كان يحمل أنابيب البوتجاز إلى بيوت أهالى منطقته بشبرا أو يدخل هذه البيوت لإصلاح بعض الأعطال، فيحصل على أجر يساعده ويساعد أسرته البسيطة على أعباء الحياة، يرى أوانى الطهى الساخنة فى المطابخ، فتعطف عليه ربة المنزل وتمنحه بعضا مما تحتويه هذه الأوانى، وقبل أن تمتد يده ليتذوق أى طعام، يبادر مطالبا ربة المنزل بأن تضع بعضا منه فى "ساندوتش" ليحمله لأمه التى يفكر فيها فى كل الأوقات ولا يهنـأ بشىء دونها.
هكذا كانت علاقة سعد الصغير بوالدته، لا يستحى أن يذكر دورها معه أيام الفقر وحرصها عليه أيام الغنى، وتذكيرها الدائم له بما مر عليه وعلى أسرته من ظروف صعبة قائلة "اوعى تنسى أصلك وأهلك"..
"أمى دى سر حياتى ومديرة أعمالى، أنا من غيرها ولا حاجة، هى سندى وسبب كل حاجة حلوة فى حياتى"..لا يخجل سعد الصغير من الحديث عن أمه فى كل مناسبة ولقاء.
كان سعد الصغير يسعى بكل ما أوتى من مال وشهرة لإسعاد والدته ، يذكر دورها معه دائما :" أمى كانت بتحط القرش على القرش، وتحوش علشان مستقبلى ومستقبل اخواتى وعيالى، وربنا بيكرمنى ببركة دعاها."
تفاصيل صغيرة كان ينتبه لها فيترجم رغبات والدته وأمنياتها دون أن تطلبها ، كانت صدمته وصدمة أمه وأسرته كبيرة عندما توفى شقيقه الأصغر وهو فى سن 22 عاما تاركا طفلين ، حاول سعد التخفيف عن والدته ، لاحظ أنها تجلس أحيانا فى شباك غرفتها وتبكى وحيدة ، فعزم على أن يبنى مسجدا أمام شباكها صدقة على روح شقيقه حتى تهدأ أحزان أمه حين تنظر من شباكها فترى المسجد ، وبالفعل اشترى الأرض الواقعة أمام منزل والدته بشبرا من جارته المسيحية التى وافقت وكتبت له العقد ، رغم أنه لم يكن يمتلك ثمن الأرض وقتها ، كما أكد سعد قائلا :" ماكنش معايا فلوس لكن بعدها ربنا كرمنى وطلبونى فى إعلانات شركات كبيرة وجبت شنطة فلوس اديتها لجارتى اللى مش هنسى جميلها".
كان يحرص دائما على أن يصطحب والدته إلى رحلات الحج والعمرة كى يخفف عنها .
حكى أن والدته قالت له:" نفسى أسكن فى فيلا حلوة" ، فبنى الفيلا ودعاها للانتقال إليها ، ولكنها رفضت مؤكدة أنها أرادت أن يبنيها لزوجته وأبنائه ، قالتلى :" هوة انا بتاعت فيلل أنا هاعيش وأموت فى بيتى فى شبرا ، الفيلا دى ليك ولعيالك".
كانت والدة سعد الصغير تعشق الإسكندرية ، وتحب شارع خالد بن الوليد ، والشواطئ الشعبية فحرص على أن يجعلها تقضى بعض أيام الصيف هناك، وكان يحرص أن يقضى معها يوما:" أمى بتقعد على البحر وتشاورلى أنزل وتقوللى: هتكبر على الناس يابن ال..".
كانت والدة سعد سيدة مجاملة ككل أمهاتنا ، تحرص على علاقاتها بجيرانها فى شبرا وترتبط بهم ارتباطا شديدا، وكان سعد يحرص على مجاملتهم، حبا فى والدته وحرصا على علاقات الود مع الجيران وعشرة العمر.
يعترف سعد بأنه ليس مطربا أو ممثلا وأن موهبته محدودة ، ويقول : سر نجاحى عند ربنا ، باعمل خير ولو مش معايا فلوس بلاقيها جت من حيث لا أدرى." وقد تكون علاقته بأمه هى سر الأسرار فيما وصل إليه.
ينتقده الكثيرون ، وكثيرا ما يثير الجدل أو الغضب ، ولكن يبقى هذا الجزء الذى لا تستطيع معه إلا أن تحترمه، أو تعزو إليه ما حققه من نجاح وشهرة ومال، علاقته بأمه وحرصه على رضاها ، هذا المفهوم الذى يغيب عن الكثيرين ، أو تشغلهم عنه أعباء الحياة ومشاغلها، ولا يفيقون إلا حين يفقدون الأم ، وحينها يراجعون أنفسهم ، ويعرفون بعد فوات الأوان أنهم قصروا ، وأنه لا شيئ يعوض هذا التقصير ، وتلك الأشياء البسيطة التى يمكنها إسعاد أمهاتنا ولكننا كثيرا ما نغفل عنها.
تفوق سعد الصغير على الكثيرين ، فانتبه لأشياء قد يغفلها من هم أكثر منه علما وثقافة ومكانة ، عرف منذ صغره كيف يبر والدته ، لم يبخل عليها ولم يترك فرصة لإسعادها أو ذكرها بالخير والعرفان بفضلها إلا وسارع إليها.
ماتت أم سعد الصغير ولكن ستبقى كل ذكرى طيبة أسعدها فيها ابنها عالقة فى ذهنه ، تخفف عنه آلام الفراق يسترجعها فتصبره على فراق من أكرمه الله لأجلها حتى يحين اللقاء.
انتقدوا سعدا أو اغضبوا مما يقدمه ، ولكن تعلموا من هذا الذى يرى نفسه غير موهوب كيف كان بارا بأمه وكيف التفت إلى ما يغفل عنه الكثيرون ولا ينتبهون له إلا بعد فوات الأوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة