ياسين الزغبى، شاب صغير السن لم يتجاوز العقد الثانى من عمره، معاق جسديا فى أحد قدميه، لكنه يتمتع بذهن متقد، ويسكن خلايا جسده الداخلية حب الوطن، قرر أن يكون رقما مهما فى معادلة تخفيف معاناة وآلام البسطاء والغلابة.
سمع ياسين عن ميعاد مؤتمر الشباب الدورى الرابع والمقام فى الإسكندرية، وتم توجيه الدعوة لعدد لا يقل عن 1500 شاب من محافظات الإسكندرية والبحيرة والغربية وكفر الشيخ ومطروح، فقرر أن يقهر إعاقته الجسدية، ويعلى من شأن عبقريته وقدراته الذهنية، من خلال فكرة خطرت بباله، مبتكرة وخارج الصندوق.
ياسين استقل عجلة وقرر الذهاب إلى قرى وكفور ومدن المحافظات الخمس، ليسأل الناس عن مشاكلهم ويؤكد لهم أنه جاء ليحمل مشاكلهم عبر رسائل مكتوبة ومصورة صوتا وصورة، إلى قاعات مؤتمر الشباب بحضور الرئيس السيسى.
هذه الفكرة البسيطة، فى التنفيذ، العبقرية فى معناها ودلالاتها، حققت من وجهة نظرى ثلاثة أهداف رئيسية، تمثل 3 رسائل حيوية وقوية للمصريين كافة، سلطة ونخب وشعب.
الرسالة الأولى: أثبت ياسين الذى لم يتجاوز عمره العقد الثانى أن الإعاقة ليست جسدية، ولكن الإعاقة الحقيقية هى الإعاقة الذهنية، وعدم القدرة على إنتاج وابتكار الأفكار المبدعة، ومن خارج الصندوق لتكون قيمة مضافة، ومفيدة للوطن.
كما أثبت أن هناك شبابا مصريا حقيقيا بعيدا عن العشرات الجالسين خلف الكيبورد يرفعون شعارات النضال المزيف، ويدعون للتخريب والتدمير، والاعتقاد أن قوة وأهمية الشباب تتركز فقط فى المعارضة من أجل المعارضة والسير عكس اهتمامات الشعب بكل مكوناته، وتدشين الشتائم الوقحة والمنحطة، وأن هذا النهج يعد عملا بطوليا كبيرا، تتوارى أمامه كل الأعمال البطولية الآخرى.
الثانية: الشعور بمعاناة الناس البسيطة فى الكفور والنجوع فى المحافظات المختلفة، وأن مصر ليست سوشيال ميديا، لا «فيس بوك ولا تويتر»، وإنما مصر الحقيقية القاطنون فى المحافظات والقرى والنجوع المختلفة، من السلوم شمالا لحلايب جنوبا، ومن سينا شرقا، إلى الوادى الجديد غربا، وأن النضال الحقيقى على الأرض فى الشوارع المختلفة فى كل المحافظات، والمساهمة فى رفع معاناة البسطاء والغلابة، وليس خلف الكيبورد تحت المكيفات.
الثالثة: إن الإرادة القوية، سلاح فتاك لقتل اليأس والإحباط، ومقبرة كبيرة لوأد الأعذار المخجلة، وأن من يتسلح بالإرادة سيحقق ما يصبوا إليه، وهو ما حدث مع ياسين الذى تسلح بسلاح الإرادة الفتاك ونفذ وعدة للغلابة بأنه سيكون رسول إيصال رسالات معاناتهم ومشاكلهم للرئيس، وسيكون صوتهم المعبر فى مؤتمر الشباب، لذلك أبهر الجميع بإصراره وعزيمته وبرهنته عمليا على أن العجز الحقيقى، عجز «العقل» والنقص الحقيقى نضوب «الإرادة».
نفس الأمر كانت رسالة «آية طه» المصابة بضمور كامل فى عضلات كل أطرافها، ومع ذلك لم تعلق فشلها على شماعة المرض، وعلى الدولة التى أهملت هؤلاء المرضى، والحكومة التى لا تهتم بذوى الاحتياجات الخاصة، واستطاعت، بإرادة فولاذية لا تلين، أن تنجح فى الثانوية العامة، بتفوق مكنها من الحصول على المرتبة الأولى من بين أقرانها، وتقف أمام الرئيس عبد الفتاح السيسى، ليكرمها بجانب كل المبدعين الذين يتمتعون بصحة جيدة ولياقة جسدية، لتؤكد هى وياسين أن الإعاقة الحقيقية المانعة عن التفوق والإبداع هو الإعاقة الذهنية فقط.
ياسين الزغبى وآية طه، مجرد نموذجين من مئات النماذج التى قهرت الإعاقة الجسدية، كما أثبتت مريم فتح الباب، التى جاءت على رأس قائمة المتفوقين للثانوية العامة، لتعلن للجميع، أن الفقر والعوز لا يمنعان مطلقا من التفوق والإبداع، دون الحاجة للدروس الخصوصية، أو الارتكان للحجج غير المنطقية من أن التعليم المصرى سيئ، ومعطل للنجاح والتفوق.
حقيقة هذه النماذج العبقرية أعادت شحن بطاريات الأمل والتفاؤل لدى الغالبية الكاسحة من شباب مصر الحقيقى، صوتا وصورة، بعيدا عن مواقع تصدير الوهم واليأس والإحباط، المعروفة بالسوشيال ميديا، المسيطر عليها «المجهول».
ياسين الزغبى وآية طه ومريم فتح الباب، مجرد نماذج حقيقية لمئات الآلاف، من شباب مصر المتفوقين والوطنيين، البعيدين عن العالم الافتراضى والوهمى «فيس بوك وتويتر»، المسيطر عليه اللجان الوهمية، وما يقرب من مائة يطلقون على أنفسهم نشطاء، من عينة دواسات تويتر، وباعة التويتات والبوستات الجائلين لمن يدفع أكثر، ويحملون من الكراهية والحقد لمصر ما تنوء عن حمله الجبال.
وفى النهاية أحب أن أشير إلى حقيقة مهمة، وهى أن مؤتمر الشباب الرابع، الذى عقد بالإسكندرية خلال الساعات القليلة الماضية، غلب على تنظيمه النضج، والابتكار، والأفكار الخلاقة والمبدعة، التى كانت بمثابة «الدينامو» الذى أعاد شحن بطاريات الانتماء والحب للوطن من جديد، وصدر الأمل والتفاؤل لكل شباب مصر «الواقعى» الباحث عن تحقيق أحلامه على الأرض بعيدا عن العالم الافتراضى الوهمى، والاستماع بنفسه إلى الرئيس وكبار رجال الدولة، من خلال طرح الأسئلة بحرية مطلقة، وتأتى الإجابة مباشرة مغلفة بالصراحة والحقائق..!!
وللحديث بقية.. إن كان فى العمر بقية..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة