زيارة حمد بن خليفة الأولى لليمن فى 2007 تنقذ الحوثيين وتكسر صنعاء
مؤسسة قطر لتنمية اليمن تلعب دورا مشبوها فى توفير التمويل والسلاح للميليشيات
أمير قطر يزور اليمن فى 2010 للتحضير للإطاحة بـ«صالح» والتوفيق بين الشيعة والإخوان
قطر تلعب دور الوكيل الإيرانى فى قضية عرسال وتحرير مُدرّسة سويدية وتسليح الحوثيين
إيران تتدخل لدى الميليشيات الشيعية العراقية للإفراج عن رهائن الأسرة الحاكمة القطرية
مرشح قطر لرئاسة اليونسكو يزور قبر الخمينى ويصلى فيه ويتبرك به
زيارة رسمية خاطفة، تبدو عادية وبروتوكولية للغاية، حطت الطائرة الأميرية القطرية فى مطار صنعاء الدولى، هبط منها حمد بن خليفة آل ثانى، أمير قطر وقتها، كان فى استقباله الرئيس اليمنى على عبد الله صالح، وخلال ساعات قليلة كانت خريطة الصراع الناشئ فى اليمن تأخذ منحى آخر، استطاع «حمد» توجيه دفة الأمور، أنقذ ميليشيات الحوثى المدعومة من إيران، ووضع الدولة اليمنية بكامل مؤسساتها ومواطنيها فى مهب العواصف والأعاصير، لتبدأ رحلة الاهتزاز التى ما زالت متصلة حتى الآن.
بحسب صحيفة «الوسط» اليمنية، المحسوبة على ميليشيات عبد الملك الحوثى، أرسل حمد بن خليفة خلال وجوده فى صنعاء، فريقا من الخارجية القطرية إلى محافظة صعدة، معقل الحوثيين على الحدود اليمنية السعودية، للقاء قادة التمرد الممتد منذ 3 سنوات، وبدء المسار المعد سلفا، ربما فى الدوحة، وأغلب الظن أنه فى طهران.
قطر بين أكاذيب الالتزام بقمة الرياض وحقائق التحرك على الأرض
وفق مسودة اتفاق قمة الرياض الموقع فى 2013، وملحقه التكميلى فى 2014، وبحسب النسخة الخطية التى نشرتها شبكة «CNN» ويبدو واضحا فى ذيلها توقيعا أمير الكويت وتميم بن حمد أمير قطر، تلتزم الدوحة بحسب البند الثالث بعدم التدخل فى اليمن، أو دعم الحوثيين والميليشيات المسلحة، ورغم وضوح البند وإيجازه يبدو أن قطر لم تفهمه بدقة، إذ تحركت منذ التوقيع، وقبله بالطبع، عكس كل حرف منصوص عليه.
عقب الأزمة العربية القطرية، التى اشتعلت شرارتها صباح الخامس من يونيو الماضى، باتخاذ مصر والسعودية والإمارات والبحرين موقفا موحدا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، على خلفية التوصل لأدلة قاطعة على دعم الدوحة للإرهاب وتحركات مشبوهة من جانبها، وعبر أذرع متعاونة معها، على عدة جبهات ساخنة فى الجوار وبالدول المحيطة، خرج وزير الخارجية القطرى محمد بن عبد الرحمن آل ثانى، نافيا ضلوع بلاده فى دعم الإرهاب، ومدعيا التزام الدوحة بمقررات قمة الرياض بشأن المحددات العربية للتعامل مع ملف التطرف والميليشيات المسلحة بالمنطقة.
الموقف المراوغ الذى اعتمدته خارجية الدوحة للهروب من مأزق اتهامها الموثق بدعم الإرهاب، تواتر لاحقا على ألسنة رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم، الذى استعانت به الإدارة القطرية لإدارة ملف الأزمة بعد سنوات من وضعه فى ثلاجتها، بالتزامن مع الإطاحة بالأمير السابق حمد بن خليفة لصالح ابنه تميم، وظلت العبارات نفسها تتردد على ألسنة المسؤولين، رئيس دائرة الاتصال الحكومى، سيف بن أحمد آل ثانى، ورئيس الديوان الأميرى ونائبه وعدد من مستشارى تميم بن حمد ومعاونيه، وفى بيانات الخارجية القطرية، وعبر شاشات وصفحات المنصات الإعلامية القطرية أو الممولة بشكل غير مباشر من جانب حكومة الدوحة.
حملة العلاقات العامة التى اعتمدتها قطر لم تأت متوافقة مع المعلومات والحقائق الموثقة بشأن تحركاتها على أرض الواقع فى ليبيا وسوريا واليمن، وغيرها من الجبهات المفتوحة والساخنة، ولا حتى مع المواقف الأخرى المعلنة من جانب الدوحة فيما يخص علاقاتها ببعض التنظيمات والميليشيات المسلحة، أو بالمؤسسات والأفراد الموضوعين على لائحة الإرهاب العربية.
بحسب مسودة مسرّبة، قيل إنها تمثل الرد القطرى على قائمة المطالب العربية الـ13 للوصول لتفاهمات بشأن الأزمة وقضية دعم الدوحة للإرهاب، أرسلها تميم بن حمد للشيخ صباح الجابر أمير دولة الكويت، اعترفت قطر علنا وضمنيا بعلاقتها بعدد من الميليشيات، واحتضانها المقصود لجماعات وأشخاص يمثلون تهديدا إرهابيا لدول الجوار، ورفضها تسليمهم أو إبعادهم عن أراضيها، مقدمة دليلا ضدا وناسفا لما أعلنته بشأن التزامها بمقررات قمة الرياض واحترامها لأمن المنطقة ومصالحها، فى تناقض واضح بين حقائق الأرض وما يمكن اعتباره «أكاذيب التصريحات».
زيارة حمد الأولى لليمن.. بداية إنقاذ الحوثيين
فى زيارة حمد بن خليفة لليمن، التى بدأنا حديثنا بها، وجرت فى الثامن من مايو 2007، كان أمير قطر السابق يستكمل نشاطا قطريا بدأ قبل الزيارة بسنة تقريبا، تحديدا فى يونيو 2006، بدخول الدوحة على خط الصراع الدائر بين الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثى فى جبال صعدة شمالى البلاد.
بدأ التمرد الحوثى فى العام 2004 بعدد محدود من المسلحين الناشطين فى مديريتين اثنتين من مديريات محافظة صعدة، وطوال ثلاث سنوات تالية ظل الأمر محدودا ومحصورا فى جيوب صغيرة بالمحافظة الحدودية، بل مثلت القوات الحكومية فى أوقات كثيرة أداة تهديد حقيقية للتمرد الحوثى، إلى حد اقترابها من تصفيته، وتمكنها من اصطياد زعيمه الميدانى حسين الحوثى بشكل سهل، وبحلول العام 2007 تصاعدت تحركات الجيش اليمنى وأصبحت الميليشيات الحوثية فى مواجهة احتمال التصفية، فكانت زيارة أمير قطر.
أسفرت الزيارة عن تفاهمات بين الجانبين، رعتها قطر وضغطت فى اتجاه تحقيقها، بدأت بإعلان مشترك لوقف إطلاق النار، جرى خلال زيارة رئيس الوزراء القطرى السابق حمد بن جاسم لصنعاء فى الشهر التالى لزيارة الأمير، تلاه توقيع اتفاق الدوحة بين الجانبين فى يناير 2008، منهيا الحرب الرابعة بين الجيش اليمنى والمتمردين، وموفرا للميليشيات فرصة لإعادة تنظيم صفوفها وتدعيم قواها العسكرية، مستفيدة بـ18 مليون دولار أجبرت الدوحة الحكومة اليمنية على دفعها للمتمردين كتعويض، إضافة إلى عشرات الملايين التى وفرها النظام القطرى بتمويل مباشر، أو عبر بعض الطرق الملتوية والبنود المشبوهة التى تضمنها الاتفاق.
تضمن الاتفاق ذو الصفة السرية 9 بنود، بحسب ما أعلنته صحيفة «الوسط» الحوثية، وغيرها من الصحف التابعة للمتمردين، بعد أكثر من سنة على التوقيع، كان أبرزها إطلاق سراح المحتجزين لدى الحكومة اليمنية، وسحب مذكرة الإنتربول المقدمة ضد يحيى الحوثى، والتزام الحكومة بعفو عام عن عناصر الميليشيات، وتشكيل لجنة مشتركة من الجانبين برعاية وإشراف قطر للوصول لاتفاق سلام دائم وآلية لتقاسم السلطة، وإطلاق حزمة من مشروعات الإعمار فى صعدة، وقبول نظام على عبد الله صالح ببرامج تنموية تنفذها الدوحة فى مناطق المتمردين من خلال «مؤسسة قطر لتنمية اليمن»، التى مثلت لاحقا بوابة قطر للوجود المباشر وضمان تدفق الأموال والأسلحة على معاقل المتمردين بسهولة.
زيارة حمد الثانية.. شرارة الفوضى ومصالحة الشيعة والإخوان
لم تصمد اتفاقية الدوحة الموقعة فى 2008 طويلا، إذ لم يكن الغرض منها أن تُوجد لتبقى، وإنما أن تنقذ ميليشيات الحوثى بشكل مؤقت من الحصار الحكومى الخانق الذى كاد أن يعصف بها، وأن توفر لها فرصة للحركة والمناورة وإعادة بناء صفوفها وتدعيم مركزها المالى والعسكرى، وبموجب بنود الاتفاق توقف إطلاق النار وتراجعت العمليات العسكرية الرسمية، سافر زعماء الحوثيين، عبد الملك الحوثى وعبد الكريم الحوثى وعبد الله الروزامى، للإقامة فى الدوحة مؤقتا، وتدفقت الأموال والأسلحة على ميليشيات صعدة، ولم تصبح هناك ضرورة لاستمرار الاتفاق بعدما قويت شوكة الحليف، فأعطت قطر إشارتها ليسقط الاتفاق فى مايو 2008، بعد خمسة شهور فقط من توقيعه، وتتجدد الاشتباكات فى حرب خامسة، ويتطور الأمر بنقل المعارك للعاصمة، بمواجهات مباشرة فى قرى مديرية بنى حشيش المجاورة لمطار صنعاء الدولى.
استمرت الاشتباكات الحادة حتى منتصف العام 2010، ليدخل الدور القطرى مرحلة جديدة، تمثلت فى تطوير الأمر فيما يبدو أنه كان استعدادا للإطاحة بالرئيس اليمنى على عبد الله صالح، هبط حمد بن خليفة فى مطار صنعاء الدولى فى 13 يوليو 2010، فى زيارة ثانية استمرت لعدة ساعات فقط، سبقتها زيارة لوزير خارجيته ورئيس حكومته حمد بن جاسم، وأسفرت فى ظاهرها عن اتفاق تهدئة يشبه سابقه، وتشكيل لجنة من الهلال الأحمر القطرى والهلال الأحمر اليمنى للعمل فى مناطق الصراع، وبدء مفاوضات جادة لدراسة آلية مشاركة الحوثيين فى السلطة، ولكن الزيارة فى حقيقتها كانت بداية لتحقيق توافق آخر على جبهة مختلفة، بين الحوثيين وحركة الإصلاح أو حزب التجمع اليمنى للإصلاح (الفرع اليمنى للإخوان المسلمين) إذ شملت أجندة لقاءات حمد بن خليفة خلال ساعاته القليلة فى صنعاء، لقاء محمد الميدومى زعيم حركة الإصلاح، وعلى البخيتى المتحدث باسم الحوثيين.
قطر تخون التحالف العربى على أرض اليمن بـ1000 جندى
ظهرت ثمرة الاتفاق مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية فى 2011، تجاور الحوثيون والإخوان فى الشوارع، جمعتهما لقاءات واتفاقات، كانت أبرز صوره مع سيطرة الإخوان على السلطة فى اليمن، خاصة إدارة القوات المسلحة عبر محسن الأحمر ورجاله، ومع تحقيق الرئيس عبد ربه منصور هادى ونظامه نجاحات فى إطار ضبط السلطة والسيطرة على مؤسسات الدولة، تلقى الحوثيون توجيهات بالتصعيد، فاندلعت أعمال عنف حادة فى محافظتى صعدة وعمران، وانسحبت القوات العسكرية التى يسيطر عليها الإخوان بهدوء ودون مقاومة.
فى وقت لاحق، قال زعيم حركة الإصلاح الإخوانية، محمد الميدومى، إنه زار قطر على رأس وفد من بعض فصائل المعارضة اليمنية فى 2012، لشكر الدوحة وأميرها على دعم الحركة والثورة اليمنية وتقديم الغطاء المالى والإعلامى لها، وقال على البخيتى، المتحدث باسم الحوثيين، إنه زار طهران فى العام نفسه، والتقى مسؤولين إيرانيين بمشاركة مسؤولين قطريين على مدى 5 أسابيع متصلة، وقال وكيل وزارة الإعلام اليمنية، عبده المغلس، إن قطر منحت أكثر من 40 شخصا من زعماء الإخوان والحوثيين «فيلل» خاصة فى العاصمة الدوحة، وعبر تحركاتها السياسية والمالية استحوذت على عدد من الميليشيات العاملة على الأرض فى اليمن، واستخدمتها إلى جانب تقديم الرشاوى لبعض العسكريين وقادة الألوية، فى إشعال الأوضاع الداخلية وتعطيل مهمة التحالف العربى لدعم الشرعية اليمنية، وهو ما أكدته مصادر مقربة من قيادة التحالف - تحفظت على الكشف عن هويتها - أشارت إلى أن قطر استخدمت عناصرها المشاركة فى التحالف، وعددها 1000 ضابط وجندى، قبل قرار المملكة العربية السعودية والدول الأخرى المشاركة بطردهم وإنهاء وجود قطر بالتحالف، فى تقويض جهود دعم الشرعية وتعطيل القوات العربية، إضافة إلى تسهيل نقل الأموال والأسلحة من خلال الوحدات العسكرية القطرية المتواجدة ضمن القوات العربية على أرض اليمن، وإن زيارات وزير الدفاع القطرى خالد العطية المتوالية للقوات القطرية باليمن، كانت للإشراف على هذه المهمة والتأكد من حُسن إدارتها، مؤكدين أن السبب الجوهرى لإنهاء الدول المشاركة بالتحالف لوجود قطر معها، وتأييد اليمن لهذه الخطوة مع قرار قطع العلاقات فى 5 يونيو الماضى، هو تورط القوات القطرية فى دعم ميليشيات الحوثيين وتأمين خطوط تدفق الأموال والأسلحة لها.
قطر وإيران.. ملالى طهران يوظفون الدوحة ضد العرب
دور الدوحة الواسع والمتداخل فى الساحة اليمنية ربما لا يبدو منطقيا للوهلة الأولى، قياسا على محدودية الحضور القطرى وعدم تقاطعها مع اليمن فى أى دائرة حيوية، وضآلة مصالحها المباشرة فيها، وهو ما يحمل احتمالا أوليا بأنه دور وكالة وليس نشاطا أصيلا.
فى تصريحات أخيرة لوزير الخارجية الأمريكى، ريكس تليرسون، أكد المسؤول البارز أن احتضان الدوحة لحماس وطالبان وغيرهما، وفتح مكاتب لهم على أراضيها، جاء وفق توجيهات أمريكية، ما يعنى أن الدور القطرى فى اليمن يمكن أن يكون وفق توجيهات أيضا، ربما أمريكية، وربما إيرانية.
فى مهاتفة مسربة جمعت وزير الخارجية القطرى محمد بن عبد الرحمن آل ثانى، بأمين عام حركة الوفاق الشيعية البحرينية المعارضة، على سلمان، تحدث الوزير القطرى عن اتصالات دائمة ودعم قطرى ممتد للحركة، وعن تواصل وتفاهمات مع زعيمها عيسى قاسم، وبحسب صحيفة «الوطن» البحرينية فقد عرضت الدوحة على المنامة مبادرة إبان الاحتجاجات الشعبية فى 2011، لإطلاق سراح المعارضين وتشكيل حكومة وفاق وطنى، وفتح الطرق والميادين للمعترضين، والمطالبة بسحب قوات درع الجزيرة من البلاد، ورفضت البحرين المبادرة متهمة قطر بلعب دور الوكيل الإيرانى.
فى 2013 ضبطت القوات اليمنية قاربا إيرانيا محملا بالأسلحة على شواطئ البلاد، يقل على متنه قطريين، حسبما نقلت صحيفة «فايننشال تايمز»، وتولت عناصر الأمم المتحدة التحقيق فى الأمر، وفى العام نفسه سيطرت جبهة النصرة السورية على بلدة "عرسال" بالجنوب اللبنانى، وأسرت عشرات من مقاتلى حزب الله، لتتدخل قطر متوسطة للإفراج عنهم، قبلها بشهور اختطفت ميليشيات الحوثى سلفيا إبرهارت، مدرسة سويدية تعمل فى اليمن، تدخلت قطر للإفراج عنها ونقلتها للدوحة، قبل أن تنتقل لاحقا لطهران، وفى أواخر العام قبل الماضى اختطفت ميليشيات الحشد الشعبى الشيعية العراقية 26 قطريا من العائلة الحاكمة، كانوا فى رحلة صيد بالمياه الإقليمية العراقية، وتدخلت إيران للإفراج عنهم، ودفعت قطر فدية مليار دولار تقريبا، بحسب تصريحات لرئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى وتقارير نشرتها صحف عالمية عدة، منها «فايننشال تايم» و«جارديان» البريطانية.
الواضح من تفاصيل التحركات القطرية، وتقاطعات الخيوط التى تبدأ فى اليمن والعراق وسوريا وغيرها، وتنتهى دائما فى الدوحة، أن النظام القطرى يلعب مع كل الأطراف، يستجيب لتوجيهات أمريكية باحتضان طالبان وحماس، وينوب عن إيران فى دعم الحوثيين وتقوية مركزهم باليمن، وتغطية حزب الله وتمويله فى الصراع الطائفى بلبنان ومناطق النزاع بسوريا، ويمول جبهة النصرة و"داعش" وغيرهما من التيارات الإرهابية الناشطة ضد نظام بشار الأسد، وهو المنطق الذى اعتمده الأمير السابق حمد بن خليفة منذ صعوده للسلطة منقلبا على أبيه فى العام 1995، الإمارة الصغيرة قررت اللعب مع الجميع، وتخيلت أنها يمكن أن تخدع الجميع وتكسب منهم.
العلاقات القطرية الإيرانية.. غاز وقصور وزيارات وعساكر
ربما يُثار سؤال حول جدوى اللعب مع إيران ومكاسبه، اللعب مع الولايات المتحدة الأمريكية مفهوم نوعا ما، القوة الأولى عالميا، واللاعب الأكبر فى المنطقة، ولديها ثلاث قواعد عسكرية على أرض قطر، فماذا عن إيران؟
الحقيقة أن الروابط القطرية الإيرانية أبعد من الأزمات الراهنة، التى تحضر فيها الدوحة طرفا أصيلا أو وكيلا، بدأ الأمر فى العام 1991 باتفاق تعاون جوى، وتفاهمات عسكرية بين الجانبين فى ولاية خليفة بن حمد آل ثانى، بينما كان ابنه "حمد" على رأس الجيش القطرى، وفى 1992 شكر الأمير الصغير حمد بن خليفة، الرئيس الإيرانى هاشمى رافسنجانى، على دعم قطر فى خلافها مع المملكة العربية السعودية.
سبب العلاقة الأبرز يعود لاعتبارات اقتصادية عسكرية، إذ تشترك قطر مع إيران فى حقل غاز ضخم بمياه الخليج العربى، يغطى 9700 كيلو متر مربع، حصة قطر منها 6000 كيلو متر مربع، ولا تملك الإمارة الصغيرة من وسائل القوة والنفوذ ما يضمن حقوقها، وليس لديها لحماية مصالحها فى الحقل وضمان ألا تسيطر عليه إيران منفردة، إلا الخضوع لرغبات وتوجيهات طهران.
فى مايو 1999 زار الرئيس الإيرانى الأسبق محمد خاتمى الدوحة، كانت زيارة موسّعة وشهدت احتفاء قطريا كبيرا، ووُقِّعت خلالها اتفاقات اقتصادية وعسكرية عديدة، فى 2006 صوتت قطر منفردة، ضمن 15 دولة بمجلس الأمن الدولى، ضد القرار رقم 1696 حول البرنامج النووى الإيرانى، وفى 2007 دعت الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد ليكون ضيف شرف القمة الخليجية المنعقدة فى الدوحة، وفى 23 ديسمبر 2010 زار حمد بن خليفة طهران، التقى "نجاد" ومرشد الثورة على خامنئى، وعددا من الملالى والمرجعيات الروحية وقيادات الحرس الثورى والقيادات المسؤولة بوزارة المخابرات "فافاك"، التى حلت بديلا لجهاز الأمن الداخلى سيئ السمعة أيام الشاه «سافاك»، ووقع اتفاقات عسكرية وأمنية أضخم من سابقاتها، وفى 2015 وقع البلدان اتفاقا عسكريا موسعا، بين قاسم رضائى قائد الحرس الثورى الإيرانى، وعلى أحمد سيف البديد، مدير أمن السواحل والحدود القطرية، ووصل الأمر قبل أيام إلى زيارة وزير الثقافة القطرى ومرشح الدوحة لمنصب مدير عام منظمة اليونسكو، حمد بن عبد العزيز الكوارى، لزيارة قبر مرشد الثورة الإيرانية السابق روح الله الخمينى، والتبرك به.
فى وثيقة مسربة بتوقيع عبد الملك الحوثى، متبوعا بوصف «المرشد الأعلى لمؤسسة آل البيت باليمن»، يشكر قائد الميليشيات الحوثية أمير قطر على دعمه لجماعته تحت راية الجمهورية الإيرانية، ويبشره مع استمرار الدعم القطرى الإيرانى بالوصول إلى مكة والمدينة، وفى تقارير صحفية عقب الأزمة القطرية الأخيرة، قال على بن عبد الله، المستشار الخاص للشيخة نوف بنت أحمد آل ثانى، رئيس الحكومة القطرية فى المنفى وإحدى أفراد أسرة الأمير القطرى الأسبق أحمد بن على آل ثانى، الذى انقلب عليه جد الأمير الحالى فى 1972، إن تميم بن حمد اشترى قصرا فى طهران، كوجهة آمنة حال تصاعد الأمور، وهو ما يتكامل مع تفعيل اتفاقات أمنية أخيرة بين قطر وإيران، تتولى بموجبها عناصر من الحرس الثورى الإيرانى تأمين النظام القطرى والقصور الأميرية وعدد من المنشآت المملوكة للأسرة الحاكمة.
المؤشرات تؤكد أن قطر تلعب مع الجميع، ولعبها فى الغالب ليس المنطقة العربية، ولا حتى لصالح قطر نفسها، فى ملف اليمن الذى تتحرك فيه عكس مقررات قمة الرياض وبنودها، تلعب لصالح الحوثيين وإيران، وتوقع الاتفاق بيد وتمد السلاح للإرهابيين بالأخرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة