فى سنوات ما بعد ثورة 25 يناير كنا نشتكى من فوضى الإعلام، وعدم مهنيته، وكان الرهان وما يزال على إعادة تنظيم وهيكلة الإعلام فى ضوء مواد دستور 2014، وقانون إنشاء هيئات الصحافة والإعلام، وطبعا ليس المقصود بتنظيم الإعلام خنق حريته، وإنما تنظيم ممارسة هذه الحرية ووقف التسيب والفوضى الإعلامية التى لا تعترف بقواعد مهنية ولا تلتزم بمواثيق شرف إعلاميه.
وقبل ثلاثة أشهر وبالتحديد فى 11 إبريل الماضى صدر قرار بتشكيل المجلس الأعلى للإعلام وهيئة للصحافة وهيئة للإذاعة والتليفزيون، وانطلقت الهيئات الثلاث فى العمل فى ظل مناخ من التفاؤل والأمل فى التغيير، ويومها كتبت هنا أن المهمة صعبة ومعقدة، لأن القانون الذى ينظم عمل المجلس والهيئتين به كثير من نقاط الضعف والعبارات الفضفاضة، كما لم يحدد القانون العلاقة بين الكيانات التنظيمية الثلاث، والأخطر أن اللائحة التنفيذية للقانون لم تصدر لتحدد وتضبط العلاقة بين الهيئات الثلاث، إضافة إلى كثير من الأمور الإجرائية.
للأسف مرت ثلاثة شهور ولم نشهد تغييرات إيجابية فى المشهد الإعلامى، وما تزال الأوضاع الفوضوية واللامهنية على حالها بل ازدادت تدهورا «تكفى الإشارة لأداء التليفزيون فى رمضان وتوحش الإعلانات» حتى إن قطاعات واسعة من المواطنين انصرفت عن متابعة إعلامنا الخاص والعام، وأصبحت تتابع الأخبار من قنوات عربية وأجنبية، أو تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعى.
إن الهيئات الثلاث لم تتحرك فى الاتجاه الصحيح لامتلاك رؤية أو رسم سياسات تعتمد على حوار مجتمعى يشارك فيه الإعلاميون والمواطنون، ودخلت الهيئات الثلاث فى نفق من المشكلات الخاصة بتحديد السلطات والصلاحيات بينها، والصراع على الموارد المحدودة والإمكانيات المادية والبشرية المتاحة لها والموروثة من وزارة الإعلام، والغريب أن هيئة الصحافة نجحت فى تجديد قيادات العمل الصحفى وطبقت الفصل بين رئاسة التحرير ورئاسة مجلس الإدارة لكنها لم تمسك بكرة النار وهى أزمة الصحافة الورقية، والخسائر الكبيرة التى تحققها الصحف القومية، أتصور أن هيئة الصحافة عليها ان تبلور رؤية لمساعدة الصحافة الورقية على الخروج من أزمتها، كذلك فإن هيئة الإذاعة والتليفزيون عليها أيضا ان تبلور رؤية وإستراتيجية عمل شامله لتطوير ماسبيرو، بحيث تكون قادرة على منافسة القنوات الخاصة والأجنبية.
أما المجلس الأعلى للإعلام فقد حاول أن يثبت وجوده بوقف إعلان «يمكن الدفاع عن استمراره»، ونشر تقرير عن ما وصف بأخطاء وتجاوزات مسلسلات وبرامج رمضان، وهو أمر جيد، لكنه أقل بكثير من مهام المجلس والمطلوب منه، هناك موضوعات وملفات خطيرة تحتاج لجهد المجلس منها امتلاك رؤية لدور الإعلام فى الدولة وعلاقته بالنظام السياسى، علاوة على كيفية ضمان حقوق المواطن الاتصالية والإعلامية وحمايته من تغول الإعلانات، وكذلك ضمان الإفصاح والشفافية فى تمويل الإعلام الخاص، باختصار المطلوب كثير والإنجاز محدود ولا يحقق المطلوب أو المأمول.
طبعا سيقال إن ثلاثة أشهر مدة قصيرة ولا يمكن الحكم على أداء الهيئات فيها ولابد من الانتظار، وهذا كلام صحيح جزئيا.. لكن أنا هنا لا أقدم حكما أو تقييما نهائيا، وإنما أؤكد أن الأداء فى الفترة الماضية غير مبشر، والمسار غير صحيح، وبالتالى وجب التنبيه والنقاش، لأن هناك بديهيات تنظيمية كان من الضرورى البدء بإنجازها ولم تلتفت إليها الهيئات الثلاث، وأهم هذه البديهيات هى إصدار اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الإعلام وضرورة تكثيف العمل والجهد من أجل:
أولا: امتلاك رؤية لإصلاح منظومة الإعلام وضمان مهنيته وحريته، والرؤية هى التى تحدد السياسات والإجراءات وما أحوجنا فى مصر إلى الرؤى والاستراتيجيات بدلا من الكلام الكثير عن الإجراءات والتفاصيل، ولاشك أن امتلاك رؤية إعلامية يتطلب تفكيرا وجهودا بحثية وحوار مجتمعيا، وهى أمور ممكنة وبمقدور الزملاء أعضاء الهيئات التنظيمية الثلاث انجازها إذا قرروا العمل فيها، لأنها ليست أمورا مستحيلة أو جديدة فهناك تجارب مصرية ودولية ممكن الاستفادة منها وتطويرها.
ثانيا: وضع قواعد العمل وتشكيل اللجان الفنية المساعدة فى المجلس الأعلى للإعلام وفى الهيئتين، حيث توجد كثير من المهام التى تحتاج إلى جهود فرق عمل للبحث والمتابعة والتخطيط والتنفيذ.
ثالثا: الاتفاق على صلاحيات وسلطات الكيانات التنظيمية الثلاث وعلاقتها معا، وأتصور أن الحوار بين أعضاء الهيئات الثلاث كفيل بإتمام هذه المهمة وفى هذا الإطار يمكن للائحة التنفيذية للقانون أن تساعد فى ضبط العلاقة بين الهيئات. «كنت مع تشكيل هيئة واحدة للإعلام لكن لجنة الخمسين التى وضعت الدستور أصرت على ثلاث هيئات».
رابعا: سرعة العمل لوضع قواعد عامة وتفصيلية لإعادة هيكلة الإعلام، ويفترض أن تأتى هذه المهمة فى ضوء الرؤية والسياسات وبعد استكمال المقومات الإدارية والمادية للهيئات الثلاث.
أرجو أن يبادر الزملاء فى الهيئات التنظيمية الثلاث بالانتهاء من هذه البديهيات التنظيمية فى أسرع وقت ممكن مع تكثيف الجهود لوقف فوضى الإعلام وإصلاح ماسبيرو وإنقاذ الصحافة الورقية بتقديم أفكار وحلول من خارج الصندوق، وقناعتى أن تنظيم الإعلام المصرى وإعادة هيكلته هى مقدمة طبيعية لتطوير الإعلام المصرى، واستعادة دوره فى دعم جهود التنمية الوطنية، علاوة على إلزامه بمسؤولياته الاجتماعية واستعادة القوة الناعمة لمصر فى محيطها العربى والأفريقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة