عبد الفتاح عبد المنعم

هل يمكن أن نتخيل العالم بدون أمريكا؟

الأربعاء، 05 يوليو 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحت عنوان «هذا العالم بدون أمريكا»، كتب الباحث على سعد الموسى مقالا رائعا، أنقل منه بعض ما جاء فيه، خاصة الأسباب التى تجعل الإنسان العربى والمسلم يكره أمريكا، التى لخصها الكاتب فى السبب السياسى فقط، وأعتقد أننا جميعا نؤمن إيمانا كاملا بأنه لولا التدخل الأمريكى فى سياسيات دول المنطقة، لكانت علاقتنا بها مثل علاقتنا باليابان أو الصين، يقول الموسى: لا تتقاطع- أمريكا- معك فى مجرد الكراهية مثلما لا تستطيع أن تمحوها بمجرد اللعنة، وبالطبع يخفى وجه أمريكا- السياسى- عشرات الوجوه لأمريكا المختلفة، وهل سأصدمك حتما بالقول: إن وجوه أمريكا الخفية هى ما يحرك حياتك، ويجعل منها أكثر يسرا وسهولة؟
 
خذ مثلا أن أمريكا هى حبة الدواء التى تتناولها، وأمريكا فى هذه الحبة العلاجية هى %70 من الوصفة الصيدلانية لأى عقار علاجى، لا لأنها تسيطر على ثلثى سوق الدواء العالمى، بل لأنها ثلثا المحركات البحثية والمعملية فى صناعة الأدوية والكيمياء الصيدلانية، خذ مثلاً أن أجود أنواع الأنسولين اليوم هو المنتج الدنماركى، ومع هذا يعود الفضل إلى ثلاثة باحثين طوروا اكتشافه فى ثلاث جامعات أمريكية.
 
خذ بالقياس محاليل التخدير وفكرة البنسلين وتقنية العلاج الإشعاعى. خذ فكرة غسيل الدم ولا تنتهى عند حبة البروزاك لمرضى الاكتئاب، ولكن تمعن فى الحقيقة الأخيرة التالية: تسعة من كل عشرة مرضى فى الكرة الأرضية يتناولون وصفة الدواء «أى دواء لأى مرض»، وهم يعلمون أو لا يعلمون أن الفكرة الأولى لهذه الأقراص العلاجية بدأت من معمل أو مختبر أمريكى، من فكرة تجريبية لبحث عالم أمريكى، اقرأ خارطة نوبل للفائزين فى الطب والعلوم لتقرأ هيمنة أمريكا الساحقة، ثم اقرأ السؤال بالمقلوب: كيف يكون العالم بدون أمريكا؟
 
يضيف: أنا لم أكتب من العبث ولا من أجل استفزاز العنوان، تأسرنى الحقيقة التى أعرفها حتى من قبل أن أقرأ هذه الحقيقة، يشير تصنيف شنغهاى لجامعات العالم إلى أن أمريكا وحدها تستأثر بثمان جامعات فى قائمة العشر الأول، تستأثر بـ«38» جامعة من ضمن أفضل خمسين وبـ«54» جامعة من بين المئة الأولى على ذات التصنيف، أمريكا بالمجاز، وطبقا لهذا التصنيف، تستأثر بثمانية أعشار العالم الأول وأربعة أخماس العالمين الأولين وأكثر بمراحل من نصف العالم بأسره، أنا لا أروج لأمريكا، لكن أمريكا تروج لنفسها بصورة تدعو كل ما هو «غير أمريكى» إلى اليأس والقنوط إلى الإحباط ونحن فى محل الفرجة.
 
ولكى تكتشف الحقيقة المستفزة الصادمة عن واقع هذا العالم بدون أمريكا لا تكتفى بمجرد اللعنة، العالم بدون أمريكا سيعود قرناً كاملاً للوراء بهذه الحسبة البسيطة: هب أن التقدم التقنى العلمى الذى وصل إليه الإنسان فى قرن من الزمن ينهض أمامك مثل عمارة شامخة، انزع من البنيان كل طوبة أمريكية فى هذه البناية، كل طوبة تمثل بحثا أو اختراعا أو تجربة أو منتجا، سوف تكتشف تماماً أنك لم تنزع الطوب الأمريكى فى البنيان فحسب، بل حتى نصف كل طوبة شاركت بها بقية الأمم، السيارة اليابانية فكرة ميكانيكية أمريكية، شرائح- التشيبس- الإلكترونية المصنعة فى الهند مجرد شراء لحقوق فكرية من وادى السيلكون الكاليفورنى.
 
نوكيا السويدية تطور هائل لتطوير فكرة الجوال التى نشأت فى معامل شركة اتصالات أمريكية، حبة الفياجرا بدأت كتجربة على الدورة الدموية لمريض أمريكى، نحن سادس لغة من حيث عدد المتكلمين، ولكننا خارج قائمة العشرين لأكثر عشرين لغة تداول على الإنترنت، وبسبب أمريكا «تحاشياً أن نقول بفضلها» تكتسح الإنجليزية %65 من كل الصفحات الإلكترونية، وكل هذا لأن المخترع لا بد أن يكون السباق إلى المنتج.
 
تأمل هذه المصطلحات التى لا تستعصى على التعريب فحسب، بل على القولبة والتحوير إلى كل لغات الأرض، حيث كل لسان على الأرض يستخدم الاسم الأمريكى «الإنترنت. جوجل. يوتيوب. ياهو. ميكروسوفت. نيستا. فيس بوك. تويتر»، تلك كلها ليست مجرد أسماء لمخترعات. إنها قبائل العالم الجديدة. إنها شعوب القرن الحادى والعشرين. حيث كل قبيلة وكل شعب من أبناء هذه المصطلحات يصطفون على أبواب- الهوية- الجديدة بالملايين فى الثانية الواحدة. تأمل آخر هذه القبائل الوليدة من رحم «face book» حيث عدد أفراد القبيلة العولمية حتى اللحظة يزيد على 2 مليار مستخدم.
 
ومن كان يفتقد إلى مفردة أو قاموس للشتم، فسأهديه تطوعاً ما شاء من قاموسى لشتم الكابوس الأمريكى، قبل أن تشتم أمريكا تساءل عن تقاطعاتها معك فى الأكل والصحة والاتصال، اطرد من حياتك كل جهاز تعتقد أن فى جسده شبهة مسمار أمريكى، ثم اكتشف أنك ستعود للوراء قرناً كاملاً للحياة إلى ما قبل الأجهزة، وللحديث بقية غدا إن شاء الله.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة