نكسة دبلوماسية.. بهذا التوصيف يمكن إيجاز الجولة الخليجية التى قادها وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون بحثًا عن حلول للأزمة بين قطر والدول العربية الداعية لمواجهة الإرهاب الممول من نظام تميم بن حمد، فالزيارة التى قطع خلالها الوزير الأمريكى مسافات شاسعة بين الحدود الممتدة على صحراء الخليج على مدار 4 أيام كاملة، لم تحرك ساكنًا، لتنتهى دون التوصل إلى فرض عقوبات رادعة على الدوحة لإرغامها على وقف تمويل الإرهاب، أو إثناء الدول العربية الكبرى فى رفع قائمة العقوبات المفروضة على الإمارة الراعية للإرهاب.
فعلى الرغم من سلسلة التحذيرات التى سبقت الزيارة، وإطلاق العديد من دوائر مراكز الأبحاث الأمريكية العديد من التقارير التى أشارت صراحة إلى التراجع اللافت فى نفوذ واشنطن داخل الشرق الأوسط بشكل عام، وفى منطقة الخليج بشكل خاص، إلا أن تيلرسون أقدم على الزيارة واختتمها دون أن يعيد إلى الإدارة الأمريكية قدرًا ولو بسيط من مصداقيتها وقدرتها على الفعل لدى أطراف الأزمة، الأمر الذى قابله صعود لافت للنفوذ التركى ـ الإيرانى داخل قطر، بشكل بات يهدد المصالح الأمريكية فى الخليج العربى.
وفور ختام جولة تيلرسون التى شملت زيارة المملكة العربية السعودية وقطر، و3 زيارات منفصلة للكويت، أكدت الخارجية التركية، أن أنقرة "لن تقبل بإغلاق القاعدة العسكرية فى الدوحة"، بحسب ما أعلنه وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو، والذى قال فى تصريحات للصحفيين إن فكرة غلق القاعدة التركية لم ولن تكون مطروحة أو محل نقاش، فى تحدى لمصالح الإدارة الأمريكية، واستفزاز لافت للدول العربية التى أدرجت انهاء التواجد التركى فى قطر ضمن قائمة مطالبها من نظام تميم بن حمد الراعى الأول للإرهاب فى الشرق الأوسط.
ورغم حالة الاستياء التى تسود دوائر رسمية وشبه رسمية فى واشنطن من الدور التركى فى الأزمة، إلا أن التعامل مع الدور المماثل الذى تلعبه إيران فى الأزمة كان أكثر حدة داخل أروقة مراكز الأبحاث الأمريكية التى أكدت أن طهران باتت فى طريقها للخروج عن السيطرة الأمريكية بفضل تراجع دور الدبلوماسية الأمريكية فى أزمة قطر وعدم اتباع سياسة واضحة وتبنى مواقف غير متضاربة من الإمارة الداعمة للإرهاب.
ومن التحذير إلى الهجوم، عدلت الصحافة الأمريكية خطابها قبل وبعد الزيارة الخليجية لوزير الخارجية الأمريكى، حيث أجمعت غالبية الصحف الكبرى على أن الجولة بمثابة "نكسة دبلوماسية"، داعية البيت الأبيض إلى تبنى موقف واضح وصريح، والتصدى للدور الذى تلعبه قطر فى دعم وتمويل الإرهاب.
وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، إن تيلرسون غادر الشرق الأوسط مرهقًا بعد فشله فى حل النزاع المرير بين حلفاء أمريكا فى المنطقة، ليعكس عملية مجزأة فى اتخاذ القرار بحكومة الولايات المتحدة تختلف عن إدارة إكسون موبيل التى تولاها من قبل. وكانت المحطة الأخيرة فى دبلوماسيته المكوكية الدوحة، حيث تشاور مع أميرها تميم حول اجتماعاته مع الرباعى العربى فى جدة.
وأوضحت الصحيفة، أن الاجتماع يوم الأربعاء مع وزير الخارجية السعودى عادل الجبير كان قد أعطى أملًا ببعض التقدم مع إجراء محادثات مطولة. لكن تيلرسون غادر جدة ليلة الأربعاء دون حتى الإدلاء بإعلانات مبتسمة عن حدوث تقدم تدريجى.
ومن جانبها، أبرزت صحيفة "وول ستريت جورنال" دعوة تيلرسون لقطر والرباعى العربى للاجتماع بشكل مباشر لإنهاء النزاع. وأشارت الصحيفة إلى أن الدبلوماسية المكوكية للوزير الأمريكى لم تكسر الجمود بين الطرفين. بينما قال مسئولين عرب إنه من غير المرجح أن يلتقى كافة الأطراف معًا قريبًا. غير أن تيلرسون قال إنه رأى استعدادًا أكبر بين دول الشرق الأوسط للتواصل.
وفى رحلة العودة من الدوحة إلى واشنطن، قال تيلرسون إن الأطراف حتى الآن لا تتحدث مع بعضها على أى مستوى، ونريد أن نجعلهم يجلسون معًا على الطاولة وجهًا لوجه لبدء مناقشة حول معالجة هذه القضايا.
وتابع تيلرسون: نريد هذا الجزء من العالم أن يكون مستقرًا، مضيفًا أن واشنطن تدعم الكويت كوسيط رئيسى فى الصراع.
بينما أكدت صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، أن قطر يبنغى أن تكون هدفًا فى أى حملة للقضاء على الإرهاب، مشيرة إلى أنه بتنصيب ترامب رئيسًا، ربما أصبح لديها فرصة فريدة للتعامل أخيرًا مع مصادر الإرهاب فى الشرق الأوسط بطريقة أكثر حسمًا مما فعلت فى أى وقت مضى منذ أحداث 11 سبتمبر. وتتطلب هذه الجهود أن تلقى نظرة جديدة وباحثة فى الدولة التى تستضيف قاعدة أمريكية فى الشرق الأوسط وهى قطر.
وأشارت الصحيفة إلى أن أيام إدارة أوباما التى كانت متسامحة مع الإخوان قد انتهت، وكانت قطر تراهن على أن الولايات المتحدة ستواصل طريق تمكين المتطرفين، ورأت ضوء أخضر لتمويل وإيواء وتمكين الإرهاب من خلال دعمها للتنظيم الإرهابى.
كما أن الوعاظ المقيمين فى قطر وجامعى التبرعات لهم علاقات وثيقة بداعش، فى حين أن الدوحة تتسامح مع النظام الثيوقراطى فى إيران وحماس، ذراع الإخوان فى غزة.
وأكدت الصحيفة إنه لا يجب أن تلوم قطر إلا نفسها على العقوبات التى فرضها جيرانها فى الخليج عليها. ورغم ضرورة أن تسعى الولايات المتحدة لحل الموقف، إلا أن هناك عاصفة قادمة فى الشرق الأوسط، كما تقول، وذلك بصراع محتمل بين إيران والدول السنية المتحالفة مع الغرب. وقد ذكرت المخابرات الألمانية هذا الأسبوع أن إيران لم تستسلم فى سعيها للحصول على التكنولوجيا النووية.
وأوضحت أن واشنطن ستحتاج إلى حلفاء الخليج فى أى صراع محتمل مع إيران وجيوشها وميليشياتها المنتشرة من العراق إلى سوريا ولبنان والعراق، وستحتاج أمريكا إلى السعودية والدول الأخرى للتعاون الاقتصادى وفى مجال الطاقة مع سعى إدارة ترامب لتحقيق معدل نمو 3% سنويًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة