صالح المسعودى يكتب: القضاء العرفى

الأحد، 09 يوليو 2017 10:00 م
صالح المسعودى يكتب: القضاء العرفى جلسة عرفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

هل حضرت جلسة عرفية من قبل؟، وما مدى معلوماتك عن (حق العرب) كما يسميه البعض، ولماذا هذه الشهرة الواسعة للجلسات العرفية أو كما يختصرها البعض بكلمتى (حق عرب)، بالتأكيد لم تأت شهرة حق عرب من فراغ بل هى نتاج تجارب عدة وتاريخ طويل لعملية حل المشكلات بالطريقة الفورية المختصرة والتى تؤدى فى كل الأحوال للعدالة الناجزة (إن تم التعامل معها بما يرضى الله).

 

فالقضاء العرفى مصدره (العرف)، ويقصد به الأمر الذى تعارف عليه الناس فأصبح من تراثهم الإنسانى وهو أهم مصادر القانون الوضعى فتعارف الناس على شيء محدد دليل على كثرة تجربتهم له، فقاموا بصقله وتهذيبه وتعديله على مر الزمان حتى أصبح شيئاً من وجدانهم وتعارفوا عليه، فأصبح أمراً سائداً بينهم فالتزموا بتنفيذه على الكبير والصغير والغنى والفقير دون تمييز مما جعل له الاستمرارية اكبر فترة ممكنة فأصبح دستوراً لأهل الريف والبادية.

 

وحق العرب أو القضاء العرفى رغم أنه مما تعارف عليه الناس أى أنه نتاج للتعاملات بين الناس عبر الأزمنة، إلا أنه يرتبط بالدين أو العقيدة أكثر حيث وجوب ألا تخالف أحكامه أوامر الله ونواهيه، فليس من الطبيعى فيه أن تجد نصاً أو توجيهاً يحلل حراماً أو يحرم حلالاً فما خالف فيه شريعة الله كان باطلاً بلا نقاش وهذا ما أعطاه الاستمرارية فى وجود الإسلام بأحكامه التى أوجبها الله سبحانه وتعالى

 

وكثير ما يلجأ إليه الناس فى حل منازعاتهم وخاصة فى المناطق العائلاتية والقبلية التى تحترم الأعراف والعادات والتقاليد فهناك التزام صارم بتعاليم المجموعة، فمن الصعب أن تجد شخصاً يخرج عن النسق العام للقبيلة أو العائلة المحترمة إلا فى أضيق الحدود ويقابل بردع عائلى قد يصل إلى رفع الحصانة والطرد من العائلة أو القبيلة ككل، لهذا كان للقضاء العرفى الكثير من أساليب الردع والحماية مما يجعله واجب النفاذ حتى لا يتعرض مخالفه إلى عواقب وخيمة.

 

والقضاء العرفى مقسم أيضا إلى درجات مثل المحاكم العادية ففيها المحاكم الابتدائية وكذلك الاستئنافية وصولاً إلى النقض، وقد يستلزم الأمر الوصول للدستورية، وكل هذه الدرجات القضائية موجودة وبشكل منسق رغم أنها غير مكتوبة إلا أنها محفوظة فى صدور أصحابها، ولكل درجة من درجات التقاضى سالفة الذكر قضاة متخصصون فى الفصل فى تلك القضايا.

 

وهناك أيضا القضاء المتخصص وله قضاة متخصصون فى الأمور الهامة أو الخطيرة مثل العار (كل ما يخص الاعتداء على المرأة) أو حق الوجه ويسمى حق الشرف وهو يختص (بالكفالة) وتبسيطها أن يتكفل أو يضمن أحدهم تنفيذ الحكم أو سداد الدين أو سداد مخرجات التحكيم (أى عليه تنفيذ حكم القضاة) وخطورة هذا الأمر كبيرة جداً، حيث إن عدم وفاء الكفيل بما التزم به يفرغ عملية التقاضى برمتها من مضمونها مما يترتب عليه أيضا أحكام قاسية على من يتكفل بأمر ثم لا يقوم بتنفيذ تعهداته وكفالته التى تمثل شرفه وكرامته بين الناس.

 

كما أن هناك قضاة متخصصون فى (الدم) وهو ما يسمى (منقع الدم) وهو ما يختص بجرائم النفس بداية من الضرب وصولاً إلى الرقاب أو القتل، يعقب ذلك قضاة (المحارم) أو البيوت التى جعل الله لها حرمتها، كما يوجد تخصصات أخرى مثل الأمور المتعلقة بالزراعة أو (العرايش) وكذالك قضاء متخصص بالأراضى وحدود الجيرة (والسيل والميل) بالإضافة لأهل الأمانات والعار المهمول ويسبق هؤلاء جميعاً قضاة التحقيق أو ما يسمى (الضريبى) ثم يعقب الفصل فى الأحكام ما يسمى (المالحين) وهم قضاة القياس الذين يرفعون المظالم التى قد تقع من بعض القضاة حال جورهم فى الأحكام.

 

ثم يأتى الدور على الحديث عن القاضى نفسه وما يجب أن يكون عليه فهذا أمر فى غاية الأهمية، فالقضاء أمانة خطيرة لا يعيها كل شخص، فقد يأتى الرجل يوم القيامة يتمنى على الله أنه لم يفصل بين اثنين فى (تمرة) ولا يستطيع أى شخص أن يصبح قاضياً ولا تأتى محض الصدفة فهى تحتاج لمكون عقلى وجينى خاص فقد جعلها ربى تحتاج للفهم وليس للحفظ فى قوله سبحانه ( ففهمناها سليمان).

 

فأهم مقومات القاضى بعد تمتعه بالذكاء وسرعة البديهة أن يكون من أهل التقوى والورع، وأن يكون عنده تجرد من الأهواء الشخصية فيستوى عنده (ابنه) مع خصمه ولا يخشى فى الله لومة لائم، فإن توافرت فيه تقوى الله سبحانه مع ما وهبه الله له من حكمة وذكاء فطرى كانت أحكامه مرضية لجميع الخصوم فهو يضع نفسه نيابة عن الخصوم ويقيس الأحكام على نفسه أولاً، وهو أيضا من يتعامل مع حدود الله سبحانه التى أنزل فيها آيات محكمات بكل حكمة فيحاول الابتعاد عن حدود الله الواضحة الجلية فيصلح ما استطاع ما هو دونها.

عزيزى القارئ المحترم كل ما سبق كان سرداً مبسطاً لما يسمى (حق العرب) أو القضاء العرفى صاحب العدالة الناجزة، أرجو أن أكون وفقت فيه بقول يسهل فهمه دون الدخول فى التفاصيل التى تحتاج إلى الكثير من التخصص الذى قد لا يحتاجه البعض.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة