لقد أظهرت الولايات المتحدة أيضا توجها يقوم على تقديم المزيد من الدعم العسكرى لحلفائها، فيما عرف بالحرب ضد الإرهاب، شمل ذلك دعم الأسلحة ذات التكنولوجيا المتقدمة والمساعدات المالية، إضافة للتدريبات العسكرية المشتركة متخاذلة عن الشروط التقليدية لتقديم السلاح، كما تسعى إلى استقطاب الدعم من دول متعددة، وتقديم هذا الدعم للعمليات العسكرية ضد تنظيم القاعدة وحكومة طالبان فى أفغانستان، إلا أن حلفاء الولايات المتحدة يخدعون أنفسهم ظنوا أن هذه الهجمات قد أقنعت أمريكا بمدى أهمية تبنى أسلوب التعددية، فبعد 11 سبتمبر 2001م رفض الرئيس بوش ومستشاروه عروضاً لتبنى قرارات من قبل مجلس الأمن تفوض شن حرب ضد ما أسموه الإرهاب مفضلين، بدلاً عن ذلك الاعتماد على حق الدفاع عن النفس، بيد أن أشد ما يثير القلق هو بعض التهديدات التى أطلقتها أمريكا، فإما أن تكون معها أو أن تكون ضدها، وهذا التصريح تجاهل من ناحية سياسية ما يتعلق بسيادة الدول، وهو حق الحياد وينصب فى الوقت ذاته الولايات المتحدة مرجعاً نهائياً لتحديد الصواب والخطأ، هذا ما أكدته الدراسة الخطيرة للباحث محمد ضياء الدين محمد، وحملت عنوان «اتجاهات العلاقات الدولية بعد أحداث سبتمبر».
وتشير الدراسة إلى أنه أعقب ذلك تحديد الرئيس الأمريكى جورج بوش معالم السياسة الأمريكية، حيث حدد دولاً وعرفها بأنها دول «محور الشر»، ويضم هذا المحور ثلاث دول هى «إيران- العراق- كوريا الشمالية» وهو بهذا التحديد الأمريكى، فإن الرئيس الأمريكى حطم أهم إنجازات القرن العشرين، وهو منع استخدام القوة أو التهديد بها فى الشؤون الدولية، وفى عصر يتزايد فيه باستمرار التوجه نحو الاعتماد المتبادل والتعاون بين الدول وتعزيز القيم المشتركة، فإن إدارة بوش ومستشاريه يسلكون وبشكل متعمد نهجاً يختلف عن النهج الذى تسلكه معظم دول العالم الغربى، فقد رسمت هذه الإدارة حدوداً واضحة بين الخير والشر، وأعطت نفسها حقوقا فضفاضة، وشجعت سياسة الدفاع الصاروخى معتمدة فى ذلك على ما أسمته الإرهاب لتبرير ذلك.
إن السياسة الأمريكية أصبحت تقوم على شقين: شقها الأول يعتمد على توسيع تركيزها على الأهداف لتشمل نظام طالبان، وحجتها فى ذلك أن طالبان تقدم المأوى لابن لادن وترفض تسليمه، وبذلك وسعت الولايات المتحدة الأمريكية دائرة الدفاع عن النفس لتشمل أفغانستان ثم عملت الولايات المتحدة جادة لترسيخ هذا المفهوم قبل الإقدام على عمل أى عسكرى، وهذا هو الشق الثانى من السياسة الأمريكية، وانتهزت لذلك الهجمات التى تعرضت لها لترسيخ المفهوم عبر توسيع حق الدفاع عن النفس ضد الهجمات الإرهابية، وبذلك أصبح بإمكان الولايات المتحدة تحويل هذا المفهوم مستقبلاً كذريعة للتدخل فى شؤون الدول الأخرى، وهذا ما حدث فى العراق عام 2003م عندما أعلن الرئيس الأمريكى الهجمات على العراق، بحجة أن العراق به أسلحة دمار شامل، وبحجة حماية المصالح الأمريكية من التهديدات.
إن الحرب على الإرهاب والدفاع عن المصالح الأمريكية هى الشعار الذى رفعته السياسة الأمريكية بعد أحداث سبتمبر، وأصبحت أولوية السياسة الأمريكية، وهنا تبرز الخطورة الجديدة فى السياسة الخارجية الأمريكية أى التداخل بين أبعاد القوة العسكرية وأبعاد المنظومة القيمية، حيث لم تعد الأخيرة تلبس رداء الأيديولوجية فقط، كما حدث خلال الحرب الباردة، ولكن أضحت تلبس رداء الأبعاد الثقافية الحضارية، حيث أخذت الولايات المتحدة تشخص الأساليب اللازمة لحمياتها فردية كانت أم جماعية عسكرية كانت أم ثقافية.
إن السياسة الأمريكية عرفت تغييراً تاريخياً بعد الحادى عشر من سبتمبر 2001م، فالشرق الأوسط أصبح المركز الرئيسى للمصالح الأمريكية الاستراتيجية، وهذا المركز وإلى عهد قريب كانت تحتلها أوروبا التى لا تحتل الآن حتى المرتبة الثانية فى قائمة الاهتمامات الأمريكية لأن شرق آسيا والصين أصبحت أكثر أهمية، كما تجدر الإشارة إلى أن بعض المشاكل التى تحدث حالياً بين الولايات المتحدة وأوروبا هى نتاج هذا التغيير فى توجيه المصالح بالنسبة للسياسة الأمريكية، وعادة ما تعتمد سياسات أى دولة على مبادئ معينة ومحددة مبنية على قيم وأخلاق تلك الدول ومستقاة من ثقافاتها وعاداتها، محاولة أن تتماشى بها مع العرف الدولى، فتبنى عليها أدوات وأساليب تستطيع بها أن تحقق الأهداف المرسومة لها.
وضعت الإدارة الأمريكية شعارات ومبادئ محددة لسياستها الخارجية وهى تطبقها حتى اليوم فى تعاملها مع العالم الخارجى، ولكنها لا تبدو متوافقة مع الأعراف والقوانين الدولية، بل حتى مع المنطق والعقل والإنسانية، فهى مدفوعة بنزعة من العنصرية والغرور، كونها الدولة العظمى الوحيدة فى العالم، تتخطى الأعراف وحقوق الشعوب، فتحول من تريد إلى إرهابى بحسب مفهومها، وتسعى للانتقام منه وتتحمل الولايات المتحدة مسؤولية كبرى فى تطور الأحداث فى الساحة الدولية، فبدلاً من أن تقوم بالدور الطبيعى كدولة عظمى تسعى لدور الوسيط لتحقيق السلم والأمن الدوليين، فإنها واصلت التحيز إلى المصالح الإسرائيلية، ولم تكف السياسة الأمريكية عن تقديم التهديدات بالتدخل العسكرى فى إيران، اليمن، السودان، سوريا، وتدخلت فى العراق وأفغانستان، وذلك تحت مظلة أن هذه الدول تستضيف وتحمى وتساعد منظمات إسلامية وإرهابية، وأصبح من الواضح أن الولايات المتحدة سوف تستغل وضع الأزمة التى أحدثتها أحداث سبتمبر 2001 م لتسوية مشاكل متروكة بلا حل فى نهاية حرب الخليج. غدا نستكمل نشر أوراق الدراسة الخطيرة عن أمريكا والديمقراطية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة