منذ انتهاء ماراثون امتحانات الثانوية العامة وحبس طلبة الثانوية ومعهم أولياء أمورهم أنفاسهم حتى ظهرت النتيجة أمس، وما هى إلا أيام قليلة حتى يبدأ ماراثون جديد هو ماراثون مكتب التنسيق الذى سيحدد المجموع المطلوب كشرط أساس لدخول الكليات، وسيحدد ما يسمى بـ«مصير» الطلبة، لكنى فى الحقيقة لا أخفى عليك أنى أرى كل هذه الضجة بلا سبب ولا أساس ولا طائل سوى استهلاك طاقة المجتمع فيما لا ينفع، وهنا سأحلل ظاهرة واحدة أشهر ظواهر الثانوية العامة التى تصيب المجتمع كله باللوثة، وهذه الظاهرة هى ظاهرة التسابق على ما يسمى بكليات القمة.
يعرف المجتمع «كليات القمة» بأنها كليات «الطب بأنواعها والهندسة والسياسة والاقتصاد والإعلام والآثار والألسن» دون هذه الكليات يعتبر «عادى» وفى الحقيقة إن هذا المصطلح «كليات القمة» أسس وعيا زائفا لدى الناس، مفترضا أن القمة فى هذه الكليات وحدها وأن ما دونها «قاع» أو على الأقل «ليس قمة» وهو أمر كفيل بأن يخلق احتقارا ذاتيا لكل من لم يلتحق بهذه الكليات، وإذا ما وضعنا فى حسباننا أن الطلبة المتخرجين حديثا من الثانوية العامة فى مرحلة «مراهقة» وأنهم يتأثرون بكل ما يقال، وينفعلون أيضا بما يتأثرون به سندرك أن احتمال تفاقم هذا الاحتقار كبير.
يمضغ المجتمع كله هذا المصطلح، يمرره، يؤكده، يثبته، لكن من يتأمل للحظات هينة سيدرك أن هذا المصطلح فاسد جملة وتفصيلا، فالقمة لم تكن أبدا فى كلية ما أو فى تخصص ما، فكل تخصص به «قمة» وبه «وسط» وبه «قاع» أحمد زويل على سبيل المثال لم يكن خريجا للطب أو الهندسة، ومع ذلك صار من أشهر علماء العالم وأهمهم، طه حسين المتخرج من كلية الآداب صار أشهر كاتب عربى فى التاريخ وحسبته جامعة السربون من أهم 10 علماء تخرجوا فيها، محمود بك سعيد أشهر فنانى مصر وأعلاهم سعرا حيث يصل سعر اللوحة الواحدة إلى ما يقرب من 60 مليون جنيه مصرى، لم يدخل كلية الفنون الجميلة أصلا ودخل كلية الحقوق وعمل قاضيا، مدراء البنوك متخرجون من كليات التجارة، القضاة والمستشارين وأكبر المحامين دخلوا كليات الحقوق التى يعدها المجتمع من كليات القاع، ولهذا يجب علينا أن نمحو هذا المفهوم من حياتنا لأن القمة حقا «تتسع للجميع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة