دخل قاعة الأزمات فى البيت الأبيض متثاقل الخطى.. يتبعه كبار المسئولين فى واشنطن ليراقب لساعات عبر الشاشات العملية التى قادتها القوات الخاصة الأمريكية بمهاجمة منزل أسامة بن لادن فى أبوت آباد بـباكستان والتى انتهت بمقتله، هذا الْيَوْمَ الذى يعود إلى سبع سنوات ماضية وصفه الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما قبل مغادرة منصبه بأنه "اليوم الأهم" فى فترة رئاسته، معلنا فخره به على الرغم من الإخفاقات التى منيت بها سياسته على مدار ثمانى سنوات قضاها داخل البيت الأبيض.
هذا الزهو يبدو أنه لن يتكرر لخلفه الرئيس الحالى دونالد ترامب رغم أنه أخذ على عاتقه منذ لحظاته الأولى فى البيت الأبيض محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش، فعلى الجانب الآخر يقف القيصر الرئيس الروسى فلاديمير بوتين منتظرا الفرصة المناسبة لينسب لنفسه نصرا جديدا على واشنطن، ويختطف الأضواء يوم يعلن من موسكو مقتل أبو بكر البغدادى زعيم تنظيم داعش على يد قواته.
فما بين مقتل بن لادن وظهور البغدادى فى يوليو ٢٠١٤ تغيرت خريطة الشرق الأوسط كثيرا، ساهمت خلالها واشنطن فى دعم تيار الإسلام السياسى ليصعد للسلطة فى مصر وتونس وليبيا، تلك السياسة التى أثبتت الأيام فشلها عندما انتفضت مصر ضد الحكم الإخوانى المدعوم أمريكيا، لتبدأ سياسة أوباما تجاه الشرق الأوسط فى السقوط إلى الهاوية تاركة خلفها فراغا كبيرا فى المنطقة.
هذا الفراغ تمكنت القوة الروسية الصاعدة من ملئه بسهولة عندما أعلنت صراحة أنها ستلعب دورا محوريا تنافس به كقوة عظمى للمرة الأولى منذ تفكك الاتحاد السوفيتى، وأرسلت قواتها لسوريا للتصدى للمليشيات والجماعات الإرهابية، لتخلق بذلك توازنا فى الصراعات الدائرة فى الشرق الأوسط لتبدأ مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو.
وتحولت "رأس الخليفة" البغدادى لهدف جديد تتنافس عليه العاصمتان بعد أن انتهى دور التنظيم فى ظل رغبه دولية لحل الأزمات المشتعلة فى المنطقة سياسيا، هذا التنافس بدا واضحا على مدار الـ48 ساعة الماضية منذ أن نشرت وزارة الدفاع الروسية الجمعة، تفاصيل ضربتها الجوية لمدينة الرقة السورية التى رجحت مقتل زعيم داعش خلالها، وقالت الوزارة الروسية أن الضربة الجوية شنت فجر 28 مايو الماضى، واستهدفت اجتماعا لقادة داعش عقد فى الضواحى الجنوبية من مدينة الرقة معقل التنظيم الرئيسى فى سوريا.
واشنطن رفضت تأكيد أو نفى الخبر، حيث قال التحالف الدولى لمواجهة داعش بقيادتها إنه لا يمكنه تأكيد التقارير التى بثتها موسكو عن مقتل البغدادى، فى دليل واضح على التنافس بين الدولتين لتزعم الحرب على الإرهاب فى المنطقة والتى سيكون للغالب فيها الفرصة الأكبر لفرض رؤيته فى تسويات أزمات المنطقة وإعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط فى المرحلة المقبلة، فإن صح نبأ مقتل زعيم التنظيم الداعشى سيكون الرئيس بوتين بذلك حجز مقعدا مميزا بالشرق الأوسط وتحديداً فى سوريا وعلى نطاق واسع، وتكون موسكو قد أحرجت واشنطن.
تنظيم داعش مهمته انتهت وإعلان شهادة وفاته مجرد وقت، وهذا لا يمكن فصله عن المشهد الذى طرأ على الساحة الإقليمية مؤخرا فيما يخص انتفاضة الدول العربية على قطر، التى ساهمت على مدار السنوات السبع الأخيرة فى انتشار الإرهاب بشكل منظم فى المنطقة وخاصة فى سوريا والعراق ومصر، حيث أصبح جليا علاقتها بتنظيم داعش الإرهابى والذى مثلت له الظهير المادى واللوجستى والملاذ الأمن لعناصره الإرهابية.
وسارعت واشنطن إلى تبنى الموقف العربى والخليجى من الدوحة ورفعت عنها الغطاء والدعم الذى وفره لها سلفه أوباما، بل واستغل هذا الموقف ليؤكد أنه يأتى ضمن استراتيجيته للحرب على الإرهاب، وتنفيذ أولى لمقررات القمة الإسلامية الأمريكية التى عُقدت فى الرياض لوضع استراتيجية موحدة لمواجهة هذا السرطان.
وما بين القضاء على تنظيم داعش الإرهابى والحرب الإقليمية والدولية على قطر الداعمة له، يظهر الصراع بين موسكو وواشنطن على مصالحهما فى الشرق الأوسط، وإلى أن يتم حسم هذا التنافس لأى منهما ستعيش المنطقة صيفا ساخنا قد يمتد إلى الشتاء المقبل، وعلى العرب أن يستعدوا حتى يكونوا "فاعل رئيسى" فى المرحلة المقبلة حتى يفرضوا على القوى العظمى مصالح شعوبهم بدلا من أن يظلوا ضحايا لسياسات الكبار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة