بعد أن قررت مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وتبعتهم دول أخرى، قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، سارعت الدوحة إلى استخدام المال السياسى لإجبار الدول الأوربية المستفيدة من أموالها الصندوق السيادى القطرى الذى يديره تميم بن حمد، لتضغط على الدول العربية لتلغى قرار المقاطعة الذى وضع الإمارة الخليجية فى وضع سياسى واقتصادى واجتماعى غاية فى الصعوية.
لجأت الدوحة إلى فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ولوزير الخارجية الأمريكى، ريكس تيليرسون، الرئيس التنفيذى السابق لشركة إكسون موبيل، الشركة التى لديها تعاملات واسعة مع الدوحة، وضغطت الدوحة على هذه العواصم بالمال السياسى حتى يقفوا فى صف الجانب القطرى، ونجحت ضغوط المال السياسى القطرى فى التأثير على ألمانيا التى خرج وزير خارجيتها سيجمار جابرييل، ليتحدث بلسان قطرى فصيح عن المطالب العربية المقدمة للدوحة، واعتبرها "استفزازية جدا"، مشددا على أنه قطر "ربما يكون من الصعب جدا أن تنفذها"، ليأخذ جابرييل نفس الطريق الذى اختاره تيلرسون، الذى قال إنه سيكون "من الصعب على قطر الاستجابة إلى كل المطالب التى تقدمت بها دول الحصار"، مبرهناً حديثه بأن قائمة المطالب "غير قابلة للتحقيق بشكل كامل".
أقول المال السياسى، لأن الاستثمارات القطرية فى ألمانيا كانت حاضرة بقوة فى المشهد قبل أن يظهر سيجمار جابرييل ويقول تصريحه الذى يتناقض مع التوجهات الألمانية المعلنة والصريحة والتى سبق وحملت قطر مسئولية دعم وتمويل الإرهاب بالمنطقة، لكن استخدام ورقة الاستثمارات القطرية كانت كفيلة بأن يخرج وزير الخارجية الألمانى بهذا التصريح البعيد تمام البعد عن أى منطق سياسى أو دبلوماسى، وهو نفس المسلك الذى سار عليه وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيليرسون، الذى لازال يتعامل بمنطق أنه كان رئيساً تنفيذاً لشركة إكسون موبيل للبترول، مفضلاً مصالح شركته السابقة على المصالح العليا لبلاده.
بجانب المال السياسى أخذت قطر طريقاً آخر لإجبار الدول المقاطعة لتعدل عن قراراها، لكن هذا الطريق ربما يكلف الدوحة كثيراً، فهى اختارت الحرب، نعم الحرب، فطيلة الأيام الماضية كانت قطر تناور سياسياً وتحاول من خلال أذرعها الإعلامية والسياسية والميليشيات الإرهابية التى تربت فى كنف المخابرات القطرية أن تضع حلاً للأزمة التى وجد تميم نفسه فى القلب منها بسبب تصرفاته ودعم المتواصل للإرهاب فى المنطقة، وحينما وجدت الدوحة أن الجبهة العربية أقوى من كل المناورات والتهديدات السياسية القطرية، لجأت إلى خيار الحرب والموت أيضاً، حينما فتحت أبوابها للعسكريين الأتراك والإيرانيين ليقيموا فى الدوحة ويكونوا على مقربة من دول الخليج، ويمثلون التهديد المباشر والفعلى لأمن المنطقة بشكل عام، ولدول الخليج خاصة، وهو ما تنبه له وحذر منه الخليجيين، وكان آخرهم وزير الخارجية البحرينى، الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الذى قال فى تغريدة على حسابه على موقع تويتر أمس الأحد "أساس الخلاف مع قطر هو سياسى وأمنى ولم يكن عسكريا قط .. إحضار الجيوش الأجنبية وآلياتها المدرعة هو التصعيد العسكرى الذى تتحمله قطر".
إحضار الجيوش الاجنبية وآلياتهم العسكرية يقصد بها وزير بها وزير الخارجية البحرينى القاعدة العسكرية التركية الجارى إنشائها الآن فى الدوحة، والتى وافق عليها البرلمان التركى وصدق على قرارها رجب طيب أردوغان، الذى يحاول الاستفادة من الوضع الحالى بأى طريقة، وليكون له موطئ قدم فى المنطقة، يتيح له التحكم فيها، خاصة بعدما أفشلت ثورة 30 يونيو فى مصر مخططه الجنونى بإعلان الخلافة العثمانية من جديد، وأيضاً فشل فى إنهاء الأزمة السورية بالشكل الذى سعى له منذ اندلاع الأزمة فى بداية 2011، فلم يجد سوى "تميم" الذى وافق على أن يحتل الاتراك جزءاً من أرض قطر نكاية فى جيرانه الخليجيين.
الأتراك لم يكونوا الوحيدين الذين فتحت لهم أبواب الإمارة الخليجية، فقد دخلها أيضاً الإيرانيين الذين أرسلوا عناصر من الحرس الثورى فى بداية تطبيق قرار المقاطعة العربية ليتولوا حماية تميم ونظامه، ويوما بعد الاخر تحول الوجود الإيرانى فى قطر إلى ما يشبه الوجود الدائم، لدرجة أن طهران بدأت تتعامل مع قطر وكأنها جزء من أراضيها، وهو وما يظهر من التصريحات الإيرانية، التى كان اخرها تصريح لوزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف، خلال خطاب ألقاه اليوم بالعاصمة الألمانية برلين، ودعا خلاله إلى آلية أمنية إقليمية جديدة لدول الخليج، وهو تصريح ما كان ليخرج من مسئول إيرانى إلا إذا كان مفوضاً بقوله من أحد البلدان الخليجية، وبطبيعة الحال فقد فوض تميم إيران بأن تتحدث باسمه، بعد أن ارتمى فى أحضانهم.
الشاهد الآن أن نظام تميم لازال يستخدم أساليبه القذرة فى علاقته مع الدول العربية، وبدلاً من أن يسلك الطريق السهل الذى يقربه من جيرانه وأشقائه، يلجأ دوماً للأساليب القذرة التى تعود عليها، وهو ما يؤكد ان نهاية هذا النظام باتت قريبة، لأن المال السياسى وكذلك إشعال نار الحرب لم يستطعا فى أى تاريخ أن يحميا أى نظام مهما كانت قوته الاقتصادية، بل كل الشواهد تؤكد أن النهاية باتت قريبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة