عاد الجدل- حول التاريخ- يتجدد بمناسبة مسلسل «الجماعة 2»، حيث هاجم الوفديون- أو بعض الوفديين- وحيد حامد، واتهموه بتزييف التاريخ لأنه قدم مشهدًا طلب فيه النحاس باشا تقبيل يد الملك فاروق. خرج الوفديون لينفوا حدوث هذا، ولم يتوقفوا عند المشهد كله، حيث قدم وحيد حامد العلاقة بين فاروق والنحاس والوفد، بأنها كانت قائمة على العداء، ولم يُخفِ فاروق كراهيته للوفد والنحاس، ولم ينسَ أن النحاس عاد فى عام 1942 للوزارة رغمًا عن الملك. وكل هذه التفاصيل لها مصادر تاريخية، وبالطبع تختلف الروايات ووجهات النظر فى الأحداث التاريخية المعاصرة.
والحقيقة أن التعامل مع التاريخ يتم بناءً على مواقف سياسية وانحيازات مسبقة أقرب لمشجعى الكرة، ويتم التعامل مع شخصيات التاريخ على أنهم ملائكة أو شياطين، بينما الطبيعى أنهم بشر، لهم ميزات وعيوب، وقرارات سليمة وأخرى خاطئة، فضلًا عن كون السياسة هى لعبة مناورات، وليست عالمًا مثاليًا، ثم أن ما يقدمه وحيد حامد- أو غيره من الكتاب- هو وجهة نظر فى التاريخ، يستند فيه إلى مراجع ذكرها فى تتر المسلسل.
ومن تابعوا قراءة تاريخ هذه الفترة، يمكن أن يدركوا أن هناك الكثير من الوقائع بين الإخوان والوفد، أو الإخوان والملك فاروق، ومناورات الأطراف وتقارب الجماعة مع القصر ضد الوفد والقوى الوطنية واليسار والطلبة والعمال، والجماعة كانت- بالفعل- تسعى لمصالحها، ومن يقرأ التاريخ يكتشف الاختلاف فى الروايات والشهادات، والوقائع، وهو خلاف يرجع إلى الخلاف السياسى فى الأساس.
المفارقة أن هناك أطرافًا ترى أن وحيد حامد فى «الجماعة» قدم الإخوان فى صورة يمكن أن تجلب لهم التعاطف، إذ قَدم زينب الغزالى فى صورة مؤثرة، بينما الإخوان أنفسهم يرون العمل من زاوية عداء وحيد حامد، بالرغم من أن أطرافًا فى الإخوان اعتبروا الجزء الأول بقدر ما ينتقدهم فهو يقدمهم كجماعة سياسية.
كل هذا يشير إلى عدة أمور، أن أنصار التيارات السياسية، يتعاملون مع تاريخ زعمائهم من منظور الانحياز، وغالبًا من حكايات وحواديت سياسية وليس تأريخًا، ولهذا يبدى هؤلاء صدمة عندما يكتشفوا رواية أخرى، وفى ما يتعلق بعلاقة الوفد مع الإخوان، والقصر هناك أكثر من خيط استند إليه وحيد حامد فى «الجماعة»، فقدم فؤاد سراج الدين على أنه تلاعب بالإخوان من حيث أرادوا أن يتلاعبوا به، كما أنه قدم الصراع داخل الإخوان حول علاقتهم بالقصر، وتدخل فاروق فى تعيين المستشار حسن الهضيبى مرشدًا، بل إن وحيد حامد يكشف كيف كانت الجماعة تخترق القضاء، وتتدخل لإصدار أحكام براءة للقتلة والإرهابيين، وفكرة الاختراق والخلايا النائمة، بل وأيضًا اختراق الجيش قبل 23 يوليو.
الشاهد فى كل هذا أن التاريخ فيه روايات كثيرة، لكن كل فريق سياسى يطالب بأن يكون التاريخ حسب هواه، ولا يقبل النقاش أو الجدل، وهى آفة من آفات تعاملنا مع التاريخ والسياسة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة