كنت ومازلت مؤمنا بعظمة شعبنا المصرى، قام هذا الشعب بستة ثورات: 1804 بقيادة الشريف عمر مكرم وأطاحت بالوالى العثمانى خورشيد وأصدرت أول وثيقة دستورية فى الشرق والرابعة فى العالم بعد الفرنسية والإنجليزية والأمريكية، وثورة 1882 التى قادها أحمد عرابى وقولته الشهيرة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» ودعوته لتمصير الجيش المصرى، وبرز شعار: «مصر للمصريين»، ثم ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول التى كونت الجماعة الوطنية وشعارها الخالد «الدين لله والوطن للجميع»، وإقرار دستور 1923 وإقرار الحياة الدستورية، ثم انقلاب يوليو 1952 بقيادة جمال عبدالناصر الذى تحول إلى ثورة بعد التفاف الشعب حوله، وإنجازاتها العظيمة، ثم 25 يناير 2011، التى قادها الشعب وساندتها القوات المسلحة، وفشلت قيادتها فسرقها الإخوان، ثم ثورة 30 يونيو الشعبية بقيادة وزير الدفاع حينذاك عبدالفتاح السيسى، رغم الستة ثورات والعشرة دساتير من دستور 1804 وحتى دستور 2012، إلا أنه لم تكتمل لنا ثورة، ولم يعش لنا دستور؟!
1804 قام محمد على بنفى عمر مكرم وانفرد بحكم البلاد، و1882 خان الإقطاعيين عرابى وتحالفوا مع احتلال البريطانى، و1919 انقسم الوفد وتكونت حكومات الأقليات وألغى صدقى باشا دستور 1923، وقام السادات بتصفية مكتسبات ثورة يوليو وتحالف مع الإخوان، وقام مبارك بعقد صفقة معهم 2005.
هكذا كان الشعب يثور ويضحى والنخب الفاشلة تفرغ هذه الثورات من مضمونها.
تواكبت أعياد ثورة 30 يونيو وعيد الفطر المبارك، ولكننى فوجئت بحالة انفصام وطنى بين الفرح بذكرى هذه الثورة التى حررت مصر والمصريين من الحكم الإخوانى «الثيوقراطى» الفاشى وعيد الفطر المبارك، وبحملة منظمة من الشتائم والسخرية من ثوابت وطنية وأبرزها الجيش المصرى، واندهشت حينما تذكرت كيف كان هؤلاء الشباب يتصورون مع الجنود والضباط ويرفعون شعار: «الجيش والشعب إيد واحدة»، وكيف تحول الأمر إلى هتافات مثل: «يسقط حكم العسكر» وإنكار تام لدور الجيش فى الانحياز للشعب فى 25 يناير وفى 30 يونيو؟!
هذا الاندهاش قادنى إلى مقال سابق كتبتة من وحى تلك ثورة 25 يناير فى 28 سبتمبر 2011 بـ«اليوم السابع» كتبت، «النخبة المصرية وإدمان الفشل» جاء فيه:
«كتب المفكر السودانى د.منصور خالد كتابا بعنوان: «النخب السودانية وادمان الفشل» حول جدل العلاقة بين النخب المدنية السودانية والعسكريين السودانيين، والإخوان السودانيين، وكيف كانت النخب المدنية السودانية تستقوى بالعسكريين لإقصاء الإخوان وتسلمه بنفسها للعسكريين، وبعد أن يختلف المدنيون مع العسكريين على طريقة إدارة البلاد يستقوون بالإخوان فى إسقاط حكم العسكريين وهكذا؟!
هنا فى مصر المحروسة توجد أوجه شبه كبيرة، من قبل ثورة 25 يناير قامت الجمعية الوطنية للتغيير وحركة كفاية بالتحالف مع الإخوان، وحينما نجحت ثورة 25 يناير تحالف أكثر من 40 حزبا وحركة منها الوفد والناصريون وتيار من الماركسيين والليبراليين مع الإخوان فى انتخابات 2012، ولم يكن ضد ذلك سوى تحالف الكتلة الوطنية: «المصريين الأحرار والمصرى الاجتماعى الديمقراطى والتجمع»، وفى انتخابات الرئاسة أسرع هؤلاء ومعهم قطاعات كبيرة من المثقفين المصريين فيما سمى بـ«جبهة فيرمونت» وعاصرى الليمون فى التحالف مع المرشح الإخوانى محمد مرسى وأتوا به إلى سدة الرئاسة، ولكن حينما ضرب الإخوان كل هؤلاء على مؤخراتهم، وانفردوا بحكم البلاد، أسرع كل هؤلاء إلى التظاهر أمام وزارة الدفاع لدعوة الجيش إلى إسقاط حكم الإخوان وبالفعل قاد الجيش ثورة الشعب وأسقط حكم الإخوان، وبعدها هتفوا وتظاهروا وكتبوا وذهبوا أفواجا لإقناع وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى بالترشح، وبعد ضغوط عديدة قبل الرجل، وللأسف أتت الرياح بما لا تشتهى سفن هؤلاء، واختلفوا مع بعض سياسات السيسى، أو لم يقربهم له كما ظنوا، وربما لم يحققوا مصالحهم.. فوجدناهم ينكرون تماما كل ذلك ويحاولون استغفال الشعب المصرى بشعارات أخرى منافية للحقيقة والوقائع العنيدة التى ذكرتها الآن؟!!
على الجانب الآخر قامت كل الجهات من الدولة والأجهزة والتيارات المدنية بعد ثورة 25 يناير بتدليل وتقديس الشباب، ولم تخلُ صحيفة أو برنامج من هؤلاء الشباب حتى تم «تسليعهم» وجعلهم قادة رأى وإعلاميين، حتى أن عبدالرحمن ابن يوسف القرضاوى كان له برنامجان تلفزيونيان ويكتب مقلات فى خمسة صحف!
وبعد ثورة 30 يونيو قامت جهات بعينها بشيطنة هؤلاء الشباب، وكالعادة حجب عنهم الإعلام، وبعد إسقاط وزارة الببلاوى وهروب البرادعى انقلب السحر على الساحر وبعد أن كان هؤلاء الشباب ينتقمون ممن يسمونهم «الفلول» عاد أنصار «الفلول» إلى ملء الفراغ الذى تركه هؤلاء الشباب، واستخدمت نفس وسائل «الإعلام التسريبى»، وأصبح الإعلام مرتع لتصفية الحسابات، وانفرد بارونات الاستثمار الإعلامى بالقرار والتوجة الضيق الأفق، وتحكمت جهات بعينها مع رأس المال فيما تبقى من حياة حزبية، وتوارت المؤسسات البحثية، وأصبح الرئيس عبدالفتاح السيسى يقاوم الإرهاب بيد والفساد باليد الأخرى، ولا أشك لحظة أن الإعلام المرئى صار رد فعل للسوشيال ميديا وأصبح مرتعا لصراعات كلها مشوهة وفاقدة للرؤية، وتوغل رأسمال الدولة على حرية التعبير، واصبحنا نتحسس أقلامنا قبل أن نكتب ونعتمد على ثقة آل الحكم فى وطنيتنا واحترام رؤساء التحرير لخبرتنا، بحيث أشعر أن أصحاب الخبرات ومن كبار السن هم الفئة المضطهدة منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن، هكذا لا أملك سوى تحية إجلال لشعبنا العظيم، لأنه دائما يثور على الظلم ولكنه ابتلى ببعض النخب التى تمرست على الفساد وتقودها مصالحها الضيقة إلى إفساد ثورات شعبها من مضمونها، بل ويتحول الأمر إلى «قلة أدب» وشتائم، ولذلك بكل الحب والعرفان بالجميل الوطنى ادعوا للرئيس: «اللهم احمِ السيسى من بعض أنصاره أما أعداؤه فهو كفيل بهم».