منذ عشرات السنين ونحن نسمع تلك المعلومة التى ذكرها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى افتتاح مؤتمر الشباب بالإسكندرية «الزيادة السكانية سبب غالبية المشكلات التى تمر بها مصر»، وفى الحقيقية نحن نرى آثار هذه الزيادة فى عشرات المواقف اليومية، ومن أبسط صورها ذلك الزحام الذى نعانى منه فى كل حين، لكن على جانب آخر نرى العديد من الدول التى يزيد تعداد سكانها عنا بأضعاف مضاعفة، لكنها لا تعانى بمثل ما نعانيه، بل على العكس تستغل هذه الزيادة بشكل إيجابى، فأين هى المشكلة الحقيقية؟ وكيف يمكننا تجنب آثارها السلبية؟
الزيادة السكانية بالنسبة لى أشبه بالطوفان الذى كان يدمر مصر فى العصور السابقة حتى فطنت مصر إلى تلك المشكلة، واستثمرت فى المياه فأنشأت سد أسوان والسد العالى لتستفيد من تلك المياه بدلا من تبديدها، وتحويلها إلى عامل بناء بعد أن كانت عامل هدم، وكل ما فعلته مصر هو تنظيم حركة المياه لا أكثر، وضع السدود أشبه بوضع إشارات المرور، احتجاز بعض المياه لفترة وإطلاقها فى فترة أخرى، وتنظيم هذا الإطلاق وفقا للغرض المحدد سابقا، بعض المياه يستخدم فى الاستزراع السمكى، البعض الآخر فى توليد الكهرباء، البعض الآخر للشرب والاستخدام اليومى، البعض الآخر فى الزراعة، أى أن كلمة السر وراء تحويل الطوفان المدمر إلى قوة بناءة هى «التحجيم والتنظيم»، فهل يجوز أن نعامل الزيادة السكانية بنفس المنطق؟
الإجابة نعم بكل تأكيد، فلابد من تنظيم النسل حتى تلتقط مصر أنفاسها، ولابد أيضا من توزيع تلك القوة السكانية على سوق العمل بشكل مناسب، فشباب مصر يستقبل الحياة وهو لا يعرف فى أى مجال سيعمل، والمتاح من أعمال فى مصر قليل للغاية، حتى المشروعات الصغيرة لا تتعدى فى ذهن الكثيرين فكرة إنشاء «مطعم» أو شراء «تاكسى»، وهو أمر كفيل بخنق سوق العمل وتكدس الأموال فى المشروعات الاستهلاكية التى تزيد من حدة المشكلة ولا تحلها، والمطلوب الآن هو أن تفتح الدولة قنوات أخرى للعمل بإعداد الشباب للعمل فى الصناعات التخصصية، ولتكن البداية بعمل قائمة بأهم المنتجات «البسيطة» التى تستوردها مصر وتكلفنا مئات الملايين سنويا، ومنح الشباب دورات تدريبية على صناعة هذه المنتجات ثم تمويل المشروعات التى تنوى صناعتها وتدعيمها بالخبرات اللازمة حتى لو كان هذا التدعيم يتطلب إرسال البعثات إلى الخارج أو استقدام خبراء أجانب، دون هذا ستظل المشكلة «مشكلة» ولن تصبح الزيادة السكانية نعمة أبدا.