يأتى رمضان فيحمل معه كل جميل، ومن عطاء رمضان خُلق العفو الذى يجب أن يتحلى به كل مسلم، وتأتى الإشارة إلى خُلق العفو فى كثير من الآيات القرآنية، يقول الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ وقال تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وورد فى الأحاديث الرمضانية ومن ذلك ما أمر به رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى قوله: إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّى امْرُؤٌ صَائِمٌ.
ولهذا الخُلق ترجمة رائعة فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم، فقد ضرب النبى صلى الله عليه وسلم النموذج والمثل الأعلى فى هذا الخلق الرفيع ومن ذلك مثلا: أن عائشة رضى الله عنها قالت للنبى: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسى على «ابن عبدكلال»، فلم يجبنى إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهى فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسى فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى، فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام، فنادانى فقال: إن الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فنادانى ملك الجبال فسلم علىّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال وقد بعثنى ربى إليك لتأمرنى بأمرك فما شئت إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبدالله وحده لا يشرك به شيئا، وغير ذلك من أمثلة طيبة.
وعلى هذا المنهج الأخلاقى عاشت الأمة زمنا خصبا، وكلما كانت الأمة أقرب إلى أخلاق القرآن وأخلاق النبوة كانت مستقرة هانئة.
إن من المساوئ الأخلاقية التى يجب أن يتجنبها الناس، تلك النظرة المغلوطة إلى خلق العفو، فالبعض يرى العفو ضعفا، أو جبنا، ولا يدرك أن العفو قدرة، وأن العفو مكانة عالية، والعفو بعد القدرة من أخلاق الله تعالى، فالله أقدر على تعذيبنا ومعاقبتنا بذنوبنا إلا أنه سبحانه يمهل ويعفو ويغفر، ولولا كمال عفوه وسعة حلمه لغارت الأرض بأهلها لكثرة ما يرتكب من المعاصى على ظهرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة