فى المؤتمر الصحفى الذى عقدته محافظة القاهرة، يوم الاثنين، للإعلان عن البرنامج الذى أعدته للاحتفال بمرور 150 عاما على إنشاء القاهرة الخديوية، قال المهندس عاطف عبدالحميد، محافظ العاصمة «كنا فى عصر جاهلى قبل الخديوى إسماعيل».
ولا أعرف، حقيقة، من أين جاء المحافظ بهذه الجملة «الخطيرة» وما الذى يقصده بها؟! وما الداعى لاستخدام لغة قاسية فى وصف عصر معين لم يكن الفارق فيه بهذه الحدة، وكيف سعى فى جملة واحدة أن يقضى على أكثر من 50 عاما من النهضة المصرية التى بدأها جد إسماعيل محمد على باشا ووصفها بـ«الجاهلية»، وأعتقد أن المتخصصين وأساتذة التاريخ لا يتفقون مع ما ذهب إليه محافظ القاهرة.
أنا لا أقلل مما فعله الخديو إسماعيل خاصة فى الحلم بقاهرة جميلة ومميزة معماريا، وأن تكون «باريس الشرق» ولا أقلل من ذوقه العالى وحبه للفنون ورغبته فى الظهور بشكل حضارى، فالمعروف أنه عند توليه الحكم عام 1863 كانت حدود القاهرة تمتد من منطقة القلعة شرقاً، إلى مدافن الأزبكية وميدان العتبة غرباً، ويفصلها عن النيل عدد من البرك والمستنقعات والتلال والمقابر، وأنه بعد زيارته لفرنسا وافتتانه بالمعمار والفنون هناك أراد أن ينقل ذلك إلينا ونجح إلى حد كبير، كما لا ينكر أحد أن الخديوى إسماعيل قام بإنشاء أول كوبرى فى مصر وهو كوبرى قصر النيل، ولا أنه أنشأ الأوبرا والبريد والمطافئ.
لكن كل هذه التطلعات سبقتها بسنوات طويلة خطوات حقيقية لصناعة بيئة مصرية منتجة ومحاولات أكيدة لحجز مكان يليق بمصر فى هذا العالم، وحتى فيما يتعلق بمنطقة القاهرة فكتب التاريخ تؤكد أن هذه المنطقة عرفت فى عهد محمد على باشا التنظيم، وذلك عندما ركز الصناعات والحرف فى منطقة السبتية بشمال شرق بولاق، وأزال الأنقاض والقمامة من حولها، وردم البرك والمستنقعات المنتشرة فيها، كما أن محمد على أصدر قرارا عام 1831 أمر فيه بتعمير الخرائب، وتحديد مساحتها، كما أنشأ فى عام 1843 م مجلساً أوكل إليه مهمة تجميل القاهرة وتنظيفها، وفى عام 1846 تمت توسعة شارع الموسكى، وترقيم الشوارع وإطلاق الأسماء عليها، لافتا إلى أنه حرص كذلك على تشييد القصور الملكية الفخمة الموقعة بأسماء مصممين معماريين من إيطاليا وفرنسا، مشترطا عليهم أن يعلم كل خبير هندسى منهم 4 مصريين فنون العمارة والتشييد.
إذا يا سادة محافظ القاهرة لم نكن نعيش فى عصر «جاهلية» وهى كلمة لو تعلمون «قاسية» فى مفهوم الحضارات، كما أنها ذات طابع إقصائى تام سيترتب عليها بالطبع نفى وتجاهل لتاريخ طويل من الأفكار الناجحة التى أقامت صرح هذا الوطن، ولا أخفيك سرا أن الخديو إسماعيل، فى رأيى، فعل ما فعل ليس من باب النهضة والبناء لكن من باب التظاهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة