القراءة الواعية للرواية ما هى إلا وسيلة تصور المشهد وانتقاله من بين الأسطر إلى عقل وخيال وروح القارئ، أما تحويل العمل الروائى إلى دراما فله تأثير أعمق على النفس البشرية، التمثيل ما هو إلا تشخيص الجسد أما السيناريو فهو الروح بالنسبة للعمل نفسه.
فمن السهل تحويل الرواية إلى عمل درامى، لكن شريطة أن يتوافر لها مخرج متميز، يبذل جهدا كبيرا في الحذف والإضافة وحسن التصرف، فإذا تناولنا مسلسل واحة الغروب المأخوذ عن الرواية نفسها للأديب بهاء طاهر والمعروضة على شاشات الفضائيات، لنجد أننا نقف أمام مخرج فذ مثل كاملة أبو ذكرى التى استخرجت الإبداع كما يجب أن يكون من فريق التمثيل سواء الشخصيات الأولية أو الثانوية، حسب ترتيب الأدوار واختيار الشخوص.
فنجد خالد النبوى الذى يقوم بدور الضابط محمود عبد الظاهر، شخصية متقلبة المزاج تحافظ على التقلبات النفسية حتى الحلقات الأخيرة من المسلسل، شخصية معقدة متناقضة.. بطل وشجاع وجبان وشرير وطيب وحقود وخبيث.. محبوب ومكروه فى الوقت نفسه، هنا تتفوق كاملة أبو ذكرى كمخرجة فى توجيه أداء الممثل العالمى خالد النبوى وكأنه بطل متجدد، تراه لأول مرة، وكذلك الممثل أحمد كمال فى دور الشيخ يحيى يعتبر إعادة اكتشاف لنجم متألق، على الرغم من كونه ممثلا قديرا قديما، شارك الأسطورة محمود عبد العزيز فى فيلم "الكيت كات"، وكنت أظن أن الحظ لم يحالفه بعد ليفرض نفسه على الشاشة بدور البطل، حتى وإن كان دوره ثانوى..
كاملة أبو ذكرى استخرجت طاقته الكامنة لتتوجه وتعطيه حقه كممثل رائع فى وسط الإيقاع البطىء الذى انتاب المسلسل، إلا أن إعادة اكتشافها لشخصية أحمد كمال توجته أن يكون على قمة العمل الإبداعى، أما الفنانة الشابة منة شلبى رغم من أنها أجادت الدور ونجحت فى تشخيص دور كاثرين فالمشاهد لا يشعر بالكيمياء الرومانسية وعلاقة الحب واللهفة والشوق فى تجاه محمود عبد الظاهر، عكس ما قرأناه فى الرواية، وكأنها تعتبر سقطة من السقطات الإخراجية، وهنا يتساءل المشاهد: هل الزى الميرى للضابط المصرى هو سر جاذبية الإيرلاندية أم جنسيتها بكونها غير إنجليزية كان سر اقتران محمود بها.
المكياج فى تجسيد شخصية كاثرين غير موفق لون الشع البشرة الشاحبه "النمش" غير دائم فى كل المشاهد، وأيضا شخصية نعمة الخادمة التى جسدتها مها نصار، التفوق هنا والسحر والرومانسية يرجع لأداء خالد النبوى بكونه ممثلا قديرا، إنما المكياج فى أداء نعمة سيء لان كان من المفترض ان يسند الدور لفتاه سمراء، اما بالنسبة للفنان سيد رجب فأداؤه التمثيلى تفوق ببراعة لسماته الشكلية البديعة التى اتقنت الدور وجعلت المشاهد يتساءل ماذا لو لم يجسد سيد رجب هذا الدور فدوره صعب إذا اسند لغيره.
وإذا تحدثنا عن إيقاع المسلسل فحدث ولا حرج، بطىء جدا كالسلحفاة فى الصحراء، وإن رجع فإنما يرجع لفقر أحداث الرواية ، فانتقال القافلة إلى الواحة استغرق ما يقرب من أربع حلقات، وهذا الإيقاع استنفد طاقة المشاهد بعد طول انتظار لتلاقى خطي المسلسل أهل الواحة وقافلة المأمور، ولكن مسئولية بطء الإيقاع تقع على عاتق كاتب السيناريو وإن كان الجزء الأخير من الحلقات التى قامت بكتابته هالة الزغندى أكثر تفاعلا من النصف الأول الذى كتبه مريم ناعوم وأحمد بدوى.
ومن المثير للدهشة أيضا، مشكلة اللغة واللهجات، حتى الآن لا توجد لهجة عامية فى واحة سيوة فما بالك منذ 100 عام، فاللغة الأصلية اللغة الأمازيغية النازحة من تونس فكيف وصل بنا الحال أن تكون اللهجة بالعامية المصرية كأهل القاهرة مثلاً.
شعر المشاهد بصدمة فى الجزء الأول من السيناريو الذى أعدته مريم ناعوم ولكن هالة الزغندى حافظت على بعض مقتطفات اللغة الأمازيغية ممزوجة ببعض الكلمات العربية فى الحوار، وإن كانت العامية تشوب الحوار مطلقا، ولكن ظهر صوت الراوى العليم فى الدراما يضعف السيناريو عكس الرواية وكان من المفترض على السيناريست استخدام جغرافية الرواية وليس آليات السرد كما فعل المؤلف الأصلى للعمل، وأخيرا المسلسل به شيء من العجلة أفقدته أركان اكتماله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة