وائل السمرى

وَ طَ نٌ

الأحد، 04 يونيو 2017 07:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مثلما تكون أنت يكون
 
نتغير ولا يتغير، نأتى ونروح وهو الباقى، نعشقه، نلعنه، نتشبث به، نهمله، نجور عليه، نقدسه، نناجيه وكأنه على العرش استوى، ونلقى عليه أخطاءنا وكأنه حجر فى طريقنا، نتركه؟ لا، نفرط فيه؟ لا، نستبيحه أو نسمح باستباحته؟ أبدا، فهو الحائط الذى يحمينا، والسماء التى تظلنا، والهواء الذى يبقينا على قيد الحياة.
و
ط
ن
وطن، يسكننا، نسكنه، يجرى فى عروقنا، ونصنع نحن شرايينه، به نبتهج، وإليه تشد الروح رحالها، ممزوج بنا وكأنه نحن، وممتزجون به وكأنه أصل شجرتنا، نفديه بأرواحنا عن طيب خاطر، فليس هناك ما هو أقدس، وليس هنا ما هو أجدى، وليس هنا ما هو أحب.
و
ط
ن
كل حرف فيه لنا، كل حرف فيه نحن، تحضننا الـ«واو» وتطبطب علينا الـ«طاء» وترن النون فى صدورنا، فيظل صداها مترددا فى عمق أعماق الروح خالدا، شجن يكسوك، شجن يأسرك، شجن يبهرك، شجن يتسلق على شجن يتسلق على شجن ويتسلق على شجن.
و
ط
ن
كل حرف حكاية حب، كل حرف حكاية وجع، يعلو ولا يعلى عليه، يرتقى فوق الجميع، فيرتقى الجميع، ينهض فنشعر بسطوته فى عروقنا، فنزداد قوة بعد ضعف، ونزداد ثقة بعد انهيار، إن نظرنا إلى أمجاده، نالنا من مجده نورا، وظفرنا برقى من رقيه، وإن اختلسنا النظر إلى عوراته صارت أعيننا مسرجة بالخذلان يحيط بها الأسف من كل جانب، لا تشعر به طاغيا إلا فى الأزمات، فوجوده فى داخلك مثل وجود الروح، كامن فى جوف الجوف، وظاهر كالنار على قمة الجبل، هو امرأة إن أردت أن تناجيه، وهو رجل إن أردت أن تستظل به، وهو المجرد من كل وصف والأعلى من كل وصف، ومثلما تكون أنت يكون، وكيفما تخيلته يتشكل، قادر على تجسيد كل معانى الارتباط، فهو الأم حينا وهو الأب حينا، وهو الولد حينا، وهو الحبيبة حينا، وهو أنت، وهو عينك، وهو لسانك، وهو فؤادك، وهو شموخك، وهو رفعتك، وهو الشرخ المنتصب فى عليين الوعى، موصولا بالأعصاب العارية، فلا تقبل عليه شائنة، ولا ترضى له بالانحطاط.
 
نشر هذا المقال فى إبريل 2016 وأعيد نشره «بلا مناسبة».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة