التشابه بينهما ليس اسما فقط، بل إن التصرفات تثبت يوما بعد يوم أن حزب العدالة والتنمية الإسلامى فى المغرب ـ ذراع التنظيم الدولى للإخوان ـ يسير على خطى حزب أردوغان التركى، فى تأكيد ضمنى منه على الروابط الأيديولوجية بينهما والروابط العميقة بين التيار الإسلامى فى أنقرة والرباط، ما يعطى مؤشرا خطرا عن تطور الحياة السياسية فى الرباط إذا سار الحزب الإسلامى الذى يسيطر على الحكومة المغربية على نهج العدالة والتنمية التركى نفسه.
ذكرى تحرك الجيش التركى ضد أردوغان أظهرت مدى التعاطف بين إخوان المغرب والنظام فى أنقرة، فلم يغفل الحزب فى المغرب إحياء تلك الذكرى وكأنه فرع من فروع حزب العدالة والتنمية التركى، إذ وجد المسؤولون الأتراك مساحة لهم فى الصحف المغربية المقربة من الإخوان للتعبير عن وجهة نظرهم وتبرير الجرائم التى اقترفها النظام التركى فى أعقاب محاولة الانقلاب.
محاولة الإطاحة بأردوغان 2016
وصدرت عدد من الصحف المغربية فى ذكرى الانقلاب متضمنة مقالا لرئيس الوزراء التركى، بن على يلدريم، من بينها جريدة المساء واسعة الانتشار بالمغرب وجريدة "ليزيكو" الناطقة بالفرنسية.
فى المقال قال بن يلدريم: "مرت سنة واحدة على تغلبنا على أكثر هجوم إرهابى دموى فى تاريخ الجمهورية التركية، وخلال هذه السنة أثبتت تركيا متانتها وثباتها وقوتها وقابليتها للتحسن، ومن الأهمية بمكان أن نجرى محاسبة لهذه السنة التى مرت وأن ننظر إلى الأمام".
ووصف يلدرم، عناصر الجيش التى تحركت بالخونة، قائلا: "فى تلك الليلة كنا نواجه شبكة إجرام كانت تنفذ بشكل أعمى الأوامر التى تأتيها من زعيمها.. إننا نتحدث هنا عن شبكة من الخونة وهم يقومون ضمن القاعدة العسكرية التى استخدموها مقراً لهم، بإلقاء التحية العسكرية على مدير إحدى الشركات التابعة لتنظيم غولن الإرهابى وصاحب إحدى المدارس التى يشغلها التنظيم، حيث إنهم لم ينالوا نصيبهم من الماضى العريق للجندى التركى والذى يمتد لألف عام".
كما لم يخف أعضاء إخوان المغرب تعاطفهم مع عصابة أردوغان بل وربطوا مستقبل تواجدهم فى السلطة المغربية باستمرار أردوغان فى حكم تركيا، وهى مفارقة غريبة أثارت ضجة فى الأوساط المغربية، فضلا عن كونها أثارت تساؤلات حول مدى العلاقات بين الحزبين وما يربطهما من علاقات لا يتم الإعلان عنها.
وجاء هذا التصريح على لسان وزير الدولة المغربى المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد - عضو العدالة والتنمية - والذى ربط مصير الحكومة التى يسيطر عليها الحزب باستمرار نجاحات الرئيس التركى، إذ قال لبرلمانيين أتراك استقبلهم بمقر رئاسة الحكومة، إن نجاح الانقلابيين فى نظام الحكم فى أنقرة كان سيشمل كل الخونة والمغامرين.
وزير العدالة والتنمية مع وفد البرلمان التركى
تصريحات الوزير المغربى فسرتها وسائل الإعلام على أنها تحذير من حزب العدالة والتنمية الإخوانى للشعب المغربى وأحزاب المعارضة من الإنقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية، التى جرت فى أكتوبر الماضى وتصدر الإخوان نتائجها، فى وقت يعانى فيه الإخوان من أزمة طاحنة تهدد مستقبل حكومتهم مع تصاعد الاحتجاجات الإجتماعية فى عدد من المناطق بالمغرب ضد سياسة الحكومة.
وغالى الوزير الإخوانى فى مدح الحكومة التركية، حيث قال مصطفى إن "تركيا أصبحت أقوى عقب محاولة الانقلاب الفاشلة مقارنة بالمرحلة السابقة"، وفى حديثه عن اللحظات الأولى عقب تلقيه خبر المحاولة الانقلابية فى تركيا، قال الرميد إنه "عاش لحظات صعبة جدا" حينها، وتابع متوجها للوفد التركى: "ما شعرتم به فى حينه، شعرنا به نحن أيضا على بعد آلاف الكيلومترات، كما أننا فى النهاية سعدنا كما سعدتم بفشل المحاولة الانقلابية".
مصطفى الرميد الوزير الإخوانى
وفى سياق متصل، لفت إلى موقف بلاده من الانقلاب ، مشيرًا إلى أن المغرب كانت من أوائل البلدان التى أدانته فى بيان لخارجيتها، وأعربت عن وقوفها إلى جانب الحكومة الشرعية، واعتبر أن العديد من الأسباب تقف وراء موقف بلاده هذا، أهمها "متانة العلاقات بين البلدين".
واسترضاء للحكومة التركية شن الرميد هجوما على جماعة فتح الله جولن، حيث قال إنها "بدأت تتسرب داخل المجتمع المغربي، غير أن المملكة فى إطار التزاماتها مع الدولة التركية، قامت بإغلاق مدارس الفاتح التابعة للجماعة"، وشدد على أنه "كما لا يقبل المغرب أى دعم من تركيا لأى انفصالي، فهو لا يقبل أن يدعم الانقلابيين".
وبالفعل فى نهاية عام 2016، اتخذت السلطات المغربية قرارا بإغلاق مدارس فتح الله جولن بعد 22 عاما من دخولها المعترك التعليمى بالرباط، وهو الأمر الذى أثار أزمة مصحوبة بعلامات استفهام حول تداعيات القرار الذى أضر بمئات الطلاب، حيث اتهمت وزارة الداخلية المغربية المدارس باستغلالها لمناهج تخالف المعمول به فى المغرب وتستغل تلك المناهج للترويج لأفكار وأيديولوجيات جولن.
وأكد المسؤولون عن المدرسة حينها أن صدور القرار من وزارة الداخلية المغربية، وليس وزارة التعليم المنوطة بهذا الشأن مما منحه صبغة أمنية، توحى بأن القرار تم اتخاذه على خلفيات سياسية ويأتى تماشيا مع السياسة التركية واسترضاء لنظام رئيسها أردوغان الذى أعلن الحرب منذ يوليو الماضى وبشكل علنى على جولن الذى وضعه فى مقدمة المتهمين بتدبير محاولة الانقلاب ضده.
وقدم رئيس الوفد البرلمانى التركى على أرجوشكون، الشكر للمغرب، على "موقفه المبكر والمبدئي" من المحاولة الانقلابية الفاشلة فى تركيا – على حد زعمه - معتبرا أن "هذا الموقف يعتبر مثالا يحتذى به فى العالم"، ولفت الانتباه إلى أن الهدف من زيارة الوفد البرلمانى التركى إلى المغرب هو "مناقشة تداعيات المحاولة الانقلابية التى وقعت فى 15 يوليوز من العام الماضى"، وتابع: "نقوم بهذه المناسبة بعدد من الأنشطة والفعاليات داخل تركيا وخارجها، ونتوجه إلى عدد من الدول المهمة بالنسبة إلينا بينها المغرب الشقيق".
ويبدو من الحكومة المغربية التى يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية المحسوب فكريا على التنظيم العالمى للإخوان، أنها لا تترك فرصة إلا وترد من خلالها الجميل للنظام التركى، حيث دعم نظام أردوغان بشده الحزب الإسلامى فى المغرب للفوز بأول انتخابات عقب التغيير الدستورى بالرباط فى أعقاب الربيع العربى، ضمن عمليات الدعم التى تمت لحركات الإسلام السياسى فى شمال أفريقيا سواء فى مصر أو تونس.
وهو ما لم ينكره زعيم الحزب الإسلامى فى المغرب عبد الإله بنكيران، عندما أكد أنهم يتشابهون مع حزب أردوغان، فى الاستفادة من الروح الدينية المتواجدة فى المجتمع للدفع بعجلة الإصلاح إلى الأمام وتمتيع الشعب بحقوقه الطبيعية والتقدم فى تصحيح مجال حقوق الإنسان والحريات لكن فى إطار المرجعية الإسلامية وحدودها الممكنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة