كل ما نعرفه أن صبرا من الله يسكن قلوب أهالى الشهداء، وكل ما نؤمن به أن رجال الجيش المصرى يدفعون من دمائهم ثمنا لحماية هذه الأرض، وكل ما نعلمه أن رجال القوات المسلحة لن تهدأ أرواحهم إلا بالثأر، وكل ما هو مؤكد لنا أن داعش والإخوان ومن خلفهم دولا وأجهزة مخابرات تنفق بسخاء فاق الحدود لتدمير هذا الوطن واستهداف هذا الجيش، وكل ما نعتقد فيه أن هذا الوطن باقٍ وهم ذائلون، لأن درعه هو المقاتل المصرى، فقط يسكن الشك منطقة واحدة، تلك اللحظة التى نقف فيها أمام صورة شهيد أو جنازة شعبية يقودها طفل من أبنائه لنسأل أنفسنا بشك هل فعلا نستحق تضحيات هؤلاء الأبطال؟!
«طالعلك يا عدوى طالع.. طالعلك لو جبل النار.. طالعلك فارس مغوار».
من نسل البطل الشهيد أسطورة الصاعقة المصرية إبراهيم الرفاعى ولد الشهيد البطل العقيد أحمد صابر منسى، يؤمن بكل ما استقر فى قلب ووجدان إبراهيم الرفاعى، 6 سنوات من الخدمة الشاقة فى سيناء، يقدم من خلالها روحه فى كل لحظة فداء لهذا الوطن بإخلاص شديد وعقيدة لا يملكها إلا فرد مقاتل ينتمى للجيش المصرى.
وهبتنى الدنيا شرف لقاء البطل أحمد منسى، معرفة ولقاء سأفاخر به الدنيا إن سألت عن معنى الشرف والشجاعة، وسأسال الله أن يجعلها شفاعة لى يوم العرض عليه، يدرك الجميع بطولات الشهيد منسى فى سيناء، كما يدرك الجميع كيف كان ضابطا من طراز فريد إن وضعته فى كفة ووضعت جيش تميم فى كفة إن كان له جيش أصلا لربحت كفة الشهيد منسى، ولو تكلمت بيادة البطل أحمد منسى عن إقدامه وتقدمه صفوف جنوده، أو قصت على الناس شجاعته حينما أصيب فى يناير الماضى بطلق نارى فى ذراعه وسخر من الطبيب حينما طالبه براحة 15 يوما، قائلا بعد ساعات قضاها فى المستشفى لإجراء جراحة استخراج الرصاصة: «فى موقعى ووسط رجالتى وفى مواجهة الإرهابيين سأحصل على الراحة التى أستحقها»، لو أن بيادة أحمد المنسى تتكلم لقصت على العالم كله ذلك وما هو أكثر منه ليدرك تميم وقطره وجزيرته وداعشه وإخوانه أن تلك البيادة التى شرفت الأرض بحملها أشرف من أشرفهم إن كان فيهم شريف أصلا، هم ومن ابتلع طعمهم فى شوارع القاهرة وجلسوا خلف شاشات حواسبهم الآلية يبثون تشكيكهم فى قدرات رجال الجيش المصرى وينشرون ما يشوهون به منسى وأصحابه.
«طالعلك يا عدو طالع هاعملك من دمى ذخيره واعمل من دمك أنهار».
تلك هى عقيدة رجال الصاعقة المصرية، كان الشهيد منسى بجانب تفرده كفرد صاعقة وقائد عسكرى ذا شأن فى ميدان القتال، مثقف وقارئ ومدرك لأبعاد ما يتعرض له هذا الوطن، كان حادا فى محبته لمصر، كان يتحدث بعلم وثقافة وقدرة على قراءة المشهد المصرى والعربى بشكل أقدر من بعض ممن لقبوا أنفسهم أو لقبهم الزمن فى غفلة برموز الحياة السياسية أو النشطاء، ولكن يرحل منسى ويبقون هم فى تطبيق حى لمثل شعبى يقول «ما يقعد على المداود غير شر البقر»، وهم بما يفعلونه أغبى البقر، وهل هناك أغبر وأشر ممن أسلموا أنفسهم لخصوم وطنهم يساعدونهم فى نشر أجواء التشكيك والإحباط وهز ثقة المواطن فى مؤسسات دولته ورجال القوات المسلحة على وجه الخصوص.
«هيلا، هيلا، هيلا وحوش الصاعقة تلاقينا فى الخنادق بالبنادق على كل شبر فى سينا، أنا صاحى، يا مصر أنا صاحى سهران وفى حضن سلاحى واللى يقلل من قيمتى واللى يكسر عزيمتى يحرم عليه صباحى»
يخطئ من يصور للناس أو يحدثهم عن شهداء صعدوا إلى السماء، ثم يطلب منهم البكاء، يخطئ من يقتصر أمر ما يحدث فى سيناء على دموع تصحب جثامين الشهداء، لأن حربا دائرة وعلى الناس أن يعلموا أن الشهيد الذى ضحى بدمه، سبقت لحظة رحيله معركة ضارية خاضها هو وزملاؤه لصد عدوان إرهاب تموله دولة وتنفق عليه بسخاء لدرجة أن دولة مثل قطر أنفقت فى خمس سنوات فقط أكثر من 65 مليار دولار لدعم الإرهابيين، فى كل معركة وتحديدا فى المعركة الأخيرة التى دارت بمنطقة البرث جنوب رفح يجب أن يسبقك حديثك عن أعداد الشهداء حديثا آخر عن بطولات رجال الصاعقة فى صد الهجوم الإرهابى وتكبيد الإرهابيين خسائر فى الأرواح والعتاد تفوق خسائرنا، لابد أن يعرف الناس حقيقة البطولة التى دارت على أرض سيناء، أن لهذا الوطن ردعا من رجال يضحون بأنفسهم ويخوضون القتال ببسالة حتى يطمئن الجالسون هنا فى الشوارع يمارسون أفعال التنظير.
(وسالت مع النيل يوما دمانا لنبنى لمصر العلا والرخاء)
كانت وصية الشهيد منسى كغيرها من وصايا الرجال، تفضح المزيفون فى الإعلام والسياسة، بسيطة وصادقة تطلب أن تكون بدلته العسكرية كفنه حتى يلاقى بها ربه، وتطلب خيرا لمصر، وتوصى باستمرار القتال وحماية الأرض، هؤلاء هم الرجال بحق، فى سيناء أبطال من لحم ودم وفى عالم السياسة والإعلام أبطال من ورق.
أتذكر الآن وصية صديقى وأبكى، كأنهم ينسخونها نسخا ليضربوا لنا معنى بأنهم غير طامعين ولا عابئين سوى بشىء واحد فقط هو حماية هذا الوطن وأهله، أعرف ذلك جيدا فلقد كان صديقى يوم تخرجه من الكلية الحربية.. رجلا آخر غير الذى أعرف.. استبدلوه، أخذوه منا عودا أخضر، وأعادوه إلينا شجرة جذرها راسخ فى أرض، يؤمن تماما بأن دمه وروحه سر ثباتها، ودرع حمايتها من أى زلزال مقبل. صديقى الآن يخدم فى أرض سيناء، يهاتفنى من هناك لأطمئن مع كل دفقة حماس فى صوته أن هذه أرض لا يمكن لأحدهم أن يلوثها طالما هو ومن معه حراس لها، وأطمئن منه تماما حينما أسمع جملته المعتادة: «هم بيخططوا لاغتيال الروح المعنوية، سلاحنا الأكبر والأقوى، بس مش هيقدروا، عارف ليه؟! عشان كل واحد فينا مستعد إنه يتشال على إيد زميله أو زميله يشيله، وكل واحد فينا عارف إن زميله مش هيسيب تاره ولو بعد حين».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة