دورتنا الرمضانية اليوم عن الورع، وقيل الورع لزوم الأعمال الجميلة التى فيها كمال النفس.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أروع نموذج يقتدى به فى الورع، فقد كان صلى الله عليه وسلم زاهدًا ورعًا.
فهذا أنس رضى الله عنه يحكى لنا مشهدًا من الورع عند الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فيقول: «مرَّ النبى صلى الله عليه وسلم بتمرةٍ مسقوطة، فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها».
وعن سعد بن أبى وقاص وحذيفة بن اليمان، رضى الله عنهما، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «فضل العلم أحبُّ إليَّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع».
قيل لأنَّ الوَرِع دائم المراقبة للحقِّ، مستديم الحذر أن يمزج باطلًا بحقٍّ.
والورع يجلب محبة الله سبحانه وتعالى، وفيه الاقتداء بهدى النبى صلى الله عليه وسلم، وكذلك فيه ترك الشبهات، والبعد عنها، وبه يطيب المطعم والمشرب، وأنه سببٌ لاستجابة الدعاء، كما أنه خير خصال الدين، كما أخبر بذلك النبى صلى الله عليه وسلم، وفيه الاستبراء للدين والعرض وهو سمةٌ من سمات العُبَّاد.
وقد جمع النبى صلى الله عليه وسلم الورع كله بكلمة واحدة فقال «من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
فمِلاك الورع كلِّه: ترك المرء ما لا يعنيه من الكلام، والنظر، والاستماع، والمشى، والفكر.
وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى.
وعليه فالورع سببٌ من أسباب كمال التقوى التى هى علة الصيام، وقال أبو الدرداء: «تمام التقوى أن يتقى اللهَ العبدُ، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حرامًا، حجابًا بينه وبين الحرام».
وضرب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - والذين تربوا فى مدرسة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة فى الورع، قال ابن أبى ليلى: «أدركت مئةً وعشرين من الأنصار من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، يُسأل أحدهم المسألة، فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يُسأل عن شيء، إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه».
وهذا مثال لورع سيدنا أبى بكر رضى الله عنه عن عائشة رضى الله عنها، قالت: «كان لأبى بكر الصديق رضى الله عنه، غلامٌ يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدرى ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنتُ لإنسانٍ فى الجاهلية، وما أُحسِن الكهانة إلا أنى خدعته، فلقينى فأعطانى بذلك هذا الذى أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كلَّ شيءٍ فى بطنه».
وأما عن ورع سيدنا عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، فعن نافع «أنَّ عمرَ بن الخطاب رضى الله عنه، كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف فى أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمس مائة، فقيل له هو من المهاجرين، فلِمَ نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه».
وكذلك ضرب سيدنا عمر بن عبدالعزيز أروع الأمثلة فى الورع فنجده يقسم تفاحًا بين الناس، فجاء ابن له وأخذ تفاحة من ذلك التفاح، فوثب إليه ففك يده؛ فأخذ تلك التفاحة؛ فطرحها فى التفاح، فذهب إلى أمه مستغيثًا فقالت له: ما لك يا بني؟ فأخبرها؛ فأرسلت بدرهمين فاشترت تفاحًا، فأكلت وأطعمته، ورفعت لعمر، فلما فرغ مما بين يديه دخل إليها، فأخرجت له طبقًا من تفاح، فقال: من أين هذا يا فاطمة؟ فأخبرته فقال: رحمك الله، والله إن كنت لأشتهيه.
اللهم ارزقنا الورع بتطهير القلب من الدنس
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك فى عبادك الصالحين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة