مع كل حادث قطار يتم توجيه الاتهامات إلى عامل التحويلة أو السيمافور، والسائق، والمدير، ورئيس الهيئة، هناك من يبدأ المزاد بالدعوة لإقالة الوزير، أو الحكومة، وتبدأ المناقشات حول الفائدة من الإقالة، وقصة تردى البنية الأساسية ونقص الإمكانات، وسوء الإدارة، وتراكمات السنين، وفى اتجاه مواز مناقشات عن الإهمال العام، الذى يضيع أى جهد، ويدفع ثمنه الغلابة أو المواطن بشكل عام.
مرات كثيرة تمت إقالة رئيس السكة الحديد، وأيضا وزراء النقل كانوا مع وزراء الداخلية، هم الأكثر إقالة خلال 30 عاما، ولم يتغير الكثير، نقوم كلنا ونهاجم ونتهم ونصرخ، وتقدم الحكومة وعودا وتخصص أمولا، ثم ننسى الحكاية، لنصحو على كارثة جديدة، من قطار كفر الدوار فى التسعينيات، إلى قليوب إلى العياط الأول والثانى، إلى الإسكندرية وهكذا.
فى كل حوادث القطارات، خلال 20 عاما، كان أول اتهام يتم توجيهه غالبا لعامل السيمافور والمزلقان والتحويلة والسائق، بينما المرض فى منظومة مراقبة القطارات والإدارة، وكلام كثير عن الأسباب وعن المتسببين، ونقص الإمكانات المالية، ويبقى الأساس أن هناك خللا واضحا فى نظام الإدارة عموما، والقطار عينة من عينات المؤسسات، التى تعانى من تراكمات مرضية تبدو أحيانا مستعصية على الحل.
جاء تصادم قطارى الإسكندرية فى اليوم التالى لتصريحات وزير النقل هشام عرفات، هدد فيها بمعاقبة المهملين، وأشار إلى أن من لا يريد العمل يمكنه ترك مكانه لغيره، وحملت تصريحاته تهديدا، لكن ساعات ووقع الحادث، فى تأكيد على انتشار المرض فى المنظومة، وقبل سنوات عندما كانت حوادث القطارات تتكرر، كتبت أن «الموت هو القاعدة، والاستثناء هو النجاة»، ومن يتابع الواقع، يعرف أننا نمشى بالبركة فى الكثير من المجالات، وأن الإهمال لا يقل خطرا عن الإرهاب والفساد، وضحايا الإهمال أضعاف ضحايا الحروب.
قبل أيام انتشر فيديو عن طاقم قطار، يتناولون المخدرات فى الكابينة، تمت معاقبتهم إداريا، لكن لم يصدر قرار مثلا بإجراء كشف مخدرات للسائقين ومساعديهم وعمال التحويلة وكل العاملين فى المرفق، مثلما حدث أو كان يحدث مع سائقى النقل والسيارات الملاكى والأجرة، بفرض وجود لجان تفتيش للكشف عن المخدرات وهى خطوة، ويفترض التأكد من تحديث نظام السيمافورات، هناك تكنولوجيا الكاميرات والتحكم، وهى متوفرة ومتاحة، ويمكن الاستعانة بمن هم أقدر على تركيبها وإدارتها.
كانت هناك تصريحات لوزير النقل السابق، المهندس سعد الجيوشى، عن الاستعانة بشركة أجنبية للاستشارة والتطوير فى السكك الحديدية، وبسرعة تراجع الوزير عن التصريحات، لكن الأمر يفتح الباب لسؤال: هل نحتاج إلى الاستعانة بشركات عالمية ذات خبرة للتشغيل ووضع القواعد، أم أننا بحاجة لتغيير نظام الإدارة، وليس عيبا، ففى الدول الكبرى يتم تبادل الخبرات، يمكن أن تستعين بريطانيا بشركات ألمانية مثل سيمنز لتركيب أنظمة التشغيل الإلكترونية، بينما تجد ألمانيا أنها بحاجة إلى الاستعانة ببريطانيين لأنظمة التشغيل والإدارة.
لقد تمت الاستعانة بخبرات من قبل، ونصح بعض الخبراء بضرورة إنشاء خط سكة حديد جديد، وترك القديم أو تطويره مع تخفيف الضغط عليه، هناك دراسات وتوصيات فى أدراج وزارة النقل من عقود، لكن الواضح أن كل وزير يأتى ليبدأ من جديد، وربما تكون هذه أحد نقاط الغياب والحضور فى تكرار حوادث القطارات، التى نظل ندور حولها ولا نعرف من المسؤول عن كوارث القطارات، عامل السيمافور أم سائق القطار، أم الوزير أم رئيس الهيئة؟