«أَبداً تَحنُّ إِلَيكُمُ الأَرواحُ/ وَوِصالُكُم رَيحانُها وَالراحُ/ وَقُلوبُ أَهلِ وِدادكم تَشتاقُكُم/ وَإِلى لَذيذ لقائكم تَرتاحُ/وَا رَحمةً للعاشِقينَ تَكلّفوا/ سرّ المَحبّةِ وَالهَوى فَضّاحُ»
ثمانية وثلاثون عاما هى عمر السهروردى المعروف بـ«الصوفى المقتول»، قبل أن يطلب منه «الظاهر الأيوبى» حاكم حلب أن يختار الطريقة التى يريدها للموت فاختار «أن يُحبس دون طعام وشراب حتى يهلك».
«أهل الهوى قسمان: قسم منهمو/ كتموا، وقسمٌ بالمحبة باحوا»
اختار شهاب الدين السهروردى الموت بطريقة تتناسب مع تصوفه وزهده، وذلك بعدما أوغر رجال الدين ومتصوفة زمنه قلب صلاح الدين عليه، متهمين إياه بالكفر والإلحاد والعمل لصالح القرامطة أعداء الدولة، رغم المعروف عن زهده وترويض جسده بالجوع والسهر وترك المباحات.
«يا صاحِ لَيسَ عَلى المُحبِّ مَلامَةٌ/ إِن لاحَ فى أُفق الوِصالِ صَباحُ/ لا ذَنبَ لِلعُشّاقِ إِن غَلَبَ الهَوى/ كِتمانَهُم فَنما الغَرامُ فَباحوا/ سَمَحوا بِأَنفُسِهم وَما بَخِلوا بِها/ لَمّا دَروا أَنّ السَّماح رَباحُ»
أبصر السهروردى الدنيا فى سنة 549 هجرية ورحل عنها فى العام 587، مخلفًا وراءه عددًا لا بأس به من الكتب والرسائل التى وضعته فى مكانة مهمة بسلسلة التصوف الإسلامى الطويلة.
«وَدعاهُمُ داعى الحَقائقِ دَعوة/ فَغَدوا بِها مُستَأنسين وَراحوا/ رَكِبوا عَلى سنَنِ الوَفا وَدُموعهُم/ بَحرٌ وَشِدّة شَوقهم مَلّاحُ»
والسؤال: لماذا تربص به رجال الدين ودفعوا الدولة للانتقام منه؟! حدث ذلك لأن رؤيته للأشياء مختلفة عن رؤيتهم، وربما كان رأيه فى «النبوة» على رأس هذا الاختلاف، فقد أقيمت مناظرة بينه وبين علماء حلب، وعندما سئل عن النبوة وخواتيمها، قال «إن الله قادر على أن يخلق نبيا لأنه لا حدود لقدرته» وهو ما رأى البعض أنه قول يفضى إلى نهاية نبوة محمد- صلى الله عليه وسلم، غير أن بعضهم عللها بأن قدرة الله لا تنتهى عند حد من الحدود.
«وَاللَّهِ ما طَلَبوا الوُقوفَ بِبابِهِ/ حَتّى دعوا فَأَتاهُم المفتاحُ/ لا يَطربونَ بِغَيرِ ذِكر حَبيبِهم/ أَبَداً فَكُلُّ زَمانِهم أَفراحُ»
والمعروف أن السهروردى تأثر بفلاسفة اليونان، خاصة أفلاطون، وبالعقائد الفارسية القديمة، وفلسفة زرادشت، وقد مزج هذا كله بفهمه للدين الإسلامى وآراء الصوفية المسلمين، لذا نقل السهروردى إلى المسلمين مذهب «الإشراق»، ويقوم فى جملته على القول: بأن مصدر الكون هو النور، وهو يعبر عن الله سبحانه وتعالى بالنور الأعلى، ويصف العوالم بأنها أنوار مستمدة من النور الأول، وبهذه الفكرة، حاول السهروردى تفسير الوجود ونشأة الكون والإنسان.
مَن باحَ بَينَهُم بِذِكرِ حَبيبِهِ/ دَمهُ حلالٌ لِلسّيوفِ مُباحُ
«وا رحمة للعاشقين» هو اسم القصيدة التى ذكرنا بعض شهد كلامها للسهروردى المقتول، والمعروف أن له قصائد عديدة فى محبة الله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة