كان صعوده مجددا، تحد أمام تيار متشدد لم تعد سياساته تحقق طموحات كل قطاعات الشعب الذى لجأ لدعم الرئيس المعتدل حسن روحانى، ليهزم بذلك غريمه المتشدد المدعوم من المرشد فى انتخابات أجريت فى 20 مايو الماضى، ويحصد 23 مليونًا و549 ألفًا و616 صوتًا، وبنسبة بلغت 57%.
"روحانى" أطاح بمنافسه الشرس إبراهيم رئيسى، المدعوم من الحرس الثورى والولى الفقيه الذى حصل على 15 مليون صوت، وحسم الاستحقاق الانتخابى لصالحه فى الجولة الأولى رغم التجاذبات الذى شهدتها الانتخابات، فضلاً عن الانتقادات العلنية التى وجهها روحانى خلال حملته الانتخابية لمعسكر المتشددين، لاسيما مؤسسة الحرس الثورى؛ كان لها أثرها فى رسم العلاقة بين الرئيس المنتخب الذى يحتل المركز الثانى فى هرم السلطة، وتلك المؤسسة، والمرشد الأعلى على خامنئى فى قمة الهرم، وأيضا رسمت ملامح المشهد الداخلى فى إيران خلال الفترة التى تلت انتخابه وصولا إلى التنصيب وأداء اليمين الدستورى يوم السبت المقبل، 5 أغسطس.
الحرس الثورى والمرشد وروحانى صراع المرحلة
76 يوم قضاها الرئيس المنتخب لولاية ثانية قبل أداء اليمين الدستورية؛ فترة شهدت صراعًا متصاعدا بين السلطة التنفيذية ومؤسسة الحرس الثورى المدعوم من الولى الفقيه وصل إلى حد التراشق الإعلامى، فرغم محاولة روحانى مغازلة هذه المؤسسة فى خطاب الفوز الذى ألقاه فى 20 مايو الماضى، عندما قال "قوة الحرس الثورى استمرار للاستقرار فى المنطقة"؛ إلا أن ذلك لم تمحو من ذاكرتها استعداء روحانى لها ومطالبته لها بالتنحى عن السياسة عندما قال فى إحدى جولاته الانتخابية فى مدينة مشهد "لدينا طلب واحد فقط: أن تبقى الباسيج والحرس الثورى فى أماكنهما لأداء عملهما"، وعزز روحانى نداءه باقتباس كلمات الزعيم الأعلى الراحل آية الله روح الله خمينى مؤسس الجمهورية الإسلامية الذى قال روحانى إنه حذر القوات المسلحة من التدخل فى السياسة.
روحانى وقائد الحرس الثورى
سلسلة الصراع لم تنتهى عند هذا الحد، فخلال الفترة الماضية تعمد روحانى انتقاد تدخل الحرس الثورى فى الاقتصاد، ضمن انتقادات أطلقها على فى شهر رمضان 27 يونيو الماضى، على مائدة إفطار مع نشطاء اقتصاديين شبه فيها الحرس الثورى بدولة تحمل البندقية تهيمن على الاقتصاد والسياسة والإعلام فى البلاد، ما دفع قائد الحرس الثورى للرد أيضا قائلا "إن الحرس الثورى لا يمارس نشاطات اقتصادية وربحية، بل إن نشاطاته ترتكز على إزالة الحرمان، والقيام بفعاليات عمرانية، واجهاض استراتيجية العدو لفرض الضغوط الاقتصادية على البلاد.. يتفاخرون بالمشاريع التى ينجزها الحرس الثورى، وفى الوقت الذى يدينون لنا فيه بمليارات الدولارات يهاجموننا بلا إنصاف" وقال اللواء جعفرى أنه لولا أنشطة الحرس الثورى فى البناء والاعمار، لكانت إجراءات الحظر مستمرة حتى الآن وتسببت بصعوبات للحكومة والبلاد، مضيفا أن عقيدتنا هو ضرورة بناء إيران بدون الاعتماد على الأجانب.
وكان قصف الحرس الثورى لمراكز تجمع إرهابيين فى دير الزور السورية يونيو الماضى أثره على تعميق الخلاف مع روحانى، الذى قال "أن قرار القصف لم يكن قراراً فردياً أو صادراً عن جهة عسكرية دون غيرها"، ما استدعى أن يرد الحرس الثورى معتبرا أن الضربة جاءت بأوامر القائد العام للقوات المسلحة على خامنئى وفى إطار التسلسل القيادى العسكرى.
ويرى مراقبون أن ظهور الرئيس الإيرانى فى لقاء ودى يوليو الجارى، مع قادة الحرس الثورى البارزين عقب موجة من التراشقات والتجاذب، لا يعنى نهاية الصراع بل كانت محاولة الدولة العميقة لتصدير صورة مغايرة للواقع، عن التوافق والانسجام بين الرئيس وقادة تلك المؤسسة، وتعمدت وسائل إعلام طهران نشر صورًا للقاء جمع لأول مرة بين قادة الحرس الثورى البارزين يرافقهم قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليمانى مع روحانى، وهنأ القادة روحانى خلال اللقاء بالفوز بولاية ثانية، فى مشهد تعمدت فيه الدولة العميقة تصديره للخارج من أجل مواجهة التهديدات الخارجية بعد التقارير التى انتشرت حول الانقسام والاقتتال الداخلى بين أجنحة السلطة.
روحانى وقادة الحرس الثورى
وعلى مستوى العلاقة مع المرشد الأعلى ظل الخلاف والتوتر يحكم تلك العلاقة بين هرم السلطة والسلطة التنفيذية الفترة التى تلت الانتخابات، حيث اشتعلت حرب كلامية بين المرشد والرئيس اتهم فيها خامنئى الأخير بتقسيم المجتمع، امتدت آثارها على مواقع التواصل الإجتماعى، اننتهت بخلاف فقهى بين روحانى والمراجع الدينية المتشددة فى الحوزة الدينية فى مدينة قم معقل الشيعة، عندما استشهد روحانى بإحدى مقولات الإمام على، فى معرض رده على اتهامات خامنئى وتهديده له بمصير الرئيس الأول لإيران أبو الحسن بنى الصدر 23 يونيو الماضى.
عقوبات أمريكية ترفع من نبرة الاعتدال
76 يومًا مضت على إعادة انتخابه، ففى 17 يونيو الماضى، كان أول مشروع قرار يفرض عقوبات أمريكية صوت عليه الكونجرس بأغلبية ساحقة ضد طهران بعد انتخاب روحانى، وتضمن 4 حزم من العقوبات غير النووية، الأولى مرتبطة بالأنشطة الصاروخية الباليستية، والثانية انتهاك حقوق الإنسان، والثالثة تدخلات النظام الإيرانى فى شئون الدول الإقليمية، والرابعة دعم الإرهاب، وكان رد فعل روحانى أن هون من العقوبات الجديدة، صدم به للتيار المحافظ المتشدد الذى يراهن على أن تثنيه الممارسات الأمريكية عن الاعتدال ومشروعه الإصلاحى وتغيير سياسته الخارجية، حيث أكد على المضى قدما فى نهج الإعتدال، فلا يوجد أمامه سوى هذا الطريق بلهجة حادة لن نصل إلى شىء.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
وعلى النقيض، أخرج مشروع قانون جديد يفرض عقوبات على إيران أقره مجلس النواب الأمريكى، فى يوليو الجارى وتهديدات الرئيس الأمريكى إيران بأنها ستواجه مشاكل كبيرة كبيرة، إذا لم تلتزم بالاتفاق النووى، أخرج روحانى عن هدوئه المعتاد، وتخلى مؤخرا عن نبرة "الخطاب المعتدل" الذى لطالما أكد عليه فى إدارة ملف العلاقات الخارجية، وهدد بالرد على قرارات الكونجرس الأمريكى الجديدة، بتعزيز قدرة بلاده الدفاعية، قائلا "يجب أن نعمل على تعزيز قدراتنا الدفاعية وسنقوم بتطوير وتعزيز جميع أسلحتنا الدفاعية دون الالتفاف إلى مطالب الآخرين، وسنواصل مسيرة دعم قدراتنا الدفاعية".
"روحانى" يحصد ثمار الاتفاق النووى بصفقة "توتال"
لم تكن الخلافات وحدها تسيطر على المشهد الداخلى فى إيران، بل تأهب روحانى من جديد لحصد ثمار الاتفاقية النووية التى أبرمها مع القوى الكبرى فى 14 يوليو 2015، ففى 4 يوليو الجارى وقع أولى العقود النفطية لتطوير المرحلة 11 فى حقل بارس الجنوبى بقيمة 4.8مليار دولار مع شركة توتال عملاق الطاقة الفرنسى باتريك بويان طهران، اعتبرته الجبهة الإصلاحية ثمرة جديدة من ثمار الاتفاق النووى، وسيؤدى إلى انتعاش اقتصادى، والذى سيعزز بدوره من شعبيتها السنوات القادمة فى الداخل مع ارتفاع آمال وطموحات فئة الشباب التى منحت أصواتها لروحانى، إلا أنها لم تروق للمتشددين والحرس الثورى الذى قال على لسان العميد عبدالله عبد اللهى قائد مقر "خاتم الأنبياء" التابع للحرس الثورى "أن روحانى تجاهل فى هذا الاتفاق القدرات الداخلية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة