لماذا لم تقم مظاهرة واحدة فى مصر ضد العربدة الإسرائيلية فى الأقصى؟
سؤال كاشف ومؤلم، ويعبر عن لحظة راهنة فى نظرة الشعب المصرى للقضية الفلسطينية، وسبقنى للإجابة عنه الصديق الكاتب المحترم الدكتور أحمد الصاوى، الأستاذ بكلية الآثار جامعة القاهرة، متعجبا فى إجابته على صفحته بـ«الفيس بوك» من أن القاهرة التى كانت المظاهرات تهب فيها من قبل من أجل القضية الفلسطينية، لم تتحرك فيها مظاهرة واحدة ولم يتوجه أحد بطلب رسمى لتنظيم مظاهرة دعما للأقصى، وحمل «الصاوى» جماعة الإخوان المسؤولية، فذراعها ممثلا فى حركة حماس انصرفت بعد 30 يونيو 2013 إلى تنظيم المظاهرات تأييدا لمرسى واعتصام رابعة، مما أدى إلى خلق مواقف عدائية من الشعب المصرى للحركة، انعكست بالسلب على القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطينى.
لرأى الدكتور الصاوى وجاهته، وهناك كثير من المواقف التى يمكن ذكرها للتدليل على أن قوى الإسلام السياسى أضرت القضية الفلسطينية كثيرا، لكن فى نفس الوقت لا يمكن إغفال أننا أمام حالة شعبية وسياسية راهنة تسهم أطراف داخلية وخارجية فى تشكيلها، وتتحمل الأنظمة العربية مسؤوليتها فيها، حتى أدت فى الظرف الحالى إلى فرض حقيقة على الأرض عبر عنها الشيخ عكرمة صبرى، خطيب المسجد الأقصى، بقوله: «إسرائيل لم تتعرض لضغط عربى حقيقى بسبب ضعف الدبلوماسية العربية، فالعرب منشغلون بالعنتريات بعضهم على بعض، وشراء أسلحة ليقتل بعضهم بعضا».
وللتاريخ فإن محاولات فض الحضانة الشعبية المصرية للقضية الفلسطينية والنضال الفلسطينى ليست جديدة، وكانت جميعها تمهد لقرارات خاصة بالقضية الفلسطينية تتوافق مع الرغبات الإسرائيلية أو تالية لهذه القرارات، ففى سبعينيات القرن الماضى وقبل وبعد دخول السادات مرحلة السلام مع إسرائيل، تولى الإعلام المصرى مهمة شيطنة النضال الفلسطينى، وبث أكاذيب كقيام الفلسطينيين ببيع أرضهم إلى اليهود، وتشويه صورة الفدائيين، ومنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطينى، والزعم بأنه لو قام الفلسطينيون بالالتحاق بالسادات لحصلوا على مكاسب أفضل، ولم تختف هذه اللغة تماما أثناء حكم مبارك، وذهب الاعتقاد إلى أن اهتمام المصريين بالقضية الفلسطينية تراجع، وعززت التحولات السياسية التى شهدتها المنطقة والانصراف إلى الهموم الداخلية هذا الاعتقاد، غير أن انتفاضة الحجارة الفلسطينية 1987 فاجأت الجميع، ومعها خرجت المظاهرات فى مصر من المدارس والجامعات تأييدًا، وانتفضت النقابات والأحزاب، وكان هذا مفاجئا خاصة للذين ظنوا أنهم نجحوا فى جهودهم من أجل فض الحضانة الشعبية للنضال الفلسطينى والقضية الفلسطينية.
تكرر نفس الأمر مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية «المسلحة» التى اندلعت يوم 28 سبتمبر عام 2000، وتوقفت فعليا فى 8 فبراير بعقد اتفاق هدنة شرم الشيخ برعاية أمريكية، فخلالها كانت هناك مظاهرات وندوات ومؤتمرات، وحضور حزبى ونقابى.
هكذا بقيت القضية الفلسطينية على حضورها لدى المصريين، وهكذا كانت الأحزاب والنقابات تعبر، حتى حدثت التحولات الأخيرة التى تشهدها المنطقة، وحققت فيها إسرائيل أعظم مكاسبها، وأهمها انصراف المواطن العربى عن الاهتمام بالقضايا القومية وفى القلب منها القضية الفلسطينية، وانشغاله بتحدياته الداخلية التى لم تعد تقتصر على الانشغال بتوفير سبل العيش، وإنما تمتد إلى الشعور بأن بقاء الدولة نفسه أصبح مهددا، وبناء على ذلك فإن الناس ينصرفون عن كل الذين تسببوا فى الوصول بهم إلى هذا الحال.
نعم القضية الفلسطينية هى قضيتنا الأم، والقدس ستبقى عروس عروبتنا، لكن هل مازالت الجماهير تمنح الثقة فى أحزابنا ونخبنا ونقابتنا التى دافعت عنها من قبل؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة