عندما قررت وزارة الخارجية الإيرانية استغلال قوتها الناعمة فى استقطاب حلفاء جدد يساندون قطر التى تمر بالأزمة الأسوأ فى تاريخها؛ كانت تظن أن مهمتها ستكون سهلة، إذ تعانى الدوحة قطيعة فى محيطها العربى والإقليمى جراء دعمها للجامعات الإرهابية فى المنطقة، وتأجيج الصراع وزعزعة استقرار جيرانها، واختارت طهران دول المغرب العربى التى فضلت أن تقف على الحياد من تلك الأزمة لتراهن على محاولة استمالتها لصف الدوحة.
جولة وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف استغرقت 48 ساعة؛ زار خلالها 3 بلدان فى شمال أفريقيا هى تونس، والجزائر، وموريتانيا، وعقد خلالها لقاءات على أعلى المستويات على مستوى نظرائه من وزراء الخارجية ورؤساء الدول، وكانت أزمة قطر العنوان الأساسى للمباحثات فى محاولة للترويج لمزاعم قطر بأنها تتعرض للحصار من قِبَل مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
لم يذهب "ظريف" بيدٍ خاوية لتلك الدول، بل حمل معه سيلاً من العروض الاقتصادية والمالية ليغدقها على حكومات المغرب العربى أملاً فى أن تتغاضى عن سياسات أمير قطر الإرهابية، وتتوجه بصلتها نحو الدوحة، إلا أنه عاد "صفر اليدين" بعد أن تمسكت حكومات الدول الثلاث بمواقفها من الأزمة ولم تنجح فى زحزحة موقف أى من تلك الدول لتعلن مساندتها لقطر.
وكانت البداية الإيرانية بالجزائر ظنا منها أن لها علاقات مميزة مع نظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ستجعل من مهمتها يسيره إلا أنها وجدت ما لم تكن تحسب له حسابا، حيث أغلقت الجزائر الباب أمام إعلانها دعم قطر فى أزمتها مع محيطها العربى والإقليمى فى وجه إيران، و التزمت الحكومة بموقفها المحايد للأزمة واكتفت بالدعوة للحوار بين الأشقاء لحل الخلافات.
وقالت صحيفة الشروق الجزائرية إن الأزمة المندلعة بين قطر وجيرانها كانت محور الزيارة التى قادت وزير الشؤون الخارجية الإيرانى، والتى لم يتسرب منها الكثير، إلا أن وزير الخارجية الجزائرى، عبد القادر مساهل، بدا دبلوماسيا فى لقائه مع الضيف الإيرانى، من خلال عدم الخوض فى الخلاف الخليجى ـ الخليجى.
وأشار "مساهل" إلى أن الجزائر وإيران اتخذتا خطوات لتطوير العلاقات الثنائية، غير أنه انتقد ما وصفه "المسار البطىء" للعلاقات الثنائية بالرغم من وجود مجالات كبيرة للتعاون المشترك بين البلدين، مشيرا إلى أن "احترام سيادة الدول هو من أصولنا الأساسية"، وتحدث عن الخلافات العربية العربية، وقال إن "الخلافات قائمة دوماً فى العالم العربى وأحد نماذجها الأزمة السورية"، لافتاً إلى أن "الجميع لو احترموا سيادة الشعوب والدول لما شهدنا مثل هذه الأوضاع".
خيبة الأمل التى وجدها ظريف فى الجزائر لم تنتهِ عند هذا الحد بل ازدادت بعد أن فشل فى إثناء موريتانيا عن قرارها بقطع العلاقات مع قطر والذى اتخذته منذ اليوم الأول للأزمة داعمه بذلك موقف السعودية ومصر والإمارات، على الرغم من أن ظريف نقل رسالة خاصة من الرئيس الإيرانى حسن روحانى للرئيس الموريتانى محمد ولد عبد العزيز تحمل كثيرا من المودة والوعود الإقتصادية.
وتعهدت إيران على لسان وزير خارجيتها بتفعيل اتفاقيات التعاون المشترك مع موريتانيا، وتطوير العلاقات بين البلدين فى مختلف المجالات خاصة على الصعيد الاقتصادى ومكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز التعاون المصرفى والتعاون بين القطاعين الخاصين فى البلدين ولاسيما تفعيل نشاط القطاع الخاص الإيرانى فى مجال المناجم والطاقة والعمران والصيد.
صحيفة الأخبار الموريتانية طرحت تساؤل حول أهداف زيارة رأس الدبلوماسية الإيرانى رفقة وفد من وزارته وتعمد إعلانه أن السياسات القائمة فى البلدين متشابهة فى هذا التوقيت الحرج الذى تمر به المنطقة وسط تجاذبات حادة؛ وما إذا كانت رجوعا طبيعيا من بعيد إلى حليف سابق، أم هى ردة فعل على إصطفاف موريتانيا فى صف السعودية ومصر والإمارات.
ولم تختلف زيارة ظريف لتونس عما سبقها حيث طغت محاولة استمالة تونس لجانب قطر فى الأزمة على المباحثات، قدم وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف عددا من المقترحات لتقوية الشراكة الاقتصادية والسياسية بين طهران وتونس.
واتفق وزيرا الخارجية التونسى خميس الجهيناوى، والإيرانى جواد ظريف، خلال لقائهما مساء أمس الاثنين، على دعوة اللجنة المشتركة التونسية الإيرانية للانعقاد فى بداية 2018، وعلى تنظيم زيارة لوفد من رجال الأعمال التونسيين إلى طهران، لاستكشاف فرص وإمكانيات التعاون والشراكة المتاحة فى مختلف المجالات، والنهوض بالصادرات التونسية الموجهة للسوق الإيرانية.
وخلال اللقاء، جدد وزير الشؤون الخارجية التونسى موقف بلاده من الأزمة الجارية فى منطقة الخليج، معربا عن ثقة تونس فى قدرة الأشقاء بالمنطقة على تجاوز التوتر المستجد والعارض، وتوخى الحوار لفض الخلافات بما يحفظ وحدة البيت الخليجى، ليواصل الاضطلاع بدوره فى خدمة القضايا العربية والإسلامية وتعزيز مقومات الأمن والاستقرار فى المنطقة.
كما أعرب الجانبان عن تطلعهما لتعزيز مختلف أوجه التعاون الثنائى، واستغلال ما يتوفر فى البلدين من فرص واعدة للتعاون، خصوصا فى المجالين الاقتصادى والتجارى، ولمزيد من تفعيل مختلف أطر وآليات التعاون المشترك.
والتقى "ظريف" قبيل مغادرته تونس، الرئيس الباجى قايد السبسى، لبحث مستجدات الأوضاع على الساحة الإقليمية، والجهود المبذولة لتطويق الأزمة الخليجية عبر الحوار والتفاهم، إذ تم التأكيد على أهمية تجاوز الخلافات القائمة فى أسرع وقت ممكن، ومساندة المساعى التى يقوم بها أمير دولة الكويت لإعادة روح التضامن والوئام داخل البيت الخليجى، بما يعزّز الأمن والاستقرار فى المنطقة ويجنّبها مزيدا من الانقسام والتوتر.
عاد ظريف لطهران وجعبته خالية من نتائج ملموسة فى المهمة التى أتى لشمال أفريقيا من أجلها، فلا تونس خرجت لتعلن تخليها عن حيادها ودعم الدوحة، ولا موريتانيا تراجعت عن قرار قطع العلاقات مع النظام القطرى، وحتى الجزائر التى تعتبر حليفا لطهران لم تنصاع هذه المرة وألتزمت بموقف الدولة الوطنى، فيما تعد تلك النتائج فشلا جديدا يضاف الى تحالف "قطر – إيران – تركيا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة