انتعاشة حقيقية تشهدها السياحة المصرية، على مستوى تدفق السائحين من كل بلاد العالم، وكذا على مستوى فتح أسواق جديدة لم تكن نشطة وفاعلة فى السابق مثل السوق الصينى والآسيوى عموما، وأيضا على مستوى زيارات النجوم العالميين الذين يمثل مجرد وجودهم فى مصر حملات إعلانية بعشرات الملايين من الدولارات، ورأينا ميسى وكريستيانو رونالدو ورونالدينهو وسلمى حايك وبيونسيه ومورجان فريمان وكورتنى كاردشيان وغيرهم من النجوم، وهم يعرضون صورهم بجوار الأهرامات أو فى الساحل الشمالى ويعلقون كيف يستمتعون بأجواء مصر وحضارتها.
أيضا توالت التقارير فى الصحف العالمية والمراكز الاقتصادية المتخصصة التى تشير إلى استعادة السياحة المصرية عافيتها بعد حادث الطائرة الروسية فى 2015 بسيناء، الذى نتج عنه تعليق الطيران بين مصر وروسيا وتعليق الطيران البريطانى إلى شرم الشيخ، ورغم أن السوق الروسى هو أكبر الأسواق السياحية بالنسبة لمصر، حيث يتوافد علينا أكثر من ثلاثة ونصف المليون سائح سنويا، إلا أن التقارير الدولية تشير إلى زيادة كبيرة للغاية فى عدد السياح الأوربيين خاصة من الثلاثى إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، كما تتضاعف أعداد السياح الأوكرانيين والصينيين مع إنشاء خط طيران مباشر إلى وسط الصين.
وعلى مستوى التوسعات السياحية، تشهد مصر تكثيفا للاستثمارات السياحية هذا العام، وتسعى مجموعة هيلتون العالمية إلى مضاعفة عدد فنادقها فى مصر من 17 فندقا إلى 34 فندقا خلال سبع سنوات، كما تتدفق استثمارات عربية ومصرية جديدة إلى شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم ودهب ومنتجعات الساحل الشمالى بما يتجاوز الخمسة مليارات دولار، لمواكبة الطلب المتزايد على الحضور لمصر بدءا من العام الحالى والأعوام المقبلة.
ورغم الانتعاشة الملحوظة فى الإقبال السياحى لمصر إلا أن انتقادات عنيفة طالت وزارة السياحة ووزيرها يحيى راشد وصلت إلى اتهامه بالعجز عن استغلال حضور النجوم العالميين إلى مصر الاستغلال الكافى لإحداث رواج سياحى أكبر، وقد كان نجم واحد فيهم وليكن ميسى مثلا أو كريستيانو رونالدو كافيا لتغيير الصورة السلبية عند كثيريين من المواطنين الغربيين والشرقيين على السواء حول الأوضاع الأمنية عندنا أو تجذبهم إلى ما نملكه من كنوز ومنتجعات تستحق الزيارة، كما فعل المطرب البورتريكى لويس فونسى بأغنيته ديسباسيتو.
وهنا لابد وأن نسأل، هل مشكلتنا فى عدم الترويج الجيد للسياحة المصرية، أم فى تطوير الأسس التى تقوم عليها الصناعة والخدمات المتعلقة بها وطريقة استقبالنا للسائحين؟
الإجابة الصريحة على هذا السؤال، تقول بأننا أعداء أنفسنا، لأننا ندمر صناعتنا السياحية بأيدينا، فنحن يمكن أن نكون أعظم من فرنسا التى يزورها أكثر من 80 مليون سائح سنويا وبدون رصد أى ميزانيات إضافية للدعاية والترويج الخارجى، فقط علينا الاهتمام بخريطة المناطق السياحية وأنواعها عندنا ما بين سياحة الآثار والسياحة الدينية والسياحة العلاجية والسياحة الترفيهية وسياحة المؤتمرات، والبحث عن تعظيم المدخلات فى كل قطاع من هذه القطاعات، وقبل كل ذلك وبعده الاهتمام بأمرين شديدى الأهمية، الأول مستوى النظافة فى الأماكن السياحية، فلا يعقل أن تكون القمامة بمحيط أعظم المعلبد الأثرية فى العالم بصعيد مصر، كما لا يعقل أن تكون أهم المواقع الأثرية فى الدلتا مهملة يتقافز عليها الأطفال ويكتبون عليها بالطباشير.
أما الأمر الثانى فهو ثقافة التعامل مع السائحين، ولتقارنوا بين الخدمة السياحية واستقبال الناس للسائحين فى أى بلد وبيننا، لا أقول أى بلد أوروبى مثل إسبانيا أو فرنسا بل أقول لبنان والأردن، لتعرفوا الفرق بين جماهير تدمر صناعة يمكن أن تدر عليهم مئات الآلاف من فرص العمل والكسب وبين أناس يعرفون قيمة الضيف الذى يزورهم وأهميته لاقتصاد بلدهم ويتفننون فى الترحيب به وكسب وده حتى يعاود الزيارة.
باختصار، لا ترصدوا أى ميزانيات للدعاية السياحية لمصر فى الخارج، فالمقاصد السياحية المصرية تبيع نفسها ولا تحتاج إلى ترويج، وبدلا من ذلك وجههوا كل الميزانيات لتغيير ثقافة الإساءة إلى السائحين والتحرش بهم واستغلالهم والاعتداء عليهم بالضرب، وبناء منظومة ثقافية لاستقبال السائح باعتباره ضيفا كريما وزبونا علينا إكرامه ومعاملته بلطف حتى نكسب وده، وهذه هى قضيتنا الأساسية فى صناعة السياحة وأهم ألف مرة من عودة الطيران الروسى أو استئناف الطيران البريطانى إلى شرم الشيخ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة