رغم أن حركة النهضة الإسلامية – إخوان تونس – أكدت انها تعلمت الدرس مما حدث للجماعة فى مصر عام 2013، وقدمت تنازلات عن السلطة طوعا لتشارك مع احزاب علمانية فى الحكومة الحالية إلا انها طوال الوقت تعمل على أنها القوة المسيطرة على المشهد داخل تونس، بل وتخطط للعودة مجددا للواجهة عندما تحين الفرصة المناسبة، وطوال الثلاث سنوات الماضية عاشت تونس فى صراع خفى بين حزب نداء تونس – حزب الرئيس الباجى قائد السبسى والحركة الإسلامية على السيطرة على المشهد السياسى.
هذا الصراع عجز خلاله الحزب العلمانى أن يطيح بالحركة الإسلامية أو حتى ينجح فى تحجيم نفوذها حيث ظلت الكيان الأكثر تنظيما وفاعلية فى الشارع التونسى، وقبل أشهر قليلة من الانتخابات البلدية الأولى فى تونس – والتى تعتبرها الحركة الخطوة الأولى للعودة الى سدة الحكم - والمقرر أن تجرى قبل نهاية العام الجارى، وقع ما لم يكن يتخيله الإخوان، حيث قرر العرب مواجهة مصدر الإرهاب فى المنطقة والتصدى لقطر الحاضنة الأولى له الأمر الذى انعكس على الوضع التونسى الداخلى.
الحصار الذى تم فرضه على الدوحة أدى الى فقدان الإخوان فى تونس للظهر والسند الإقليمى الذى ظل طوال السنوات الماضية يقدم الدعم للتنظيم الدولى ليفرض سيطرته على المنطقة، وقدمت أزمة قطر المتفاقمة فرصة ذهبية للرئيس التونسى السبسى ليسدد ضربات متوالية لحركة النهضة غريمة الأول على الساحة، لتقليم أظافره وتقويض دوره الداخلى والخارجى.
تحركات الحكومة التونسية بدأت الواحدة تلو الآخرى، وكانت البداية من المفاجأة التى فجرتها صحيفة الشروق التونسية مفاجأة ، حيث أكدت أن الحكومة ستبدأ فى منع تأسيس الكيانات والأحزاب والمنظمات والتيارات على أساس دينى واستعمال المرجعية الدينية لغايات سياسية، مشيره الى أن الدولة التونسية ملتزمة بمقررات وتوصيات قمة الرياض بخصوص محاصرة منابع الإرهاب، وأيضا منع الكيانات والتنظيمات التى تستعمل الدين لغايات سياسية.
وقالت الصحيفة إن ما يحدث مع قطر هو من ضمن نقاط قمة الرياض، ومن النقاط الأخرى التى التزمت بها تونس وستنفذها قريبا هى منع تأسيس الكيانات والأحزاب والمنظمات والتيارات على أساس دينى واستعمال المرجعية الدينية لغايات سياسية، بالنظر إلى خطورة مثل هذه الكيانات على مقومات الدولة ومؤسساتها وتعارضها المطلق مع مفهوم الدولة الوطنية.
وأوضحت الصحيفة أن الحكومة تعتزم ادخال تعديلات على مرسوم الأحزاب باتجاه منع تأسيس الأحزاب السياسية على أساس دينى أو استنادا إلى مرجعية دينية باعتبار أن الدين الاسلامى هو القاسم المشترك بين التونسيين إلا أن الحسم فى هذا الملف تأجل لعدّة أسباب من بينها أن معاناة من هو فى الحكم بسبب استناده إلى مرجعية دينية.
ثم جاءت الضربة الكبرى حين اتخذت السلطات أمس قرارا بحظر دخول عدد من القيادات الإخوانية المطلوبة فى قضايا دولية لأراضيها، والذين تم إدراجهم فى قائمة الإمارات ومصر للإرهابيين الذين تدعمهم قطر، وذلك تماشيا مع عزم الدول العربية مواجهة الإرهاب، حيث بادرت خلال الساعات الماضية باتخاذ إجراء "منع حدود" فى حق عدد من قيادات التنظيم الدولى للإخوان وفى مقدمتهم يوسف القرضاوى ووجدى غنيم وعصام عبد الماجد وغيرهم.
تلك التحركات التى اتخذتها الحكومة التونسية تمت فى هدوء وبعيدا عن الإعلام وفى وقت ألتزمت الدولة الرسمية بالحياد تجاه الأزمة بين الدول العربية وقطر، وأعرب السبسى عن استعداد تونس لبذل كلّ جهد من أجل تقريب وجهات النظر بين الدول العربية وقطر لدعمها الإرهاب والذى أدى الى مقاطعتها، لافتا الى أنه على استعداد للإسهام فى تطويق الخلاف بما يسمح بعودة العلاقات سريعا إلى سالف عهدها، معربا عن ثقته فى حكمة الأشقاء الخليجيين وقدرتهم على تجاوز هذه الأزمة.
وبهذا الموقف المتوازن من جانب الدولة التونسية يكون السبسى تمكن من ضرب "عصفورين" بحجر واحد حيث كسب ود الرياض وأظهر مدى تجاوبه مع مقررات القمة الإسلامية الأمريكية فى مكافحة الإرهاب، واستغل الأزمة لتحجيم الإخوان التى كانت تؤرق رأس السلطة، وهو يعلم أن الإخوان فى تلك المرحلة تمر بمرحلة وهن لفقدان الداعم الأول لها "الدوحة".
وتعيش حركة النهضة فترة اضطراب داخلى لعدم تمكنها من توقع ما سيحمله المستقبل فى ظل تزايد الدعم الدولى للموقف العربى من قطر، وبدأ مجلس شورى الحركة يدرس التطورات الإقليمية ليحدد موقفه ويبدو أن خيار التخلى عن الدوحة مطروحا على الطاولة لتنجو الحركة من الطوفان المقبل، وهو ما بدا من تصريحات المتحدث الرسمى باسم الحركة عماد الخميرى، والذى أعلن فيه إن النهضة لن تعلن اصطفافها إلى جانب قطر، وستلتزم الحياد.
وقال الخميرى أن موقف الحركة لن يخرج عن الموقف الرسمى للدولة، وسيظل منسجما تماما مع منطق حماية المصالح العليا للدولة التونسية، قائلا: "نحن حزب مشارك فى الحكم ونعتقد أن السياسة الخارجية لا يجب أن تكون موضع خلاف بين الأحزاب السياسية"، مشيرا إلى أن الحركة اكتفت بالتعبير عن انشغالها بالخلافات فى الخليج العربى، وأكدت أن ما يحدث يضر بالمصالح العربية ودعتهم للحوار وتغليب منطق العقل والتهدئة، وأبرز الخميرى أنه "فى الديمقراطية لا يوجد خلاف فى علاقة بالموضوع الدبلوماسى والقضايا الخارجية".
وبعدها بساعات خرج رئيس الحركة راشد الغنوشى عن صمته ليغازل الرياض ويستجديها لإنهاء الخلاف مع قطر، حيث وجه نداء إلى خادم الحرمين الشريفين، العاهل السعودي، سلمان ابن عبد العزيز، «أن يجمع كل أبنائه مجددا على طريق واحد»، بما يؤدى إلى حل الأزمة الراهنة مع قطر، مؤكدا على متانة العلاقات التونسية السعودية قائلا: «كان للمملكة علاقات جيدة مع تونس قبل الثورة وبعد الثورة وهى مركز قبلة كل المسلمين».
وتابع "هم كلّهم إخواننا ونأمل أن يعودوا إلى وحدة الصف ووحدة القلب والى التعاون ونشاط مجلس التعاون الخليجى مجددا، ليس فى تحقيق المصالح المادية فقط، بل أيضا فى تحقيق المصالح الأخوية والروحية والسياسية"، مضيفا "أملنا فى كل الأطراف التى تمر عليها سحابة من اختلافات الرأي، ونأمل ألا ينقضى هذا الشهر إلا وعادت حبال الود والتواصل بين إخواننا فى موطن قبلة المسلمين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة