عدت من زيارة للمنيا، ممارسات وشائعات تمهد لفتن طائفية، نشاط محموم للطابور الخامس للإخوان، ودعم سلفى غير مسبوق، ومثلما حدث فى «اعتصام رابعة» قواعد الإخوان والسلفيين «إيد واحدة»، الآن هم أيضا إيد واحدة، الإخوان يتفرغون للإرهاب، والسلفيون يتفرغون للأقباط، والوطن فى خطر، أوهام القوة تجعل كثيرين يهونون من تلك المخاطر لصناع القرار، ولكن المثل يقول: «كتر الدق يفك اللحام»، ومعظم هؤلاء السلفيين المتشددين على علاقة تبادل مصالح «كمصادر» مع بعض أجهزة الأمن منذ عصر الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، والدماء تسيل والشهداء من القوات المسلحة والشرطة والأقباط يدفعون حياتهم ولا أحد يلتفت للهيمنة الإخوانية عبر كتائبهم الإلكترونية على الفضاء الإلكترونى، وبارونات الإعلام الفضائى لا يهمهم سوى مصالحهم الضيقة، وماسبيرو والإعلام الرسمى حدث ولا حرج، الخطر يقترب، والإخوان وحلفاؤهم وحالة التذمر جعلت نفوذهم الإعلامى والسياسى يتغلغل فى أوساط الشباب بما فى ذلك قطاعات لم نكن نتوقع مطلقا الوصول إليها مثل الشباب القبطى عبر أخطاء فادحة تقع بحق الأقباط.
وما حدث فى الوراق خير دليل على ذلك، كان المطلوب إزالة عدة تعديات وليس طرد سكان الجزيرة، وعدم الشفافية جعل شائعات الإخوان تهيمن على المشهد، كما أن المآذن الإخوانية والسلفية كبرت ودعت للجهاد، وكأن إزالة التعديات غزو أجنبى، وقام آخرون من «مدعى الثورية» بتسييس المشكلة من أجل الصراع على السلطة، ومن ثم يدفع البسطاء فاتورة غباء عدم الشفافية، وانتهازية معارضى النظام من الدينيين وحلفائهم، وأؤكد أن هؤلاء جميعا لا يهمهم لا جزيرة الوراق ولا سكانها بقدر ما يهمهم سكان الاتحادية، لست مجنونا حتى أصدق أن النظام يحاول طرد سكان جزيرة الوراق الذين أكبر من سكان شبه جزيرة سيناء، كما أن أكثر من %95 من المنازل موثقة بشكل رسمى، عملت صحفيا فى الأزمة الأولى للجزيرة، مساحة الجزيرة 1850 فدانا، منها 1810 ملكيات خاصة، ومنذ عام 2000 مجلس الدولة حكم بوقف وإلغاء قرارات نزع ملكية أهالى الجزيرة، كما صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 848 لسنة 2001، بعدم جواز إخلاء أى مبنى مقام من تاريخه بالجزيرة وعدم جواز التعرض لحائزى الأراضى الزراعية، ورغم ذلك البعض فى سياق «أخونة القضية»، كان يروج أساطير الإخوان، وأضافوا إليها غير الطرد المزعوم أسطورة مشروع إماراتى خليجى، ونسجوا من أكاذيبهم فيديوهات مفبركة، وها هى قنوات الإخوان تحول مقتل الشاب إلى «قميص عثمان»، ولم يذكر أحد كيف أطلق بعض السكان النار على الشرطة وأدى الأمر إلى إصابة 31 من ضباط وجنود الشرطة.. وكيف ذهبت الحملة دون معلومات عما يحاك لها فى الظلام؟!!
كل قرار يصدر سوف يواجه بتلك «الجبهة الإخوانية» وحلفائهم، ونحن بلا دواعى الحذر نتحول من فعل إلى رد فعل نتيجة غياب الشفافية، وأوهام القوة التى يصورها البعض لصناع القرار، والفراغ السياسى حيث إن معظم الأحزاب ليست فاعلة وأغلبها يخضع لابتزاز الإخوان وحلفائهم من مدعى الثورية، وعدم دعم الحوار الوطنى مع قطاعات من المعارضين العقلاء الوطنيين ممن كانوا فى طليعة جبهة 30 يونيو، بل وأغلب من كانوا فى لجنة الخمسين التى وضعت الدستور.
نحن أمام جماهير تؤازر الدولة ولا تجد من يصل إليهم سوى صناع الشائعات، مثلا قرار تأجيل الرحلات إلى الأديرة والتجمعات فى المؤتمرات الخاصة بالمواطنين المصريين المسيحيين، رغم أنه على قدر كبير من الصحة لحماية الأرواح، فإن طريقة إخراجه السيئة أدت إلى شعور قطاعات كبيرة من المسيحيين بالاضطهاد وعجز الأجهزة عن حمايتهم!!
كل ذلك لأننا نفتقد الشفافية، والمقدرة على تقديم القرارات بطريقة المواءمة المجتمعية، الناس تحترم الدولة وتخاف عليها ولكن طريقة «تستيف» الأوراق من كبار الموظفين أو رجال الأمن تؤدى إلى أننا جميعا ندفع الثمن.
المعسكر الإخوانى «السياسى» يكسب أرضا، ونحتاج إلى الصدق وإدراك المخاطر والشفافية، نحتاج إلى دعم الظهير الشعبى إعلاميا من دون «التطبيل» الذى يفقد الصادقين مصداقيتهم، لابد من الإسراع بإصلاح ماسبيرو لأنه «ما حك جلدك مثل ظفرك»، ومع احترامى بارونات الإعلام الفضائى ليس لهم علاقة حقيقية بالواقع، وبمنتهى الصراحة غير محبوبين من قطاعات لا يستهان بها من جماهير 30 يونيو، ولذلك نحتاج وبقوة إلى إعمال العقل والرؤية السياسية وليست الأمنية فقط لأن وضع كل الأوراق فى سلة الأمن تجعلهم ضحايا الإرهابيين وفى مواجهة دائما مع الجماهير، مثلا أين كان نواب الشعب والأحزاب المعنيين فى أزمة الوراق؟ ولماذا لم يتقدموا قبل الأمن بأيام لشرح الموقف؟ وأين كانت الحكومة قبل الأحداث وحتى بعدها؟ نجد لكل وزارة أو مسؤول تصريحات تتناقض مع الأخرى، وأين كان الإعلام والتغطية الإعلامية دون الخضوع للابتزاز؟ الحقيقة أن كل ذلك لم يحدث ويكتفى البعض الآن بتحميل الأمن كل تبعات المشهد.
لا أحد يدرس أن هناك من يحرك قطاعات من الشباب مدعى الثورية جنبا إلى جنب مع «عاصرى الليمون» وقادة جبهة «فيرمونت» التى أتت بمرسى إلى سدة الحكم، ولا تنسوا الجماعات الانتهازية التى تحالفت مع الإخوان فى انتخابات 2012 باسم التحالف الديمقراطى.. هؤلاء يتحركون الآن بالمساندة غير المباشرة للإخوان وإضعاف جبهة 30 يونيو.
أسوأ ما يحدث الآن هو «تهوين» ما يحدث لصناع القرار، دون إدراك حقيقى أن كل التحركات جعلت الشعور بخطر الإرهاب يتراجع أمام افتعال أزمة الوراق، والصراع على السلطة على أشده، والاستعداد لانتخابات الرئاسة القادمة تجرى من قبل الإخوان وحلفائهم على قدم وساق، والنظام ليس له ذراع سياسية سوى بعض الأحزاب التى لا حول ولا قوة لها، وكان الله فى عون الشعب والرئيس.