منذ أيام شغل الناس بتلك الواقعة التافهة، واقعة ظهور صدر فنانة فى تسجيل مصور، بثته على صفحتها على أحد مواقع التواصل الاجتماعى، الفنانة أنكرت، والمعجبون أكدوا، وما هى إلا ساعات قليلة حتى أصبح هذا التسجيل المصور أشهر من جميع أعمال الفنانة، صار أساسيا فى كل التليفونات، صار ثالث الأسئلة التى يسألها الواحد لمن يقابله: أزيك؟ وأزى الأولاد؟ شوفت فيديو غادة عبدالرازق؟ وفى الحقيقية أنا هنا لا أريد تناول هذه الواقعة تحديدا، لكنى أريد أن أتناول ما كشفت عنه تلك الواقعة من أمراض اجتماعية متعددة، أقلها مرض الشغف بالصدور العارية.
المرض الأكبر الذى أقصده هنا هو مرض «عبادة التريند»، والتريند لمن لا يعرفه هو ذلك الاتجاه الذى يسلكه الجمهور، والذى أصبح يعنى ضمن أدبيات «السوشيال ميديا» أكثر الأشياء بحثا أو تناولا، موقع تويتر على سبيل المثال يصنف الهاشتاجات التى يتناولها رواده يوميا حسب الأعلى تداولا، فيطلق على هذا التصنيف اسم «تريند»، موقع «جوجل» أيضا يصنف أكثر الكلمات بحثا على الإنترنت يوميا، فيطلق على هذا التصنيف اسم «جوجل تريندز» ومنذ اهتمام الناس النخب بهذا الوباء، وتحولت حياتنا الإعلامية إلى جحيم مصفى، الفنانون لا ينشغلون بشىء الآن سوى بدخولهم إلى «التريند» الإعلاميون لا ينظرون لشىء سوى للـ«تريند» برغم أن الجميع يعلم تمام العلم غالبية هذه «التريندز» مفبركة ومزيفة ولا تعكس اهتمامات الناس الحقيقية، وعلى سبيل المثال أثناء كتابة هذه السطور لا يظهر فى ترندات جوجل سوى موضوعين هما: فيلم أحمد حلمى المسرب «18 يوم»، وقضية قناة الحياة، وأمس احتل موضوع واحد جميع تصنيفات جوجل من الأول وحتى الخامس، وهو موضوع قرعة الحج، فهل لم ينشغل الناس فى مصر أمس وأمس الأول سوى بهذه الموضوعات؟ بالطبع لا، فلا كل الناس انشغلت بقرعة الحج أمس الأول ولا كل الناس انشغلت بقناة الحياة وفيلم حلمى أمس.
لعلك تسأل: وما علاقة فيديو غادة بهذا المرض؟ وأقول لك إن هذا المرض هو سبب ظهور غادة عبدالرازق بهذا الشكل، فقديما كان الفنانون يحرصون على إنتاج الأعمال الفنية الجيدة ليحظوا بالوجود الإعلامى والفنى وينتبه إليه الناس، أما الآن فيكفى أن تظهر فنانة بلباس النوم أو فنان بلباس الاستحمام على صفحته لتصبح الواقعة أهم الوقائع، وتصبح الفنانة نجمة النجمات، ويصبح الفنان أهم الفنانين، فى ترسيخ مخجل للزيف وانعكاس واضح لمدى الجنون الذى وقعنا فيه بسبب ذلك الهوس بالشهرة الزائفة، التى أوقعت الجميع فى شرك عبادة التريند.