صدر عن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا، كتاب قيم، من تأليف الدكتور محمود سليم تحت عنوان "تقنية النانو وعصر علمى جديد" الكتاب قد ينظر إليه لأول وهله على أنه كتاب فى الثقافة العلمية، لكن المدقق يجد المؤلف غاص بعمق فى هذا التخصص العلمى الذى بات يغزو يومًا بعد يوم تخصصات كثيرة.
يعرف محمود سليم تقنية النانو بأنها تقنية المواد المتناهية فى الصغر، أو تقنية النانو، أو هندسة المنتجات المتناهية فى الصغر، اشتق اسمها من اسم النانومتر كوحدة قياس، وهى تساوى واحدًا من مليار من المتر، أى تساوى جزءًا من ألف مليون جزء من المتر، ولتقريب المفهوم لدى القارئ الكريم، يمكن القول: إنها مسافة أقل بثمانين ألف مرة من قطر شعرة الإنسان.
ويصف توماس كينى (Tomas Kenny) من جامعة ستانفورد حجم النانو بعدة أمثلة منها، ارتفاع قطرة ماء بعد بسطها بسطاً كلياً على مساحة متر مربع واحد، أو معدل نمو ظفر الإنسان فى الثانية الواحدة، كما أن سمك الورقة العادية المستخدمة فى الكتابة يصل إلى مائة ألف نانومتر.
فتقنية النانو هى، تقنية حديثة قد يعرفها بعض الناس، وقد يجهلها بعضهم، وهى مجموعة من الأدوات والتقنيات والتطبيقات التى تتعلق بتصنيع بنية معينة، وتركيبها باستخدام مقاييس فى غاية الصغر.
وقد ظهرت مفاهيم مختلفة؛ لتعريف تقنية النانو، فهناك من يعرفها بأنها: "التقنية القادرة على تحقيق درجات عالية من الدقة فى وظائف وأحجام وأشكال المواد ومكوناتها، وهذا الأمر يساعد على التحكم فى وظائف الأدوات المستعملة فى ميادين الطب، والصناعة، والهندسة، والزراعة، والعقاقير، والاتصالات، والدفاع، والفضاء، وغيرها...."وأخر يعرفها بأنها:" علم التعامل مع أشياء أصغر من الصغر نفسه". ومصطلح "تقنية النانو" مشتق فى الأصل من الكلمة الإغريقية نانوس التى تعنى القزم الصغير، وتعنى أيضاً عالم الأقزام الخرافى المتناهى فى الصغر. ونستخلص من هذه التعريفات المتعددة، أن تقنية النانو تعنى التقنيات التى تصنع على مقياس النانومتر، وهى أصغر وحدة قياس مترية، وتعادل واحداً من ألف مليون من المتر، أي: تعادل واحداً من مليار من المتر، أو واحداً من مليون من الملليمتر. والنانومتر يعادل عشرة أضعاف وحدة القياس الذرى المعروفة بالأنجستروم، وحجم النانو أصغر بحوالى 80000 مرة من قطر شعرة الرأس. فعند نزع شعرة من الرأس ثم تقطيعها طولياً إلى ثمانين ألف قطعة طولية بالتساوي، فإن كل قطعة ناتجة يصبح عرضها واحد نانو تقريباً. وواضح أنه مقدار متناهى فى الصغر.
وعلم النانو يتوقع له أن يغزو العالم بتطبيقاته التى قاربت الخيال، وبات يعرف فى عالم الإلكترونيات بالجيل الخامس الذى ظهر مؤخراً مع ولادة تقنية النانو، والقدرة على السيطرة على حركة الذرة الواحدة، ومن ثم القدرة على تصنيع المنتجات بدءاً من الذرات.
وقد سبق للبشرية الاستفادة من الجيل الأول الذى استخدم اللمبات (Lamps) بما فى ذلك التلفاز، والجيل الثانى الذى استخدم جهاز الترانزيستور، ثم الجيل الثالث من الإلكترونيات الذى استخدم الذرات التكاملية(IC= Integrate Circuit)، وهى قطعة صغيرة جداً اختزلت حجم أجهزة كثيرة، بل رفعت كفاءتها، وزادت وظائفها، ثم جاء الجيل الرابع الذى استخدم المعالجات الصغيرة(Microprocessor) التى أحدثت ثورة هائلة فى مجال الحاسبات الشخصية(Personal Computer)، والرقائق الحاسوبية السيليكونية التى أحدثت تقدماً فى كثير من المجالات العلمية والصناعية.
أهمية تقنية النانو
أصبحت تقنية النانو فى طليعة أكثر المجالات أهمية وإثارة فى الفيزياء، والكيمياء، والأحياء، والهندسة، ومجالات كثيرة أخرى. فقد أعطت أملاً كبيراً لظهور ثورات علمية فى المستقبل القريب؛ لذا فمن المهم إعطاء فكرة عامة وموجزة لغير المختصين عن هذه التقنية.
ويعود الاهتمام الواسع بتقنية النانو إلى الفترة التى تتراوح ما بين عام 1996م إلى1998م، وذلك عندما درس مركز تقويم التقنية العالمى الأمريكى ((WTEC الموضوع، وأجرى دراسة تقويمية فى أبحاث النانو، وأهميتها فى الإبداع التقني. وخلصت الدراسة إلى نقاطٍ من أهمها: أن لتقنية النانو مستقبلاً عظيماً فى جميع المجالات الطبية، والعسكرية، والمعلوماتية، والإلكترونية، والحاسوبية، والبتروكيميائية، والزراعية، والحيوية، وغيرها. كما أن تقنية النانو متعددة الخلفيات، فهى تعتمد على مبادئ الفيزياء، والكيمياء، والهندسة الكهربية والكيميائية، وغيرها، إضافة إلى تخصصى الأحياء والصيدلة.
ومن هذا المنطلق، فإن الباحثين فى مجالٍ ما لابد أن يتواصلوا مع الآخرين فى مجالات أخرى؛ للحصول على خلفية عريضة عن تقنية النانو، ومشاركة فعالة فى هذا المجال المثير. كما أن الإداريين ذوى العلاقة، وداعمى هذه الأبحاث لابد أن يُلموا إلماماً عاماً موجزاً بهذه المجالات.
ويرى كثير من المتفائلين فى مجال تقنية النانو_ ومعهم بعض الحكومات_ أن لتقنية النانو فوائد عديدة منها:
• وفرة المواد الحميدة بيئياً، والمستخدمة فى توفير موارد نظيفة للمياه.
• المحاصيل والأغذية المهندسة وراثياً تسهم فى وفرة وزيادة الإنتاج الزراعى بأقل متطلبات للعمل.
• تعزيز ودعم نواحى التغذية التفاعلية الذكية للأغذية الرخيصة والقوية.
• زيادة القدرة التصنيعية النظيفة، وذات الكفاءة العالية.
• زيادة سعة تخزين المعلومات، وإمكانات الاتصال.
• تصنيع الأجهزة التفاعلية الذكية: وذلك بزيادة الأداء البشرى عبر التقنيات المتقاربة.
جدير بالذكر أن تقنية النانو لم تعد مجرد مادة للشائعات والرؤى المستقبلية، بل بدأت توليد تجارة حية، ومنتجات مفيدة، وأصبحت تلامس حياتنا بالفعل، وبطرق متعددة؛ لكونها هندسة على مستوى الجزيئات بهدف ابتكار مواد وأجهزة مفيدة. فيمكننا العثور على منتجات التقنية النانوية فى السيارة التى تقودها، وفى دهان جدران المنازل التى نقطنها. كما أنها تسهم فى تحسين تشخيص الأمراض، وتطوير مكونات مواد البناء والبلاستيك، وتمهد الطريق لتطورات أساسية فى الإلكترونيات، وتقنية الحاسوب.
ويعتمد مفهوم تقنية النانو على إعطاء الجسيمات التى يقل حجمها عن مئة نانومتر (النانومتر جزء من ألف مليون من المتر) المادة التى تدخل فى تركيبها خصائص وسلوكيات جديدة. وهذا بسبب إبداء هذه الجسيمات (التى هى أصغر من الأطوال المميزة المصاحبة لبعض الظواهر) مفاهيم فيزيائية وكيميائية جديدة؛ مما يقود إلى سلوك جديد يعتمد على حجم الجسيمات. وقد لوحظ تغير التركيب الإلكترونى، والتوصيلية، والتفاعلية، ودرجة الانصهار، والخصائص الميكانيكية للمادة، وذلك عندما يقل حجم الجسيمات عن قيمة حرجة من الحجم. فكلما اقترب حجم المادة من الأبعاد الذرية خضعت المادة لقوانين ميكانيكا الكم بدلاً من قوانين الفيزياء التقليدية. إن اعتماد سلوك المادة على حجمها يمكننا من التحكم بهندسة خواصها، وبناءً على ذلك استنتج الباحثون أن لهذا المفهوم آثاراً تقنية عظيمة، تضم مجالات تقنية واسعة ومتنوعة، منها: إنتاج مواد خفيفة وقوية، واختزال زمن توصيل الدواء النانوى إلى الجهاز الدورى البشري، وزيادة حجم استيعاب الأشرطة المغناطيسية، وصناعة مفاتيح حاسوبية سريعة.
وعلى الرغم من حداثة تقنية النانو، فإن وجود أجهزة تعمل بهذا المفهوم، وتراكيب ذات أبعاد نانوية ليس بالأمر الجديد، والواقع أن وجودها يعود إلى عمر الأرض، وبدء الحياة فيها، حيث من المعروف أن الأنظمة البيولوجية فى الجسم الحى تصنع بعض الأجهزة الصغيرة جداً، ومنها ما يصل إلى حدود مقياس النانو، فالخلايا الحية تعد مثالاً مهماً لتقنية النانو الطبيعية، حيث تعد الخلية مستودعاً لعدد كبير من الآلات البيولوجية التى بحجم النانو، وتصنَع البروتينات داخلها على شكل خطوط مجتمعة بحجم النانو تسمى ريبوزومات. بل إن الإنزيمات نفسها تعد آلة نانوية، حيث تفصل الجزيئات، أو تجمعها حسب حاجة الخلية. ومن ثم يمكن للآلات النانوية المصنعة أن تتفاعل معها، وتؤدى الهدف المنشود، مثل: تحليل محتويات الخلية، وإيصال الدواء إليها، أو إبادتها عندما تصبح مؤذية.
وتضم فوائد تقنية النانو أيضاً تحسين أساليب التصنيع، وأنظمة تنقية المياه، وشبكات الطاقة، وتعزيز الصحة البدنية، والطب النانوى، وكذلك تحسين طرق إنتاج الأغذية والتغذية على نطاق واسع، والبنية التحتية لصناعة السيارات، وغير ذلك من الصناعات. والمنتجات المصنوعة مع تقنية النانو قط تتطلب عملاً قليلاً، والأرض، أو الصيانة، وتكون ذات إنتاج عالٍ، وانخفاض فى التكلفة، ولها متطلبات متواضعة من حيث المواد والطاقة.
وعلى الرغم من جميع ما ذكر فإن هناك صعوبات كثير تحتاج إلى المزيد من البحث، ومن أهمها: إمكانية الوصول إلى طرق رخيصة وعملية؛ لتحضير مواد نانوية مختلفة على نحو تجارى لاستخدمها فى التطبيقات المختلفة. كما تكمن صعوبة أخرى فى كيفية التواصل بين مفهوم عالم النانو الحديث وعالم الماكرو المستخدم حالياً فى تصنيع الأجهزة الإلكترونية.
المواد النانوية (Nanomaterials)
المواد النانوية (النانومترية) هي: المواد ذات البعد النانومترى المحصور ما بين 1 إلى 100 نانومتر. وتوجد المواد النانومترية فى ثلاث صور، حيث الصورة الأولى أحادية البعد (one_dimensional)، فى حين أن الصورة الثانية ثنائية البعد (two_dimensiona)، أما الصورة الثالثة فثلاثية البعد (three_dimensional).
أين توجد المواد ذات المقياس النانوي؟
إن كثيراً من الوظائف المهمة فى حياة الكائنات الحية تحدث وفق المقياس النانوى، فأجسامنا البشرية وأجسام جميع الحيوانات الأخرى تستخدم مواد طبيعية ذات مقياس نانوى، فالبروتينات والجزيئات تتحكم فى كثير من أنظمة وعمليات جسم الإنسان. فالبروتين الأنموذجى (مثل: الهيموجلوبين) الذى يحمل الأكسجين خلال مجرى الدم، يبلغ قطره تقريبا خمسة نانومتر او خمسة أجزاء من بليون من المتر.
فالمواد النانوية تحيط بينا من كل جانب: فى الأدخنة المتصاعدة من عوادم السيارات، أو من المصانع، أو الرماد البركاني، وكذلك رذاذ البحر، والمنتجات الناشئة عن عمليات الاحتراق. كما استخدمت المواد النانوية منذ قرون، فمثلاً: الذهب (النانوى) استخدم فى الزجاج المصبوغ، والخزف منذ القرن العاشر، ولكن تطلب ذلك عشرة قرون أخرى قبل أن تتطور المجاهر عالية القدرة والمعدات الدقيقة؛ لكى تسمح برؤية المواد النانوية، واستدعائها. وقد نسخ باحثون بنية نانوية لأوراق نبات زهرة اللوتس؛ لإنتاج سطوح مضادة للماء، وتستخدم اليوم فى صنع ملابس مضادة للتلطخ، وإنتاج أنسجة أخرى، ومواد متنوعة، فى حين قلد آخرون قوة ومرونة نسيج العنكبوت، وعزز ذلك طبيعياً بالبلورات النانوية.
سلوك المواد النانومترية (Nanomaterials behavior)
تتصرف الأجسام فى المقباس النانوى تصرفاً مختلفاً تماماً عن تصرفها فى المقاييس الأكبر، فالذهب فى المقياس الكبير Bulk)) على سبيل المثال موصل جيد للحرارة، والكهرباء، ولكنه غير موصل للضوء. فى حين أن جسيمات الذهب النانوية المبنية بناءً مناسباً تمتص الضوء، وبإمكانها تحويل ذلك الضوء الى حرارة كافية تجعلها تعمل كمشرط حرارى مصغر، يمكن عبره قتل الخلايا غير المرغوب فيها فى جسم الإنسان، مثل: الخلايا السرطانية.
كما أن بعض المواد الأخرى يمكن أن تصبح أقوى على نحو ملاحظ، وذلك عندما تبنى على مقياس نانوي. فعلى سيبل المثال: نلحظ ان انابيب الكربون النانوية التى يبلغ قطرها 0.025 تقريبا من قطر شعرة الإنسان قوية على نحو لا يصدق، إذ إنها تستخدم فى صناعة الدرجات الهوائية ومضارب لعبة البيسبول، وبعض أجزاء السيارات فى وقتنا الحالى والعلماء يفكرون بإمكانية جمع أنابيب الكربون النانوية مع البلاستيك؛ لصناعة مركب أخف بكثير من الفولاذ، وفى الوقت نفسه أكثر قوة منه. تخيل كيف يمكن توفير الطاقة إذا استبدلنا بعض المعادن المستخدمة فى صناعة السيارات بهذا المركب ؟!. إن أنابيب الكربون النانوية، موصلة للحرارة والكهرباء أفضل من أى معدن آخر لذا يمكن استخدمها فى حماية الطائرات من ضربات البرق، كما يمكن استخدامها فى دوائر الحاسوب الكهربائية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة