كان المشهد مؤلما ولكنه معتاد، اشتباك فى شوارع القدس بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلى، غضبة فلسطينية جديدة دفاعا عن المسجد الأقصى، أمر متكرر على مدى سنوات طويلة منذ سكن سرطان الكيان الصهيونى فى جسد الأراضى الفلسطينية.
تكرار المشهد الذى خلف معه 4 شهداء فلسطينيين وأكثر من 200 مصاب، صاحبه تكرار لردود الفعل العربية والدولية، وكأننا أمام كتالوج لا يتغير، الكيان الصهيونى يطغى ويمنع الصلاة فى المسجد الأقصى سعيا لتهويده، الشعب الفلسطينى ينتفض، وسائل الإعلام تتابع وتغض البصر عن تجاوزات قوات الاحتلال الإسرائيلية، الإعلام العربى ينقل الحدث مصحوبا بعويل وبكاء وتذكير بما مضى، وحكومات عربية تفتح الأدراج القديمة، لإعادة نسخ بيانات الشجب والإدانة ضد ممارسات الكيان الصهيونى، والإخوان وكل من ينتمى إلى جماعات الإسلام السياسى يمارسون دورهم المعتاد برفع شعارات أين الحكام العرب، وجيش محمد سوف يعود، وينفض السامر ليبكى الأهل موتاهم وجرحاهم وحال الأقصى الذى أصبح فى قبضة قوات الاحتلال.
الكتالوج واضح جدا ولكننا فى حاجة إلى إعادة قراءته بتركيز مرة أخرى، لأن الوضع يبدو الآن مختلفا مع سعى الإخوان والدواعش وجزيرتهم القطرية، لاستغلال ما يحدث فى القدس لتصفية حسابات مع مصر وتشويه جيش مصر، بينما هم الإخوان والدواعش وأبناء جماعات الإسلام السياسى عموما أصحاب المسؤولية الكبرى عن تشويه مضمون القضية الفلسطينية فى أذهان الشعب العربى.
كتالوج التعامل مع اشتباكات الفلسطينيين مع جنود الكيان الصهيونى فى شوارع القدس واضح ومكرر، المنتمون لجماعة الإخوان يهتفون خيبر خيبر يا يهود وجيش محمد سوف يعود، والأقصى نادى يا صلاح الدين، ولكنهم لا يتحركون أبدا لتحرير الأقصى، ولا يطلقون رصاصة واحدة فى صدر جندى إسرائيلى، ولا ينشرون فتاوى تبيح وتحرض رجالهم على الجهاد ضد إسرائيل، رغم أن الجماعة بمكتب إرشادها بإعلامييها وشيوخها لا يملون يوما من التحريض وإصدار الفتاوى التى تبيح لعناصرهم الإخوانية حق قتال جنود الجيش والشرطة فى مصر، وتخريب أكشاك الكهرباء وغيره، باختصار يهتف الإخوان فقط للأقصى ولكنهم يملون ويسلحون خلايا نوعية مثل حسم لقتل جنود الجيش والشرطة فى مصر.
لا يختلف السلفيون كثيرا عن الموقف الإخوانى، مع كل اشتباك جديد فى أرض القدس المحتلة يكتفى السلفيون بالدعاء لدولة الخلافة وكيف أنها طوق النجاة الوحيدة، مع تكثيف الدعاء فى المساجد على النصارى واليهود، لا أعلم ما علاقة النصارى بالأمر ولكنهم يفعلون، وفى نفس الوقت لم نرَ فتاوى من السلفيين ولا تمويلا ولا تجنيدا لشباب يقاتلون جنود الكيان الصهيونى، مثلما نرى فتاواهم وأموالهم وجهدهم لتجنيد شباب مسلم للقتال فى سوريا وليبيا والعراق.
ثم يأتى الدور المحفوظ لقناة الجزيرة على مدى سنوات طويلة مضت، تحدث الاشتباكات فى القدس المحتلة من هنا، وتفتح فضائية الجزيرة القطرية الهواء على مدى الساعة للتباكى على الأقصى الضائع، والحديث عن الجيوش الصامتة فى مصر والجزائر وغيرها، دون أن يحدثنا أحد مذيعى الجزيرة عن الجيش القطرى أو أموال قطر التى لا تخرج لإنقاذ أهلنا فى فلسطين، ولا يسأل مذيعو الجزيرة المسؤولين والحكام فى إمارة قطر أو المسؤولين عن الجزيرة نفسها، أين الشهامة والدعم العربى لأهل فلسطين فى إتاحة الفرصة للمتحدث باسم قوات الاحتلال الإسرائيلى للظهور عبر فضائية الجزيرة للدفاع عن جرائم إسرائيل وتشويه الانتفاضة والغضب الفلسطينى.
نحفظ هذا الكتالوج تماما، ونعرف أن عنوانه الواضح هو استغلال جماعات الإسلام السياسى على مدى السنوات الطويلة الماضية للقضية الفلسطينية دون تقديم العون والدعم والمساعدة لها أو لأهل فلسطين، هم يقتاتون على دماء شهداء فلسطين من أجل البقاء فى مربع الصورة الواضح، هم يتاجرون بالقضية الفلسطينية ويتباكون ويحركون المظاهرات وأدواتهم الإعلامية بشعارات أين الحكام العرب والصمت العربى دون أن يفسروا لنا لماذا يحركون ميليشياتهم الإخوانية أو الداعشية المسلحة للقتال فى سوريا والعراق وليبيا وسيناء ولا يحركونها لإنقاذ القدس التى يبكون عليها أمام الرأى العام؟!
الإخوان فى هذه المرة لم يكتفوا بهتافات خيبر خيبر يا يهود، بل اجتهدوا لاستغلال اشتباكات أهل القدس مع جيش الاحتلال الإسرائيلى للضرب فى مصر، مصر فقط وليس أى دولة أخرى، عبر نشر نغمة نشاز فى فضائيات ومواقع الإخوان تعاير الشعب المصرى بأن دولتهم لا تتحرك لأنقاذ القدس، وتحريض الشعب المصرى وتشكيكه فى قواته المسلحة بلحن معتاد هو أين الجيش المصرى مما يحدث فى القدس، وهنا تصبح وقفة التأمل فى الخطاب الإخوانى التحريضى والمشكك ضرورية.
وقاحة وأكاذيب الإخوان تدفعهم الآن للهتاف أين الجيش المصرى لحماية القدس، وواقعيتنا تدفعنا لسؤال عناصر الجماعة الإرهابية، الآن تهتفون بحثا عن الجيش المصرى للقتال أليس هو الجيش الذى تصفونه ليلا ونهارا بأنه جيش المكرونة والكحك غير القادر على القتال ؟! ألم تخبروا الناس عبر أدواتكم الإعلامية خلال السنوات الماضية أن الجيش التركى هو القوى الذى يدافع عن الإسلام وغزة وفلسطين فلماذا لم تهتفوا أين جيش أردوغان؟ ألم تصرخوا بأن حماس هى المقاومة الوحيدة للاحتلال فلماذا لم تسألوا عن كتائب القسام؟
يسأل الإخوان عن مصر ودورها الآن رغم أنهم يعلمون جيدا هم وغيرهم أن دور مصر فى القضية الفلسطينية دم ومال وسياسة ودبلوماسية لا يمكن لأحد أن يزايد عليه، ومع ذلك هم يسألون عن مصر ولا يسألون أبدا عن تميم بن أحمد، يسألون عن دور مصر ولا يسألون تميم لماذا دفع كل هذه المليارات لاستدعاء جنود أتراك لحمايته ولم يدفع مليما لاستدعاء من يحمى أهل فلسطين؟! لماذا لم يسأل الإخوان خليفتهم المزعوم رجب طيب أردوغان عن السرعة الرهيبة التى أرسل بها جنوده لحماية وإنقاذ تميم وقطره، بينما يعيش حالة صمت و«طناش» تجاه ما يحصل فى القدس.
ما لم يتحدث عنه الإخوان هو مسؤوليتهم فى تشويه صورة القضية الفلسطينية وتدميرها، اعتمد الإخوان والسلفيون وجماعات الإسلام السياسى عموما خطابا حنجوريا تواكليا فى التعامل مع القضية الفلسطينية ساهم فى تخدير الشعوب العربية حتى استفاقوا على إسرائيل وهى تسبقهم بمراحل، لا إنكار لمسؤولية الحكومات العربية المتعاقبة، ولكن هذا أمر استفاض فيه الجميع وغفلوا عن دور الإخوان وجماعات الإسلام السياسى، الذين هزمونا فى تلك المعركة بخطابهم التخديرى قبل أن نحارب أصلا.
دمر الإخوان وجماعات الإسلام السياسى أجيالا عربية حينما أقنعوهم وخدروهم بأن الدعاء على اليهود فى المساجد هو سبيل الانتصار، وأن هتاف جيش محمد سوف يعود كافيا لزلزلة قلوب الصهاينة رعبا، وأن الانتصار على الكيان الصهيونى سيتحقق حينما تمتلئ المساجد فى صلاة الفجر مثلما تمتلئ فى صلاة الجمعة، ثم استفقنا جميعا من خطاب الإخوان التخديرى على إسرائيل وقد سبقتنا بالبحث العلمى والتطوير والديمقراطية التى يحرمها الإخوان والسلفيون، تلك هى مسؤوليتهم وجريمتهم خدرونا بالشعارات والهتافات والخطاب الدينى التواكلى لنستيقظ على القدس وقد أصبحت تحت رحمة جنود قوات الاحتلال، تضرب وتقتل لتخلق فرصا جديدة لجماعات الإسلام السياسى كى تتباكى وتهتف الأقصى ينادى يا صلاح الدين، بينما صلاح الدين فى قبره يلعن أكاذيبهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة