سبقنا الأولون وقالوا إن الصدفة خير من ألف ميعاد، ويخبرنا الواقع أن الصدفة رسالة من الرب، تكشف ما يظنه البعض غامضا، وتفضح من ظن أن الشعارات والمبالغات والهتافات قد تستره.
لو أنك طلبت ترتيبها هكذا ما حدث، ولكن مقادير الله تجرى لما فيه مصلحة هذا الوطن وعباده، كان التوقيت مثاليا ومحفزا على عقد مقارنة شديدة الأهمية، بين شباب تألقوا وأبدعوا داخل قاعات مؤتمر الشباب بالإسكندرية، وشباب تناحروا وتبادلوا السباب والشتائم على صفحات الفيسبوك، شباب أعلوا قيمة الحوار والمصلحة الوطنية وحاولوا قدر المستطاع بإخلاص التعبير عن وجهات نظرهم، وشباب طالما دعوا للحوار واحترام وجهات النظر المختلفة وحينما اختلفوا تحولوا إلى وحوش يفترس بعضها البعض باتهامات التخوين والعمالة والجهل والخوض فى الأعراض.
فى الوقت الذى كان فيه الشباب المشاركون فى مؤتمر الشباب بالإسكندرية يشتبكون برقى وهدوء حول قضايا مهمة تمس الوطن، يتحدثون أمام الرئيس ومسؤولى الدولة، وينتقدونهم فى بعض الأحيان، ويطرحون أسئلة شائكة رغبة فى الحصول على إجابات صريحة وكاشفة لا يبخل بها الرئيس ولا الوزراء، كانت فئة أخرى من الشباب حصنوا أنفسهم فى غفلة من الزمن بمصطلح شباب الثورة ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعى يضربون أسوأ نموذج للاختلاف وفقدان قيمة الحوار، يتبادلون الشتائم والاتهامات الأخلاقية على الفيسبوك بسبب خلافهم حول قضية طرحها أحدهم.
فى الوقت الذى كان ياسين الزغبى يحمل شكاوى وهموم المواطنين إلى الرئيس، وتدور الجلسات حول قضايا الإرهاب والأسعار والمشروعات القومية بوجهات نظر مختلفة، ولكنها تعلى من قيمة الحوار والمكاشفة، كان بعض نشطاء الفيسبوك ومن تصدروا مشهد المعارضة والثورية فى السنوات الماضية وعاشوا يرهبون الدولة وكل مختلف معهم بحفلات التخوين والشتائم تتكشف حقيقتهم الرافضة لفكرة الحوار والديمقراطية، اختلف النشطاء أو من أطلقوا على أنفسهم شباب الثورة مع بعضهم فلجأوا إلى سلاح التخوين والشتائم، نفس النشطاء الذين طالما جلسوا منظرين وطالبوا بمنح الشعب والمسؤولين دروسا فى الحوار والرقى حينما حانت لحظة الاختبار فى خلاف حقيقى بينهم اكتشفنا أنهم هم أنفسهم من يحتاجون لتلك الدروس.
النشطاء الذين طالما سخروا من البرلمان وخناقات النواب واستخدام بعض النواب لألفاظ خارجة، هم أنفسهم فعلوا أكثر من ذلك مع أول خلاف، النشطاء الذين طالما حاولوا الإيحاء بأن الرئيس والمسؤولين لا يتحملون الاختلاف فى الفكر ولا يعرفون معنى الحوار الديمقراطى سقطوا فى الاختبار ولم يتحملوا اختلافهم وتبادلوا الشتائم فى الوقت الذى كان الرئيس السيسى يسمع وجهات نظر شباب مؤتمر الإسكندرية المختلفة والناقدة بصدر رحب، يحاروهم ويرد على استفساراتهم دون تخوين أو ملل.
تلك مقارنة واجبة، تستدعى مراجعة نقدية عادلة نهدم بها كل المصطلحات والمسميات التى تم تقديسها على مواقع التواصل الاجتماعى فى الفترة الأخيرة، ترد الاعتبار لمعنى فكرة تمكين الشباب، تخلصنا من هؤلاء الذين احتكروا المجال العام عبر حفلات التخوين والاتهامات والشتائم على الفيسبوك وطغوا بأصواتهم العالية وشعاراتهم المزيفة على شباب حقيقى يعمل ويجتهد ويبدع ويفكر على قدر ما يستطيع ولكنه يحترم القيم الحقيقية للاختلاف والحوار عكس هؤلاء الذين تسللوا إلى صدارة صورة مجتمعنا باستخدام تلك الشعارات، وحينما اختبرهم الواقع كشفوا لنا عن وجوه قمعية لا تؤمن إلا بمصلحتها وأفكارها وترى كل مختلف معها عدوا وخصما يستحق التشويه والاغتيال المعنوى.
بدون شك أصبح مؤتمر الشباب بجلساته وأفكاره متنفسا حقيقيا، وساحة للمشاركة تمنح المحبطين أملا، وتدفع المرتبكين لمراجعة الكثير من الأفكار، ونافذة يطل منها على الوطن وجوه تستحق التمكين وتسليط الضوء عليها، وربما تكون هذه الفكرة بلا مبالغة واحدة من أعظم الأفكار التى تحققت فى سنوات ما بعد الثورة، واستطاعت أن تخرج من حيز الشعارات إلى واقع ملموس على الأرض يثرى الحياة السياسية والمجتمعية بشكل يدفعك دون محاباة لأن تشكر أصحاب هذه الفكرة والقائمين عليها فى مكتب رئيس الجمهورية والبرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة