أضلاع هذا المثلث الجديد، فالولايات المتحدة وأوروبا كان لديهما بالفعل نصيب من الشقاق حول العراق، وحول المعاهدات الدولية والنظم ودور الولايات المتحدة فى العالم وقضية حظر السلاح على الصين، وعلى الجانب الآخر، وقعت بين الصين وأوروبا سلسلة نزاعات بشأن قضايا التجارة والتصنيف الخاص بوضعية اقتصاد السوق تماماً قبل الاختلافات حول حقوق الإنسان، فأوروبا تختزل هواجس ممارسات الانتشار النووى الصينى، وكذلك قضية حظر السلاح، بل إنها لاحت مؤخراً فى الأفق انتقادات شنها المتخصصون الصينيون فى الشؤون الأوروبية ضد الحوافز التى تقف وراء برامج الاتحاد الأوروبى لتدشين المجتمع المدنى فى الصين، معتبرين إياها حيلاً أيديولوجية لتغريب وتقسيم الصين، كما اختلفت الولايات المتحدة مع الصين حول حقوق الإنسان والتجارة والانتشار النووى دون إغفال قضايا تايوان والدفاع الصاروخى والأمن الإقليمى فى شرق آسيا.
وكل هذه المعالم-كما جاء فى الدراسة التى أعدتها د. عبير عبدالحليم خاص- تضيف إلى قوام العلاقات الثلاثية المرنة والمتحولة، والتى قد تسجل تقارباً فى بعض الأحيان وتباعداً فى أحيان أخرى، فالولايات المتحدة قد تقف جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبى، وأحياناً أخرى تجد الصين والاتحاد الأوروبى نفسيهما فى حالات اتفاق، وقد تعمل الولايات المتحدة فى بعض الأحيان مع الصين وأحياناً أخرى قد تتقاطع مصالح وسياسات الأطراف الثلاثة، وفى الوقت نفسه قد يكون لكل طرف نزاعات مع الطرفين الآخرين، إلا أن حالة واحدة لم تحدث حتى الآن، وهو الموقف الذى قد تتقارب فيه المصالح الأمريكية والصينية فى مواجهة المصالح الأوروبية، ولهذه الأسباب مجتمعة وغيرها، فإن المثلث الاستراتيجى الجديد بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا تتوافر لديه آليات تختلف عن نظيره القديم، الذى سيطر على الشؤون العالمية منذ الانفتاح الصينى فى 1971 حتى حدوث التقارب الصينى السوفيتى فى نهاية عقد الثمانينيات، ورغم توتر المحورين الأمريكى الصينى والأمريكى الأوروبى، فإنه من غير المحتمل أن يطور أحدهما الطابع التنافسى أو المعادى الذى وصم العلاقات بين القوى فى المثلث الصينى السوفيتى الأمريكى القديم.
وبالطبع، فإن النزاع الأمريكى الصينى حول تايوان أو ذلك المحتمل اندلاعه حول كوريا الشمالية من المقدر أن يعتبر جذرياً من هذه النبوءة، كما أن استفحال التوترات عبر الأطلنطية حول قضايا عديدة مثل العراق وإيران والأمم المتحدة والناتو والتجارة، يمكنها أن تساهم فى توسيع فجوة التباعد بين الولايات المتحدة وأوروبا، وعلى المدى القريب، فإن قضية الحظر الأوروبى للسلاح على الصين من المحتمل أن تعتبر مسألة مثيرة للخلاف أو الانقسام.
وتظل مسألة الحفاظ على مواقف دبلوماسية مشتركة والتعامل مع قضايا مثل برنامج إيران النووى أمراً بالغ التعقيد، فهل يجب أن تبدأ الدول والشركات الأوروبية فى بيع السلاح، وتنمية التكنولوجيا العسكرية لنقلها للصين، وفى الوقت نفسه تعريض القوات العسكرية الأمريكية للخطر، وتغيير ميزان الأمن فى شرق آسيا، كما يحتمل أن تؤدى هذه السياسة الأوروبية لقطيعة كبرى بين أوروبا والولايات المتحدة، فمثل هذه النهاية من شأنها تقويض التحالف الأطلنطى، الذى أثبت أنه أساس النظام العالمى على مدى الـ60 سنة الماضية، لذلك فإن وضع الصين فى المكان المناسب بين الولايات المتحدة وأوروبا يعتبر أمراً يتمتع بأولوية قصوى.
وفى هذا الوقت، فإن الفرع التنفيذى للحكومة الأمريكية قد تأخر طويلاً فى إدارة حوار منتظم عن الصين مع أوروبا، وهو المقترح الأوروبى الذى أعلن عنه الاتحاد فى أعقاب أزمة حظر السلاح، كما يحتاج الكونجرس الأمريكى لتعميق تفهمه للعلاقات بين الاتحاد الأوروبى والصين، ولذلك تم تأسيس لجنة مراجعة أمريكية صينية اقتصادية أمنية ككيان انبثق عن الكونجرس فى 1999 ولكن الجهود لا تقف عند هذا الحد، فالمسؤولون والمحللون لا يقتصر احتياجهم على تطوير فهم أفضل للمصالح الأمنية الأمريكية فى شرق آسيا، ومدى تعقيدات العلاقات الصينية الأمريكية، بل يجب أن يتطرقوا للفهم العميق للصين المعاصرة، فالمشورة والتفاعل عبر الأطلنطى بشأن الصين أضحى أمراً شديد الأهمية لكلا الجانبين الأمريكى والأوروبى، حتى يتعلم كل منهما من الآخر، وكذلك فى الوقت نفسه للحد من نزوع الصين نحو تأليب الولايات المتحدة وأوروبا ضد بعضهما البعض، وبشكل أكبر، فالأطراف الثلاثة للمثلث الأطلنطى الجديد تتفق حول القضية الأكثر أهمية ومحورية، وهى كيفية إدارة تكامل الصين فى النظام العالمى القائم بسهولة وآمان.
الخبرة التاريخية تشير إلى أن القوى الصاعدة مثل أوروبا والولايات المتحدة قد ساهمت بشكل كارثى فى اضطراب النظام الكونى، لذلك أصبح من المتعين على عاتق أطراف المثلث الثلاثة ضمان ألا يعيد التاريخ نفسه، وهو التعهد الذى سيتطلب تنسيق جهود الأطراف الثلاثة للمتابعة والاهتمام بهذه القضية الكلية، وعدم السقوط فى هاوية نزاعات فرعية، كما سيتطلب هذا التأمين للاستقرار العالمى إدارة حوار مكثف بين الأطراف الثلاثة مجتمعة، ويمكن أن تكون فكرة إقامة قمة سنوية أو نصف سنوية ليجتمع فى أروقتها رؤساء الدول الثلاث، الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبى، وسيلة عالية الجدوى كما يمكن أن تتقابل جماعات المصالح الوظيفية المنبثقة عن الحكومات الثلاث بشكل منتظم لتنسيق المداخل المشتركة لمواجهة التحديات العالمية، لذلك فإذا أمكن لهذه القوى الكونية القيادية الثلاث أن تلتمس طريق النجاح فى تحقيق مثل هذا الحوار الإيجابى، وتنسيق السياسات والتعاون المثمر، فإنه لا محالة سيشهد العالم استقراراً أكبر، وسيكون هذا المثلث الاستراتيجى الجديد وقتذاك وعلى إثر هذه النجاحات آلية إيجابية لتدشين حكم كونى فعال.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة