دون لف أو دوران.. أمريكا ألقت طوق النجاة لقطر، للإفلات من حصار دول التحالف الرباعى، وكأن وزير الخارحية الأمريكى تيلرسون يوجه رسالة لتميم، محتواها: «ولا يهمك، عربد كما شئت نحن نحميك»، ولم يكذب طفل الخليج الضال خبرا، فاستمر فى تصريحاته الاستفزازية، ووضع دول التحالف الرباعى أمام خيار وحيد، هو استمرار المواجهة والتصعيد، لأن طاولة اللئام أضيفت إليها مقاعد لمعازيم جدد، تركيا وإيران وإسرائيل، ودول مأزومة أخرى تبحث عن حل لمشاكلها فى خزائن الخليج، بجانب صاحب الوليمة الأكبر العم ترامب.
ولأنه «عيل» لا يهتم تميم بجبر خاطر حكام الخليج الكبار، ملك السعودية وأمير الكويت، ولأول مرة يخرج حاكم خليجى عن عباءتهم، ويمزق أهم ميثاق عرفى يضبط أسس العلاقات الخليجية، وهو احترام الكبار والإذعان لهم، ولو أغرت هذه الحالة آخرين، سينفرط عقد الوشائج القوية والعلاقات الأخوية، ويهتز العمود الفقرى الذى يقوى ظهر هذه الدول، ويمنحها الهيبة والاحترام فى المنطقة وفى العالم كله.
باستدعائه الحرس الثورى الإيرانى لحمايته، قرر «عيل» قطر أن يوسع سجادة النار، وبعد أن كانت إيران تكتفى بمناوشة السعودية، فى افتعال الأحداث فى موسم الحج، امتد التسخين إلى ما يشبه الحرب الباردة، ودس «العدو رقم واحد»، الذى يهدد أمن واستقرار دول الخليج، أنفه فى قضايا كان محظورا عليه الاقتراب منها، فاستيقظت من جديد الأطماع الفارسية، ومحاولات تصدير الثورة الشيعية، وتأجيج «العبث الخلاق» فى اليمن بوابة السعودية الجنوبية.
تميم ليس رجلا ولا شجاعا ليأتى بإيران إلى بلاده، دون ضوء أخضر من أمريكا، ومباركتها وموافقتها، وأمريكا تلعب بالملف الإيرانى على نحو يثير الجدل، منذ توقيع اتفاق النووى بين البلدين والسماح لإيران بامتلاك قدرات نووية، تحت زعم أنها للاستخدامات السلمية، مع العلم أنها يمكن أن تتحول للأغراض العسكرية فى غضون عدة سنوات، والرسالة الواضحة هى أن واشنطن سلمت طهران سلاحا يخل بتوازن القوى فى الخليج، وأكملت إحياء إيران كقوة إقليمية، بالإفراج عن ودائعها المجمدة، المقدرة بأكثر من مائة مليار دولار، وهى كافية لأن تعيد الاقتصاد الإيرانى لأوج قوته.
تميم هو الإصبع القذر الذى تحركه واشنطن من وراء الستار، ليكون شوكة فى دول الخليج، وتسخين الأحداث فى الخليج لعبة مكشوفة تقوم على فن صناعة الخطر، والخطر يتطلب سباقا للتسلح، وفتح خزائن الأموال على مصرعيها، لتشفطها واشنطن، وتعيد ضخها فى شرايين اقتصادها المرهق، فغير مسموح باستيراد السلاح إلا من أمريكا، والخطر يستدعى وجود مظلة أمريكية حمائية، تخفف روع الأطماع الإيرانية، التى أيقظتها أمريكا بنفسها، وبدون الخطر ليست هناك حاجة ملحة لترسانات الأسلحة، ولا الوجود الأمريكى متعدد الصور.
تميم لا يهمه أن يبيع أخواله وأعمامه حكام الخليج، ويمزق المواثيق المكتوبة وغير المكتوبة، التى تحمى الأصول الخليجية العريقة، فى إدارة الخلافات فيما بينها. خائن وعميل يمضى فى سياساته الانتحارية إلى نهايتها، غير مدرك أن مصير أى حاكم يقوم بهذا الدور القذر، هو العار الذى يلاحقه حيا وميتا، وأن من فعل مثله يتبوأ الآن مكانة فى مزبلة التاريخ، وذروة العار عند الخليجيين هى هدم الأصول العربية الراسخة، وتسفيه قيمة احترام الكبار، خصوصا من «عيل تافه»، خرج عن مقتضيات الأدب، ولا يعرف القيم ولا الأصول.
دول التحالف الرباعى ستفلت من الشراك المنصوبة، إذا تمسكت بمواقفها الثابتة، واستمرت فى الإجراءات الصارمة ضد قطر، ومراقبة مدى التزامها بالشروط، ولا تبتلع طعم الضغوط الأمريكية، التى تستهدف شق الصف وتشتيت المواقف، وإيجاد الحجج والمبررات الرامية إلى إفلات قطر من الحصار، ويزداد موقفها صلابة إذا أغلقت الأبواب أمام مبادرات تقبيل اللحى، التى تتبناها دولا خليجية، هى أول من يعلم أن طفل قطر الضال ليست له كلمة ولا التزام،دول الخليج تعلم جيدا أن الجائزة الكبرى، التى تسعى واشنطن تقديمها للدوحة، هى إبعاد مصر عن التحالف الرباعى، لتكون الأزمة خليجية خالصة، والانفراد بالدول الثلاث الأخرى دولة وراء دولة، لتصل فى النهاية إلى جبهات فردية مرتبكة، لا تستطيع أن تتخذ موقفا موحدا، ويؤكد ذلك الآداء التمثيلى المتقن، وتوزيع الأدوار بين الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته، فبينما يؤكد الأول أن قطر داعمة وممولة للإرهاب، ويهدد بنقل قاعدة العديد من أراضيها، يصر تليرسون عل إطلاق تصريحات، بأن قطر من الدول التى تتخذ إجراءات فعالة، فى الحرب ضد الإرهاب، وكأن الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته لا يجلسان أبدا مع بعضهما!
اللعبة كبيرة وتشبه جبل الجليد الذى لا تظهر سوى قمته، وتحتها تتحرك علاقات ومصالح ومؤامرات، متشابكة ومعقدة ومتعددة المسارات والفتحات، وما تم الاتفاق عليه اليوم قد يتغير غدا، ولكن الذى لن يتغير هو أن تميم لم يعد قابلا للاستمرار، وسط الأنظمة الخليجية الرافضة لوجوده، وفى شريعة الخليحيين «إذا خانك الشخص مرة فهذا ذنبه، أما إذا خانك مرتين فهذا ذنبك أنت»، ولن يكون ذنب الحكام أمام شعوبهم قابلا للغفران، إذا تركوا هذا الطفل الضال معولا يهدم دولهم ويفتت وحدة شعوبهم، ووراءه قوى تحركه بالريموت كنترول، لإضفاء الواقعية على تمثيليات الابتزاز السياسى ونهب الموال.. وأسوأ السيناريوهات أن يفلت الفأر من المصيدة.