لم يكن القمص متى المسكين مجرد راهب سكن الجبل واعتزل العالم كغيره من الرهبان الأرثوذكس، كذلك فهو ليس ذلك الرجل الذى تلاحقه أصابع الاتهام منذ قرر الرئيس السادات فرض الإقامة الجبرية على البابا شنودة فالتقاه وفكر فى الاستعانة به، بل هو أكبر من ذلك بكثير حتى أن مؤسسات مسيحية دولية اختارته ضمن أهم سبعة رهبان فى العالم بعدما تبنى مشروعًا إصلاحيًا تنويريًا داخل مؤسسة تقليدية عريقة كالكنيسة القبطية.
متى المسكين الذى تخرج فى كلية الصيدلة والتحق بدير الأنبا مقار ببرية شيهيت المعروف باسم أبو مقار، وترهبن هناك، دفع الكثير من شباب الجامعات للالتحاق بسلك الرهبنة بعدما قدم نموذجًا لذلك مع زميله أنطونيوس السريانى الذى سيصير البابا شنودة فيما بعد مثلما يؤكد كمال زاخر الكاتب فى الشأن القبطى.
وأشار زاخر أن الأب متى المسكين دخل سلك الرهبنة عام 1948 بعد تخرجه فى كلية الصيدلة، وبعد هذا التاريخ بسنوات قليلة حدثت حركتان مهمتان فى التاريخ القبطى: الأولى ظهور جماعة الأمة القبطية عام 1951 التى كانت تتبنى مبدأ حصول الأقباط على حقوقهم بالقوة، أما الحركة الثانية فكانت عام 1954 عندما دخلت مجموعة من الشباب الجامعى سلك الرهبنة، وكانوا يتبنون مبدأ أن القرار داخل الكنيسة لا ينبغى أن يكون فى يد العلمانيين أو الكهنة العاديين بل فى يد الرهبان والقيادة الكنسية، مشيراً إلى أن واحداً من هذه المجموعة اعتلى كرسى مارمرقس عام 1971 وهو البابا شنودة الثالث.
إن الأب متى المسكين كان يتبنى الطريق الثالث وكان يرى أن العنف والقرارات الفوقية قد تأتى ببعض النتائج، ولكن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، يقول زاخر: تعرضت كتب الأب متى المسكين كثيراً لمنع تداولها فى المكتبات الرئيسية للكنيسة الأرثوذكسية، نظراً لاختلافه فكرياً مع قادة الكنيسة، حتى أن الأنبا بيشوى مطران كفر الشيخ والبرارى اتهمه صراحة بالانحراف فى التعاليم.
أما القس باسيلوس المقارى أحد الذين تتلمذوا على يد متى المسكين فقال لليوم السابع إن التجديد الفكرى للأب متى المسكين اعتمد على العودة إلى الأصول لإعادة فهمها وتنقية العقيدة من رواسب العصور المختلفة.
رغم ما تركه المسكين من أثر بالغ فى الكنيسة إلا أن التاريخ يتهمه دائمًا بمحاولة الاستيلاء على كرسى مارمرقس إبان أزمة السادات والبابا شنودة، حيث وقف السادات "وحيدًا فى مواجهة قطيعة عربيًا من الخارج وشعبه من الداخل بعد توقيع كامب ديفيد، وبالرغم من تصفيق الحاضرون بمجلس الشعب على قرار عزل البابا شنودة، كان القرار صدمة لأقباط مصر.
حينها جلس الراهب "متى المسكين" يتابع عن بعد بدير الأنبا "مقار" ما يحدث وسط أصابع الاتهام بأنه السبب فى الحرب بين النظام والكنيسة، والتقى السادات آنذاك ثم ترك الأب "متى المسكين" دير السريان وحفر بيديه مغارة تبعد عن الدير 40 دقيقة مشيًا على الأقدام واعتزل الناس وأكمل ثورته الإصلاحية.
اليوم وبعد مرور ما يزيد على 11 سنة على وفاته مازال تلاميذه يواصلون ما بدأ فى دير أبو مقار القريب من وادى النطرون مقر حكم البابا، ولكنه بعيد عن دوائر السلطة الكنسية محاط بأصابع اتهام مكتوب عليها "تعاليم منحرفة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة