غطرسة القوة الكاذبة هى التى أطاحت بالإخوان، والحمد لله، كان يمكن أن يستمروا لو تحلوا بأدنى قدر من الذكاء، فحتى اللحظات الأخيرة قبل ثورة 25 يناير لم يكن فى نية المجلس العسكرى الإطاحة بهم، وتعاملوا مع إنذار الأيام السبعة ثم الـ48 ساعة بمنتهى الغباء والغرور.. كانوا يتخيلون أن العصابات الإرهابية فى سيناء سوف تشل الدولة، وتضعف قدرات الجيش والشرطة، وكانوا على ثقة بأن ميليشياتهم المسلحة فى القاهرة والمحافظات سوف تسيطر على الموقف بعد إعلان النفير العام.
غباء القوة هو الذى دفع مرسى إلى الغطرسة فى خطابه الأخير، قبل 3 يوليو بيوم واحد، فأخذ يهدد ويتوعد وينذر بحرب أهلية، مرددًا عبارته الفارغة «الشرعية ودونها حياتى»، واقترب من نهايته وحانت ساعة الصفر.. خطاب هيستيرى لأهله وعشيرته، وليس للمصريين، وشن فيه هجومًا على المعارضة والإعلاميين والقضاة ورموز المجتمع، وخص بالتهديد مكرم محمد أحمد، ومنير فخرى عبدالنور، وجودة عبدالخالق، ووصف أحد قضاة المحكمة الدستورية العليا بأنه مزور، واتهم 32 عائلة مصرية بأنها من الفلول وتعمل على الإطاحة به.
غباء القوة جعله يكرر كلمة «الشرعية» عشرات المرات، دون أن يفهم معناها ومغزاها، وأن شرعية الشعوب فوق شرعية الحاكم، وشرعية الوطن تجبّ شرعية الجماعة، وشرعية الاستقرار تقطع أذرع ميليشياته، وشرعية الحفاظ على هوية مصر على المحك، إما إنقاذها والحفاظ على حضارة دولة وثقافة شعب، أو أن يذهب ذلك أدراج الرياح مع جماعته المتعطشة للحكم مهما كان الثمن.
لم يفهم مرسى أن شرعيته وشرعية جماعته التى اكتسبها بالانتخابات تآكلت تدريجيًا، باعتدائهم على مكونات الشرعية، وأهمها الحفاظ على هيبة الدولة، فأهانوا وأضعفوا الدولة، وتعظيم مؤسسات الحكم، فاعتدوا على القضاء، وحاولوا أخونة الشرطة، وزرعوا جماعتهم فى مناصب الدولة العليا، غير جنون الإعلان الدستورى، وتنصيب مرسى حاكمًا فوق الدستور والقانون، وهم يعلمون جيدًا أنه لا يأمر ولا يحكم، بل ينفذ طائعًا ما يأتيه من مكتب الإرشاد.
غباء القوة هو الذى جعل خيرت الشاطر يتوهم أن ميليشياته أقوى من الشرطة والجيش، واستعرض عضلاته الكاذبة أمام وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى يوم 25 يونيو، قبل الثورة بخمسة أيام، وأخذ يشير بأصبعه على شكل شخص يدوس على الزناد، ملوحًا بأنه لن يستطيع السيطرة على المقاتلين فى المدن وسيناء إذا اقترب الجيش من كرسى مرسى، وسمع تحذيرًا شديد اللهجة، لم يفهمه وقتها، ولعله فهمه فى محبسه الآن.
لم يفهم مهرجهم المتنكر صفوت حجازى الفرق بين الجد والتهريج، وخيل له خياله المهزوز أن الناس صدقوه عندما قال « بالملايين على القدس رايحين»، و«انجعص» على مقعده فى أحد برامج التوك شو صائحًا «مرسى خط أحمر، اللى يرشه بالميه أرشه بالدم»، وعندما أسدل الستار على التهريج وبدأ الجد، فرّ متنكرًا، محاولًا الهرب عبر الحدود، لا ميه ولا دم ولا مرسى ولا خط أحمر، وقال قولته المأثورة «أنا مش إخوان».
رغم كوارث الإخوان وجرائمهم، لم يكن فى نية الجيش أن يطيح بهم، فلم يكن راغبًا فى الحكم، أو الانخراط فى الصراع السياسى، وكان حريصًا على تأمين البلاد وحماية أرواح المصريين، ودرء الخطر أيًا كان مصدره ، فلما أصبح الخطر هو الإخوان، كان ضروريًا أن ينصحهم ويحذرهم، لكنهم لم يفهموا الرسائل وقرأوها خطأ، وجاءتهم «طمأنة» بأن أمريكا معهم وتريدهم فى الحكم، فى إطار الترتيبات التى تجهزها للمنطقة، واللى معاه أمريكا ميخسرش.
استهانوا بمصر كدولة وشعب وجيش، وجعلوا «كلاب السكك» يتآمرون علينا، فمن هى قطر الملعونة التى تخطط حكم مصر، وتحرك قوى الشر، وتدفع للخونة المأجورين ليكونوا شوكة فى ظهر بلدهم؟، وما قوة قناة الجزيرة لتستبيح كاميراتها شأننا الداخلى، فتمتلك مكاتب فى ماسبيرو وميدان عبدالمنعم رياض والتحرير، وتشعل الأحداث وتفجّر الفتن؟.. مصر ليست رخيصة بهذا الشكل ليعبث «تميم» وعائلته بأمنها واستقرارها، ثم يمدهم خونة القصر بأدق أسرار تسليح الجيش وتمركز القوات.
استهان الإخوان بمصر وشعبها وجيشها، وكان ضروريًا أن تنهض الأمة من كبوتها، وتزيح التراب عن كاهلها، وترفع رأسها فى السماء «تحيا مصر».. مصر التى أرادوا إذلالها وكسرها، فانشقت الأرض عن شعب أبىّ، يموت جوعًا ولا يفرط فى كرامته، شعب يعرف قيمة بلده التى لا يعرفها الإخوان، ويعتز بجيشه الذى هتف الإخوان بسقوطه، وإذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.
أخطأ الإخوان حين تصوروا أن «لحم مصر طرى»، فخرجت لهم نساء مصر، فى مشهد سوف يقف أمامه التاريخ طويلًا، متسائلًا عن سر القوة والحماس والشراسة التى تحلت بها المرأة المصرية وهى تصرخ من أعماقها «يسقط يسقط حكم المرشد.. الجيش والشعب والشرطة إيد واحدة.. ثورة ثورة فى كل حتة هى ثورة 30 ستة .. إصحى يا مرسى صح النوم 30 ستة آخر يوم».
وكان ضروريًا أن يكون 30/6 آخر يوم فى حكم الإخوان لمصر، وبعث مصر من جديد.. لم تكن مجرد ثورة، ولكنها العودة إلى الحياة.